"امتناع سقوط السماء على الأرض" من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم
الحلقة العشرون
بقلم الدكتور: علي محمد الصلابي
جمادى الأولى 1441ه/ يناير 2020م
قال تعالى:" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" (الحج، آية : 65). أي: ألم تشاهد ببصرك وقلبك نعمة ربك السابغة وأياديه الواسعة " سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ" من حيوانات ونباتات وجمادات، فجميع ما في الأرض مسخر لبني آدم، حيواناتها لركوبه وحمله وأعماله وأكله وأنواع انتفاعه، وأشجارها وثمارها يقتاتها وقد سلط على غرسها واستغلالها، ومعادنها يستخرجها وينتفع بها "والفلك" أي: وسخر لكم الفلك وهي السفن " تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ" تحملكم وتحمل تجارتكم وتوصلكم من محل إلى محل وتستخرجون من البحر حلية تلبسونها ومن رحمته بكم أنه " وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ"، فلولا رحمته وقدرته لسقطت السماء على الأرض، فتلف ما عليها وهلك ما فيها :" إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا" " إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" أرحم بهم من والديهم ومن أنفسهم، ومن رحمته أن سخر لهم ما سخر من هذه الأشياء.
لقد سخر الله ما في الأرض لهذا الإنسان، فجعل نواميسها موافقة لفطرته وطاقاته ولو اختلفت فطرة الإنسان وتركيبه عن نواميس هذه الأرض ما استطاع الحياة عليها، فضلاً عن الانتفاع بها وبما فيها.
وهو الذي خلق الكون وفق هذا النظام الذي اختاره له وحكم فيه تلك النواميس التي تظل بها النجوم والكواكب مرفوعة متباعدة، لا تسقط ولا يصدم بعضها بعضاً، فالله سبحانه هو الذي أنشأ الناموس المنظم للوضع القائم والله سبحانه " وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ" بفعل ذلك الناموس الذي يعمل فيها وهو من صنعه " إِلَّا بِإِذْنِهِ" وذلك يوم يعطل الناموس الذي يُعمله لحكمة ويعطله كذلك لحكمة. وفي أيامنا هذه تدرس السماء الدنيا في شرائع تقدر أبعادها بنحو 150 مليون × 15 مليون من السنين الضوئية ووصل أضخمها إلى 250 مليون سنة ضوئية في الطول، وقد أطلق عليه الحائط العظيم وهذه الأعداد المذهلة مما قد علمنا من أجرام الجزء المدرك من السماء الدنيا لا تمثل إلا نحو 10% من مجموع كتلة ذلك الجزء المدرك وهي ممسوكة بشدة إلى بعضها البعض، وإلا لزالت وانهارت، ولذلك قال تبارك وتعالى: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" (الحج ، آية : 65).
ــ وقال عز من قائل: " إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا" (فاطر ، آية : 41).
وقد تمكنت العلوم المكتسبة من التعرف على عدد من القوى التي تمسك بأجرام السماء على النحو التالي:
أ ـ قوة الجاذبية:
وهي أضعف القوى المعروفة على المدى القصير، ولكن نظراً لطبيعتها التراكمية فإنها تتزايد باستمرار على المسافات الطويلة حتى تصبح القوة الرابطة، لكل أجزاء السماوات والأرض بإرادة الخالق سبحانه، حيث يمسك بمختلف أجرام السماء الدنيا على الأقل، وتجمعاتها من الكواكب وأقمارها، والنجوم وتوابعها، وتجمعاتها على كل المستويات إلى نهاية لا يعلمها إلا الله، ولولا هذا الرباط المحكم الذي أوجده الخالق سبحانه لانفرط عقد الكون.
ب ـ القوة النووية الشديدة:
وهي القوة التي تقوم بربط الجسيمات الأولية للمادة في داخل نواة الذرة، والتي تعمل على التحام نوى الذرات الأثقل في عمليات الاندماج النووي، وهي أشد أنواع القوى المعروفة لنا على الأبعاد المتناهية الصغر، ولكنها تضعف باستمرار عبر المسافات الطويلة وعلى ذلك فدورها يكاد يكون محصوراً في داخل نوى الذرات، وبين تلك النوى ومثيلاتها وتحمل هذه القوة على جسيمات تسمى باسم القوة اللاحمة أو الجليون.
جـ ـ القوة الذرية الضعيفة:
وتحمل على جسيمات تسمى باسم البوزونات وهي إما صالب , عديمة الشحنة، وتربط الالكترونات الدائرة في فلك النواة وهي لضعفها تؤدي إلى تفكك تلك الجسيمات الأولية للمادة كما يحدث في تحلل العناصر المشعة.
س ـ القوة الكهرومغناطيسية:
وتحمل على هيئة الفوتونات تنطلق بسرعة الضوء لتؤثر على الجسيمات التي تحمل شحنات كهربائية، ومن ثم فهي تؤدي شحنات كهربائية، ومن ثم فهي إلى تكون الإشعاع الكهرومغناطسي وتؤثر في جميع التفاعلات الكيمائية.
وهنا تتضح روعة النص القرآني المعجز الذي نحن بصدده والنصوص الأخرى المشابهة له في التغيير عن العديد من الحقائق العلمية التي لم يصل إليها إدراك الإنسان إلا بعد مجاهدة استغرقت آلاف العلماء وعشرات العقود حتى وصلوا إلى إدراك شيء منها في السنوات المتأخرة من القرن العشرين.
المصادر والمراجع:
* القرآن الكريم
* علي محمد محمد الصلابي، المعجزة الخالدة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم براهين ساطعة وأدلة قاطعة، دار المعرفة، صفحة (86:83).
* زغلول النجار، من آيات الإعجاز العلمي السماء في القرآن الكريم، صفحة (573:572).