الخميس

1446-07-09

|

2025-1-9

أوراق للمرحلة الانتقالية: الأهداف الاقتصادية للدولة المدنية الإسلامية
بقلم: د. علي محمد الصلابي


من أهداف الدولة الدولة الحديثة المسلمة أن تصل بشعبها إلى الاكتفاء اقتصادياً على كافة المستويات، والتحرر من التبعية الاقتصادية للدول والأمم الأخرى، وأن تتمسك وتعمل على تحصيل مصادر الغذاء والطاقة والمواد الخام التي تعين على الاكتفاء، فالدولة الحديثة تؤسس اقتصادها بحيث يكون قادراً على الاستفادة والتكامل مع الاقتصاد العالمي، وبحيث يكون اقتصادها متنوعاً وتنافسياص وكفيلاً بأن يلبي احتياجات المواطنين الآنية والمستقبلية، إضافة إلى تأمين فرص عمل أفضل للجميع، ومستوى معيشة جيد يلبي حاجات الإنسان الأساسية ويضمن له حياة كريمة.
والدولة يقتصر دورها على الأمور التالية:
• المراقبة والتحفيز والتنظيم، وأن تكفل حماية الكسب المشروع، والقضاء على الفساد والغش والتلاعب والاحتكار.
• بناء اقتصاد معرفي يقوم على البحث والتطوير والابتكار والتميز في ريادة الأعمال، والتعليم رفيع المستوى والهادف لتنمية الاقتصاد وتطوير المجتمع، وتجهيز البنية التحتية المادية والمعلوماتية المتطورة.
• التوسع في الصناعات والخدمات ذات الميزة التنافسية، والمستمدة من الصناعات البترولية، أو غيرها على حساب ما يتوفر في الدولة.
• الاستغلال المسؤول والأمثل للنفط والغاز، وخلق توازن بين الاحتياطي والإنتاج، وبين التوزيع الاقتصادي ودرجة الاستنزاف.
• تطوير بنية تحتية كافية وقوية قادرة على دعم النمو الاقتصادي المتوقع.
• تطوير قوة عمل تتميز بالمهارة الفائقة والإنتاجية العالية.
• تمكين الأسواق المالية من تمويل المشاريع والقطاعات الاقتصادية، وبناء المؤسسات القادرة على تقديم الخدمات للمواطنين بكفاءة، والتي تخضع لمعايير الشفافية والمساءلة والمحاسبة.
• التأكيد على ضرورة إنشاء أجهزة متخصصة للإحصاءات الرقمية للسكان، تتولى مهمة الرصد الدقيق للمواليد، وإنشاء خرائط لكفالة المدن والمناطق الحضرية والذاتية على حد سواء، والإحصاء الدقيق للسكان والمنشآت والمرافق، وذلك بهدف استخدام تلك المعلومات في وضع خطط التنمية للدولة على نحو متوازن وعادل يضمن توزيعاً منصفاً للثروات في البلاد.
أ ـ ضرورة التخطيط:
لابد من التخطيط القائم على الإحصاء الدقيق والأرقام الحقيقية، والمعرفة اللازمة بالحاجات المطلوبة ومراتبها ومدى أهميتها، والإمكانات الموجودة ومدى القدرة على تنميتها، والوسائل الميسورة لتلبية الحاجات والتطلع إلى الطموحات.
ب ـ تهيئة الطاقات البشرية وحسن توزيعها:
ويكون ذلك بتطوير الكفاءات البشرية المتنوعة في كل مجال تحتاج إليه، وأن تطور نظامها الإداري والمالي بحيث تنمي هذه الطاقات، وتحسن تجنيدها وتوزيعها على شتى الاختصاصات بالعدل، اهتداء بقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (التوبة، آية: 122)، ووضع كل إنسان في المكان المناسب له، والحذر من إسناد الأمر لغير أهله: "إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".
ومن ثم فالدولة المدنية الإسلامية تحرص على الثروة البشرية وتحافظ عليها وتعمل على تنميتها: جسمياً وعقلياً وروحياً وعملياً ومهنياً.
ج ـ حسن استغلال الموارد المتاحة:
فالدولة المدنية الإسلامية لا تهدر شيئاً وتحافظ على الموارد المتاحة، وتعتبرها أمانة يجب أن يتم رعايتها، ونعمة يجب أن يشكر الله عليها باستخدامها أحسن استخدام وأَمْثَلِه.
ويحسن بنا هنا أن نشير إلى قوله تعالى في الوصية بمال اليتيم: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ (الإسراء، آية: 34). وقد تكرر ذلك في القرآن الكريم بهذه  الصيغة نفسها، فلم يكتفِ القرآن منا بأن نقرب مال اليتيم بطريقة حسنة وحسب، بل بالتي هي أحسن، فإذا كانت هناك طريقتان لتنمية مال اليتيم والمحافظة عليه: إحداهما حسنة جيدة، والأخرى أحسن منها وأجود، كان الواجب علينا أن نستخدم التي هي أحسن وأجود، بل حرام علينا ألا نستخدم إلا التي هي أحسن، كما هو مفهوم من التعبير بالنهي وأسلوب القصر.
ومالُ الشعب في مجموعه أشبه بمال اليتيم، والمؤسسات التي ترعاه أشبه بولي اليتيم، ولهذا يجب أن نحافظ عليه وننميه بالتي هي أحسن.
د ـ التنسيق بين فروع الإنتاج:
قال رسول الله (ﷺ): «إذا تبايعتم بالعينة ورضيتم بالزرع، وأخذتم بأذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم» ففي هذا الحديث إشارة إلى أن الاكتفاء بالزراعة وحدها وما يتبعها من الإخلاد إلى الحياة الخاصة المعبِّر عنها باتباع أذناب البقر وترك الجهاد في سبيل الله، وما يتطلبه من إعداد القوة، يُعرض الأمة لخطر الذل والاستعمار، وهذا بالضرورة يحتاج إلى نوع من الصناعات لابد أن يتوافر في الأمة، إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولقد أنزل الله في كتابه سورة الحديد تنبيهاً منه على أهمية هذا المعدن الخطير، قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ (الحديد، آية: 25) ، ففي قوله تعالى: ﴿فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ إشارة إلى الصناعات الحربية، وفي قوله تعالى: ﴿وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ إشارة إلى الصناعات المدنية، وبهذا تكتمل في سلمها وحربها.
هـ ـ تشغيل الثروة النقدية:
بحيث تخرج النقود من قمقم "الكنز" إلى ساحة الحركة والعمل، فإن النقود لم تخلق لتحبس وتكتنز وإنما خلقت لتتداول، وتنتقل من يد إلى يد: ثمناً لبيع أو أجراً لعمل، أو عين ينتفع بها، أو رأس مال لشركة أو مضاربة فهي وسيلة لأغراض شتى وليست غرضاً لذاتها.
هذه بعض الخطوط العريضة للوصول إلى الاكتفاء الذاتي وتحرير الأمة من العبودية الاقتصادية لغيرها، والاقتراب بها نحو تمكين دينها، كما ننبه على أهمية توزيع الزكاة ورعاية أموال الأوقاف ووضعها في محلها الصحيح، فإنها تصل إلى المليارات في بلدان الشعوب الإسلامية ولم تستثمر كما ينبغي لكي ترتقي الشعوب وتقوى دولها.


المرجع:
كتاب الدولة الحديثة المسلمة، د. علي الصلابي، ص213.

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022