الإشارة العلمية لمنازل القمر في القرآن الكريم
الحلقة السادسة عشر
بقلم الدكتور: علي محمد الصلابي
جمادى الأولى 1441ه/يناير 2020م
لوحظ من القدم أن القمر في دورته حول الأرض يتحرك في كل ليلة من ليالي الشهر القمري بين ثوابت من النجوم التي يسمى كل منها منزلاً من منازل القمر هو 28 بعدد الليالي التي يرى فيها القمر، ولما كان القمر في جريه مع الأرض حول الشمس يمر عبر البروج السماوية الاثني عشر التي تمر بها الأرض، فإن كل منزل من منازل القمر يحتل مكاناً معيناً في كل برج، والقمر يقطع في كل ليلة 13 درجة تقريباً من دائرة البروج تلك "360 درجة / 28 يوماً من أيام الأرض = 12,86 درجة"، وعلى ذلك فإن البرج الواحد يقع فيه أكثر من منزل من منازل القمر، ويعتمد ذلك على مساحة البرج في السماء وقد تعرف العرب على منازل من قبل البعثة المحمدية المباركة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وعرفوا أهميتها في تحديد الزمن وفي إعداد التقاويم الزراعية وسموا الشمالية منها باسم الشامية، والجنوبية منها باسم المنازل اليمانية ويشير القرآن الكريم إلى منازل القمر يقول الحق تبارك وتعالى:
ـ " وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ" (يس، آية : 29).
ويتضح من تلك الآية الكريمة مدى تداخل مراحل نمو مساحة الإنارة على وجه القمر المقابل للأرض أي: مراحل تطور شكل القمر بالنسبة لأهل الأرض مع منازل القمر حتى ليمكن التعبير بإحداهما عن الآخر.
ـ من الظواهر المصاحبة لحركة القمر:
من الظواهر المصاحبة لدوران القمر في مداره حول الأرض ظاهرتان فلكيتان مهمتان هما: ظاهرة كسوف الشمس، وظاهرة خسوف القمر، وينتج كسوف الشمس من توسط القمر بين الأرض والشمس مما يحجب الشمس لفترة زمنية محددة، أما خسوف القمر فينتج من توسط الأرض بين القمر والشمس مما ينتج عنه إظلام القمر لوقوعه في منطقة ظل الأرض وكسوف الشمس يتكرر في السنة من مرتين إلى ثلاث مرات، بينما يتكرر خسوف القمر لأكثر من أربع مرات في السنة نظراً لكبر حجم منطقتي ظل وشبه ظل الأرض بالنسبة لحجم القمر، وصغر حجم هاتين المنطقتين للقمر بالنسبة إلى حجم القمر، ولذلك يرى خسوف القمر من جميع بقاع الأرض التي يكون فيها القمر فوق الأفق، ويبدئ على الجانب الشرقي من القمر لأن القمر يدور حول الأرض من الغرب إلى الشرق، بينما يرى كسوف الشمس من نقاط محددة على سطح الأرض، وقد يكون خسوف القمر كلياً إذا دخل في منطقة ظل الأرض بالكامل وقد يكون خسوفاً جزئياً إذا دخل في منطقة شبه الظل للأرض ويسمى هذا الخسوف الجزئي باسم الاحتراق، لأن القمر يبدو فيه أحمر نحاسي اللون، كذلك فإن كسوف الشمس قد يكون كسوفاً كلياً إذا غطى ظل القمر كل قرص الشمس بالكامل، وقد يكون كسوفاً جزئياً حين يغطي ظل القمر جزءاً من قرص الشمس، وقد يكون كسوفاً حلقياً عندما يكون القمر في أبعد مواضعه عن الأرض فلا يستطيع ظله أن يغطي قرص الشمس بالكامل، بل يغطي جزءاً من وسطها ويترك الجزء الباقي من الشمس ظاهراً على حلقة مضيئة.
وكل من الكسوف والخسوف، هو من الظواهر الكبرى، ومن الآيات العظام التي هي خروج عن المألوف بإرادة الله تعالى، يريد أن يختبر بهما عباده، ليفزعوا إليه بالتضرع والدعاء والصلاة، خوف أن يصيبهم بعذاب من عنده، قال تعالى:" وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا" (الإسراء، آية : 59). وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً عندما خسفت الشمس، فأتى المسجد فصلى، وكان هذا حاله عند حدوث كل ما يخاف منه من الريح الشديدة، والرعد والظلمة في النهار، وكان يخشى أن تكون القيامة، ففي الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال: كانت الريح الشديدة إذا هبت عُرف ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ما هاجت الريح إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وقال: اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذاباً، اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال "سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته"، ثم يقول: إن هذا لوعيد لأهل الأرض شديد، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الخسوف والكسوف من الآيات والظواهر، لا تكون لموت أحد ولا لحياته ولكن الله يخوف به عباده، وقال: فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره.
وهكذا ينبغي على المؤمن أن يكون دأبه تجديد التوبة والخوف والاستغفار عند حدوث كل ما يخاف كالزلازل والبراكين، وانشطار الكواكب وسقوط الشهب، لأنه لا يأمن أن يكون ذلك آية تنذر بعذاب الله، فإن الطاعة تدفع البلاء، وإذا وقع المكروه لم يأخذ المسلم وهو غافل، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
المصادر والمراجع:
* القرآن الكريم
* علي محمد محمد الصلابي، المعجزة الخالدة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم براهين ساطعة وأدلة قاطعة، دار المعرفة، صفحة (68:65).
* زغلول النجار، من آيات الإعجاز العلمي السماء في القرآن الكريم، صفحة (459:457).