السؤال
أعطاني شخص مبلغا من المال قبل سنوات، على أن أسدده متى ما أتيحت لي الفرصة، بدون شروط، ولا تحديد أجل معين، ولا كتابته، وأتى الآن ليغير الشروط، ويشترط كتابته مع تحديد الأجل لعدم استطاعتي على سداده كاملا حتى الآن. فهل يجوز له أن يلزمني بكتابته الآن، ووضع أجل محدد لسداده على خلاف ما اتفقنا سابقا عليه؟
الجواب
الحمد لله.
من أقرض شخصا قرضا، فإما أن يكون مرسلاً من غير تحديد زمن، أو يكون السداد فيه مؤجلاً ومزمناً بوقت محدد.
والعلماء في مسألة تأجيل السداد على قولين:
القول الأول:
عدم جواز تأجيل القرض، وأنه حتى لو تأجل، فلا عبرة بالتأجيل، وللمقرض أن يطلبه ويسترده بأي وقت شاء. وهو قول جمهور أهل العلم من الحنفية والشافعية والحنابلة.
جاء في كتاب فقه المعاملات للدبيان: " اختلف الفقهاء في صحة اشتراط الأجل في القرض على قولين: القول الأول: للحنفية والشافعية والحنابلة وهو أنه لا يلزم تأجيل القرض، وإن اشترط في العقد، وللمقرض أن يسترده قبل حلول الأجل، لأن الآجال في القروض باطلة.
قال الحنابلة لأنه عقد منع فيه التفاضل، فمنع فيه الأجل كالصرف، والحال لا يتأجل بالتأجيل. ولأنه وعد والوفاء بالوعد غير لازم، ولكن القرض عندهم صحيح، والأجل باطل" انتهى بتصرف يسير من "فقه المعاملات" (1/ 664 بترقيم الشاملة)".
قال ابن قدامة رحمه الله:" وإن أجل القرض، لم يتأجل، وكان حالا. وكل دين حل أجله، لم يصر مؤجلا بتأجيله. وبهذا قال الحارث العكلي، والأوزاعي، وابن المنذر، والشافعي" انتهى من "المغني" (6/431).
القول الثاني:
صحة التأجيل بالشرط. فإذا اشترط الأجل في القرض، فلا يلزم المقترض رد البدل قبل حلول الأجل المحدد. وهو قول المالكية والظاهرية والليث بن سعد، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والشوكاني والشيخ ابن عثيمين رحمهم الله.
قال الشوكاني رحمه الله: "المستقرض قبض المال على التأجيل فلا يجب عليه قضاؤه إلا عند انقضاء الأجل وتمامه وتأجيل الدين قد ذكره الله سبحانه في كتابه العزيز فقال: إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ [البقرة: 282] ، وليس فائدة الكتابة إلا حفظ قدر الدين وقدر أجل تسليمه ومما يدل على لزوم التأجيل حديث: "المؤمنون عند شروطهم"، [أبو داود "6594"، أحمد "2/366"] ، وقد ورد في الكتاب العزيز في آيات كثيرة وجوب الوفاء بالعقود وهي ما يحصل عليه التراضي فليس لمن أقرض قرضا مؤجلا أن يطلب قضاءه قبل حلول أجله" انتهى من "السيل الجرار" (ص:550).
وجاء في "الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية" (1/485): "والدين الحال يتأجل بتأجيله، سواء كان الدين قرضا أو غيره، وهو قول مالك، ووجه في مذهب أحمد، ويخرج رواية عن أحمد من إحدى الروايتين في تأجيل العارية، ومن إحدى الروايتين في صحة إلحاق الأجل والخيار بعد لزوم العقد).
وقال الشيخ عليش المالكي رحمه الله: " إن اقترض إلى أجل سماه: لزم بلا خلاف في المذهب "
انتهى من "فتح العلي المالك" (1/363).
وهذا هو ما اختاره الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه، قال رحمه الله: "باب: إذا أقرضه إلى أجل مسمى، أو أجله في البيع. قال ابن عمر في القرض إلى أجل: لا بأس، وإن أعطي أفضل من دراهمه، ما لم يشترط. وقال عطاء وعمرو بن دينار: هو إلى أجله في القرض، ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل، سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه، فدفعها إليه إلى أجل مسمى) (2274).
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
"والصحيح : أنه إذا أجَّله ، ورضي المُقْرِض : فإنه يثبت الأجل ، ويكون لازماً ، ولا يحل للمقرض أن يطالب المستقرض حتى يحل الأجل، وهو اختيار شيخ الإسلام ؛ لأن هذا لا ينافي مقتضى العقد ، بل هو من تمام مقتضى العقد ؛ لأن المقصود بالقرض الإرفاق والإحسان ، وإذا أجلته صار ذلك من تمام الإحسان ، فالأرفق للمقترض التأجيل، ومن وجه آخر أن الله تعالى قال: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )، وهذا عقد شرط فيه التأجيل ، فيجب أن يُوفى به ؛ لأن أَمْرَ اللهِ تعالى بالوفاء بالعقود ، يشمل الوفاء بأصلها والوفاء بوصفها ، وهو الشروط التي تشترط فيها ؛ وقال الله تعالى : ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً )، والمقرض الذي أجله قد تعهد ألا يطالب إلا بعد انتهاء الأجل ، فيكون هذا العهد مسؤولاً عنه عند الله ؛ ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل )، فعلم من ذلك أن الشرط الذي لا ينافي كتاب الله فليس بباطل؛ولأن المطالبة به وهو مؤجل إخلاف للوعد ، وإخلاف الوعد من سمات المنافقين ...؛ ولأنه ربما يكون في ذلك ضرر عظيم على المستقرض...، إذاً دلالة الكتاب والسنة والمعنى : كلها متفقة على أن التأجيل في القرض جائز ، وأنه ملزِم ولا بد منه " انتهى بتصرف يسير من " الشرح الممتع على زاد المستقنع" (9/101).
وينظر ما سبق في جواب السؤال رقم: (224816 ).
وعليه:
فإن الدين الذي عليك للرجل إذا كان غير محدد بأجل، فله أن يطلبه حالا ، ويجوز له أيضا أن يحدد له أجلاً، إذا لم يكن عندك ما تقضي به دينه حين طلبه ، فإن جاء الأجل وأنت موسر مستطيع السداد لزمك السداد ولا يجوز لك التأخير لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ) البخاري (2400). والمطل: هو تأخير أداء الحق الواجب من غير عذر.
وإن جاء الأجل، وأنت معسر غير قادر على السداد، فلا يجوز له أن يتخذ تجاهك أي إجراء مالي أو غيره، لقوله تعالى في آية الدين وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة: 280].
وأما إذا لم تكن معسرا، وكان عندك ما تقضي به دين صاحبك، فلا يحل لك أن تؤخر قضاء الدين عن أجله، أو عن مطالبة صاحب الدين به ؛ بل يكون تأخير ذلك ظلما منك لصاحبك؛ لقول رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ ) رواه البخاري (2287) ومسلم (1564) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه.
والله أعلم.
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب