من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم: " النجم الثاقب "
الحلقة التاسعة عشر
بقلم الدكتور: علي محمد الصلابي
قال تعالى:" وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ" (الطارق، آية : 1 ـ 3).
يقسم سبحانه وتعالى بكل من السماء والطارق، ثم يثني باستفهام تفخيمي عن ماهية الطارق ويحدده بالنجم الثاقب وقد اختلف المفسرون في تحديد المقصود من تعبير "الطارق" فمنهم من قال: إن الوصف ينطبق على كل نجم، ولا سبيل إلى تحديد نجم بذاته، ولا ضرورة لهذا التحديد، بل الإطلاق أولى ليكون المعنى : والسماء ونجومها الثاقبة للظلام، النافذة من هذا الحجاب الذي يستر الأشياء، ومنهم من قال: إنه الثريا أو النجم الذي يقال له "كوكب الصباح" أو نجم آخر محدد بذاته، ومنهم من قال إن الوصف ينطبق على الشهب التي وصفها القرآن الكريم بأنها ثاقبة كما في قول الحق سبحانه " إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ" (الصافات، آية : 10).
وذلك على الرغم من الفروق الضخمة بين كل من النجم والشهاب، ولكن الواضح من الآيات أن القسم جاء هنا بنجم خاص بذاته سماه ربنا سبحانه :" بالطارق" ووصفه " النَّجْمُ الثَّاقِبُ" وقد ورد ذكر النجوم في القرآن الكريم ثلاث عشرة، أربع منها بالأفراد "النجم" وتسع بالجمع "النجوم" ولم يوصف أي منها " بالطارق النجم الثاقب" إلا في هذه السورة المباركة التي نحن بصددها والتي حملت اسم الطارق تأكيداً أن الطارق نجم محدد بذاته.
ويرى الدكتور زغلول النجار: أن الوصف القرآني "بالطارق النجم الثاقب" ينطبق على مصادر الإشعاع الراديوي المميز بالسماء الدنيا ومن أهمها: النجوم النيوترونية شديدة التضاغط والمعروفة باسم النجوم النابضة أو النابضات أو النوابض، وهي نجوم ذات كثافة وجاذبية فائقة وحجم صغير ولذا فإنها تدور حول محورها بسرعات عالية، مطلقة كميات هائلة في الموجات الراديوية ولذا تعرف باسم النوابض الراديوية، لأنها ترسل نبضات منتظمة من الأشعة الراديوية في كل جزء من الثانية أو في كل عدد قليل من الثواني حسب حجمها وسرعة دورانها حول محورها، وقد يصل عدد نبضات تلك النجوم إلى ثلاثين نبضة في الثانية الواحدة، ويعتقد أن النابض الراديوي يطلق نبضة واحدة من الموجات الراديوية في كل دورة كاملة حول محوره وتسجل المقربات "التليسكوبات" الراديوية تلك النبضات بدقة فائقة، ومن رحمة الله بنا أن أقرب النوابض الراديوية إلينا يبعد عنا بمسافة خمسة آلاف من السنين الضوئية وإلا لكان لنبضاتها المتسارعة أثر مدمر للحياة على الأرض، إذا كانت على نصف هذه المسافة منا ومن مصادر الإشعاع الراديوي المتميز أيضاً ما يعرف اليوم بين علماء الفلك باسم أشباه النجوم، وهي أجرام سماوية شديدة البعد عنا، ضعيفة الإضاءة جداً "ربما لبعدها البالغ عنا" ومنها ما يطلق أقوى الموجات الراديوية التي تصل إلينا من السماء الدنيا ولذا تعرف باسم أشباه النجوم المصدرة للموجات الراديوية تمييزاً لها عن غيرها من أشباه النجوم التي لا تصدر موجات راديوية وعلى الرغم من بعدها الشاسع عنا فإن أشباه النجوم تتباعد عنا بسرعات فائقة، وتعتبر أبعد ما قد تم رصده من أجرام السماء بالنسبة لنا حتى اليوم وتبدو كأنها على أطراف السماء الدنيا تطرق أبوابها لتوصل إشاراتها الراديوية إلينا، وأشباه النجوم في حالة من حالات المادة الخاصة غير المعروفة لنا، وتقدر كتلة شبيه النجم بنحو مائة مليون ضعف كتلة الشمس، وهو قليل الكثافة جداً إذ تقدر كثافته بحدود واحد من ألف مليون مليون من الجرام للسنتمتر المكعب وتقدر الطاقة الناتجة عنه بمائة مليون مليون مرة قدر طاقة الشمس، وقد تم الكشف عن حوالي ألف وخمسمائة من أشباه النجوم على أطراف الجزء المدرك من الكون، ويتوقع الفلكيون وجود آلاف أخرى منها لم تكتشف بعد، وكل من المرحلتين المطلقتين للموجات الراديوية من مراحل حياة النجوم : من مثل النوابض الراديوية، وأشباه النجوم الراديوية يعتبر من أهم المصادر الراديوية في السماء الدنيا وكلتاهما من مراحل احتضار النجوم وإنكدارها التي تسبق الطمس والخنوس، كما في حالة النوابض أو من مراحل التحول إلى دخان السماء اللاحقة بمرحلة الخنوس كما في حالة أشباه النجوم ولعل هذه المراحل الراديوية المتميزة في ختام حياة النجوم هي المقصودة بالوصف القرآني "الطارق النجم الثاقب" لأنها تطرق صفحة السماء وتثقب صمتها بنبضاتها السريعة التردد وموجاتها الراديوية الخاطفة، والله تعالى أعلم.
وإن في سبق القرآن الكريم بالإشارة إلى تلك المراحل من حياة النجوم والتي لم يعرفها الإنسان إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين لهو من الشهادات الناطقة بربانية القرآن الكريم وبنبوة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد هذا القسم بالسماء والطارق يأتي جواب القسم " إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ".
كل حركاتك وسكناتك، وكل أقوالك وأفعالك، وكل تمنياتك، وكل بواعثك وكل آمالك وكل ما أخفيته عن الناس يحفظه الله لك، وسيحاسبك عليه، لأن الذي خلق النجم الثاقب، النجم الطارق، والنجم إذا هوى، هو الذي سيحاسبك على عملك.
" وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ" لم يغب عن علمه نجم في السماء، فهل يغيب عنه شيء في الأرض.
المصادر والمراجع:
* القرآن الكريم
* علي محمد محمد الصلابي، المعجزة الخالدة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم براهين ساطعة وأدلة قاطعة، دار المعرفة، صفحة (83:81).
* زغلول النجار، من آيات الإعجاز العلمي السماء في القرآن الكريم، صفحة (257 -270 -271).
* محمد راتب النابلسي، آيات الله في الأفاق، صفحة (77).