مضار السحر وعواقبه
مختارات من كتاب الأنبياء الملوك (عليهم السلام)
بقلم: د. علي محمد الصلابي
الحلقة (83)
قال تعالى: ﴿ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتۡلُواْ ٱلشَّيَٰطِينُ عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَيۡمَٰنَۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيۡمَٰنُ وَلَٰكِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَآ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَيۡنِ بِبَابِلَ هَٰرُوتَ وَمَٰرُوتَۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنۡ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَآ إِنَّمَا نَحۡنُ فِتۡنَةٞ فَلَا تَكۡفُرۡۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنۡهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِۦ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَزَوۡجِهِۦۚ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡ ﴾ " البقرة: 102":
أي: ما يكون سبب خصام وخلاف وإحداث الفرقة بين الزوجين، وهو من كبائر الذنوب، ومن أعمال شياطين الإنس والجن، تتنزه الملائكة عن فعله وتعليمه. وقد جاء بالحديث الشريف عن جابر بن عبد الله t: أن رسول الله ﷺ قال: «إنَّ إبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ علَى الماءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَراياهُ، فأدْناهُمْ منه مَنْزِلَةً أعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: فَعَلْتُ كَذا وكَذا، فيَقولُ: ما صَنَعْتَ شيئًا، قالَ ثُمَّ يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: ما تَرَكْتُهُ حتَّى فَرَّقْتُ بيْنَهُ وبيْنَ امْرَأَتِهِ، قالَ: فيُدْنِيهِ منه ويقولُ: نِعْمَ أنْتَ».
وقد تبرأ النبي ﷺ ممن يفعل ذلك، فعن بريدة (رضي الله عنه): أن رسول الله قال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ وَمَنْ خَبَّبَ عَلَى امرئٍ زوجتَهُ أو مملوكَهُ فليس مِنَّا».
وتدل الآية على أن للسحر تأثيراً على النفوس والقلوب والعواطف، فلا خير فيه أبداً، وهو سبب للشر والفساد والإفساد، ولهذا حرمت الشريعة الإسلامية تعلمه وتعليمه، وعدّه النبي ﷺ من كبائر الذنوب. بل إن كل الشرائع التي أنزلها الحق تبارك وتعالى أنكرت السحر وأمرت بمحاربة السحرة، ذلك أن السحر يضاد الحق الذي أنزله الله تبارك وتعالى، فالله تعالى يدعو الناس جميعاً إلى الإيمان به وعبادته وحده لا شريك له والتوكل عليه والالتجاء إليه دون سواه، والسحر يعبّد العباد لغير الله تبارك وتعالى، ويصرف قلوبهم ووجوههم إلى الشياطين والنجوم والشمس والقمر والبشر...إلخ.
وعن أبي هريرة (رضي الله عنه): أن رسول الله ﷺ قال: «اجتَنِبوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ. قيل: يا رَسولَ اللهِ، وما هُنَّ؟ قال: الشِّركُ باللهِ، والسِّحرُ، وقَتْلُ النَّفسِ التي حرَّم اللهُ إلَّا بالحَقِّ، وأكْلُ الرِّبا، وأكْلُ مالِ اليَتيمِ، والتوَلِّي يومَ الزَّحفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ الغافِلاتِ المُؤمِناتِ».
5- ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾:
ليس المتعاملون بالسحر قادرين على إلحاق شيء من الضرر بأحد من الناس ﴿إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ بمشيئته وإرادته.
قال الحسن البصري (رحمه الله): لا يضر هذا السحر إلا من دخل فيه، فالسحر لا يؤثر بنفسه، إلا إذا وافق قدر الله تعالى، أي بقضائه سبحانه وقدره.
6- ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ﴾:
- ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ﴾ في الدنيا والآخرة؛ لأن العمل بالسحر كفر أو كبيرة من الكبائر.
- ﴿وَلَا يَنْفَعُهُمْ﴾: فيها أيضاً، وإن نفعهم في الدنيا ببعض المكاسب، فهي كسب حرام، لا يبارك الله فيه، فالسحر شر بحت، وضرر محض، غير نافع في الدارين، لا تعلق له بانتظام المعاش ولا المعاد، وفي الحكم عليه بأنه ضار غير نافع تحذير بليغ من تعاطيه، وتحريض على التحرز منه.
يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي -رحمه لله-: إن الله سبحانه وتعالى يخبرنا أن تعلّم السحر يضر ولا ينفع، فهو لا يجلب نفعاً أبداً حتى لمن يشتغل به، فتجد من يشتغل بالسحر يعتمد في رزقه على غيره من البشر، فهم أفضل منه، وهو يظل طوال اليوم يبحث عن إنسان يغريه بأنه يستطيع أن يفعل له أشياء ليأخذ منه مالاً، وتجد شكله غير طبيعي وحياته غير مستقرة وأولاده منحرفين. وكل من يعمل بالسحر يموت فقيراً لا يملك شيئاً وتصيبه الأمراض المستعصية، ويصبح عبرة في آخر حياته، إذن؛ فالسحر لا يأتي إلا بالضرر، ثم بالفقر، ثم بلعنة الله في آخر حياة الساحر.
مراجع الحلقة:
- الأنبياء الملوك، علي محمد محمد الصلابي، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2023، ص 392-395.
- التفسير الموضوعي (1/163).
- تفسير الزهراوين، ص179.
- تفسير ابن أبي حاتم (1/193).
- التفسير الموضوعي (1/163).
- روح المعاني (1/345).
- تفسير الشعراوي (1/496).
-
لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:
كتاب الأنبياء الملوك في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي: