رمضان الخير شهر الوحدة الإسلامية
الكاتب: د. علي محمد الصلابي:
إن الألفة والتراحم بين المسلمين شريعة ودين، وقد أودع الله في شريعتنا أخلاقاً تقربنا دائماً من الوفاق والتآلف، وتباعدنا عن الشقاق والتخالف بحيث أننا لو امتثلنا لهذه المثل، وتخلقنا بهذه الأخلاق لكنا دائماً على قلب رجل واحد، ينصر الله به الحق ويؤيد به الدين، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلْفَ بَيْنَهُمْ﴾. [الأنفال:62]
والألفة بين الأخوة ليست قدراً مقطوعاً عن الأسباب، بل هي ثمرة شرع يمتثل، وواجبات تؤدى وأوامر تُطاع، تقضي بأن: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه). [رواه مسلم (2580)] (1)
وتتجلى في رمضان معاني وقيم الوحدة الإسلامية والتكامل الوجداني؛ فالأحكام الإيمانيّة على الجميع والغاية نيل رضا الخالق العظيم، ورمضان شهر الرحمة وتزكية النفوس، قال تعالى: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. (2)
فإن الله عز وجل جعل هذه الأمة أمة صفاء ونقاء في العقيدة والعبادة والسلوك والمعاملة. وجعل أخوة الدين أعلى من رابطة النسب والقرابة قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ وهي أخوة إيمانية قوية لا تزيدها الأيام إلا قوة ورسوخاً وقرباً، وقد حث الله عز وجل على الترابط والتواد والتراحم ونبذ الفرقة والقطيعة، فقال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) فأمة الإسلام أمة واحدة لا يعتريها التفريق والانقسام، فهي أمة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، وهذه المحبة في الله طريق إلى العبادة والتقرب إلى الله عز وجل، فهي من الأعمال الصالحة، ومن أوثق عرى هذا الدين. (3)
وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله ﷺ: ((لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى هاهنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه)) [رواه مسلم].
وإن العمل بهذا الحديث العظيم من أعظم الأسباب الموصلة للتألف بين المسلمين وقلة الشحناء بينهم فالمؤمنون أخوة في النسب أبوهم آدم وأمهم حواء لا يتفاضلون إلا بالتقوى، وأخوة في الدين قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات:10]
وبناء على هذا يجب عليك أيها المسلم محبة الله ومحبة رسوله ومحبة الصالحين ومحبة ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح لأنك مع من أحببت يوم القيامة، كما يجب عليك بغض الكفر والفسوق والمعاصي وبغض الكفرة والمشركين والعصاة والملحدين.
ثم قال ﷺ: ((وكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا))، أي تعاملوا وتعاشروا معاملة الإخوان ومعاشرتهم في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير مع صفاء القلوب والتضحية بكل حال فكونوا عباد الله إخوانا في المحبة والدين والرفق واللين.
إن كل تلك الأعمال الصالحات التي تدعم بها أواصر الأخوة والمحبة، يمكن أن تكون ميداناً للتسابق، ينصب مضماره في رمضان، مسارعة إلى هذه الخيرات إلى جانب بقية الطاعات من الذكر والدعاء والصيام وإقامة الصلوات ﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون: ٦١]. (4)
إن أخوة الإيمان، ليست مجرد مشاعر شاغرة عن الأفعال، مجردة من الوظائف، بل لها مقتضيات ولوازم مثلما لها دواع وموجبات، ومن لوازم الأخوة الإيمانية، الولاء والنصرة، والنصيحة والمحبة، ومساعدته على قضاء حاجاته، وتفريج كربته، وإدخال السرور على نفسه، التي هي أوثق عرى الإيمان، كما قال ﷺ: ( أوثَقُ عُرَى الإيمانِ الحبُّ في اللهِ والبُغضُ في اللهِ). ومن لوازمها أيضاً الصلة والإكرام لكل مسلم بحسب ما عنده من إسلام. (5)
وأخيراً يمكن القول:
إن المحبة في الله، والأخوة في دين الإسلام الحنيف من أفضل القربات، ورمضان هو ترجمة واقعية لحال التآخي والتعاضد الإسلامي الذي هو أساس قوة وسمو دنيوي وأخروي.
المرجع:
1. روح الصيام ومعانيه، عبد العزيز بن مصطفى كامل، (مجلة البيان، الرياض)، الطبعة الثالثة 2007، ص64.
2. كتاب بيوت رمضانية، د. حسن بن محمد آل شريم، (دار ابن الأثير)، الطبعة الأولى 2006. ص131.
3. أربعون درساً لمن أدرك رمضان، (دار القاسم للنشر 2008)، ص209.
4. فيض الرحيم الرحمن في أحكام ومواعظ رمضان، د. عبد الله بن أحمد الطيّار، (مكتبة التوبة، الرياض)، الطبعة الأولى 1992، ص 81.
5. روح الصيام ومعانيه، عبد العزيز بن مصطفى كامل، (مجلة البيان، الرياض)، الطبعة الثالثة 2007، ص 66.