التمكين والشهود الحضاري الإسلامي (33)
" الهجوم الإعلاميُّ على المشركين بعد غزوة أحد "
بقلم: د. علي محمد الصَّلابي
كان الإعلام في العهد النَّبويِّ يقوم على الشِّعر، وكان شعراء المشركين في بدرٍ في موقف الدِّفاع والرِّثاء، وفي أُحدٍ حاول شعراء قريش أن يضخموا هذا النَّصر، فجعلوا من الحبة قبَّةً، وأمام هذا الكبرياء المزيَّف انبرى حسَّان بن ثابتٍ، وكعب بن مالكٍ، وعبد الله بن رواحة للردِّ على حملات المشركين الإعلاميَّة؛ الَّتي قادها شعراؤهم؛ كهبيرة ابن أبي وهبٍ، وعبد الله بن الزِّبعرى، وضرار بن الخطَّاب، وعمرو بن العاص (الشامي، 1992، ص 252-253).
وكانت قصائد حسَّان كالقنابل على المشركين، وقد أشاد بشجاعة المسلمين، حيث استطاعوا أن يقتلوا حملةَ لواءِ المشركين، ويُوبِّخ المشركين ويصفهم بالجبن حينما لم يستطيعوا حماية لوائهم، حتَّى كان في النِّهاية بيد امرأةٍ منهم، وولَّى أشرافُهم وتركوه، وفي هذا الهجاء تذكيرٌ للمشركين بمواقف الذُّلِّ والجبن الَّتي تعرَّضوا لها في بداية المعركة، حتَّى لا يغترُّوا بما حصل في نهايتها من إصابة المسلمين.
ولقد أصاب حسَّان من المشركين مقتلاً، حينما عَيَّرَهم بالتخلِّي عن اللِّواء، وإقدام امرأةٍ منهم على حمله، وهذا يتضمَّن وصفهم بالجُبْنِ الشَّديد، حيث أقدمتِ امرأةٌ على ما نَكَلُوا عنه.
وممَّا قاله في شأن عَمرة بنت علقمة الحارثيَّة، ورفعها اللِّواء:
إِذَا عَضَلٌ سِيْقَتْ إِلَيْنَا كَأَنَّـهَا
جِدَايةُ شِرْكٍ مُعْلِماتِ الحَواجِبِ
أقَمْنَا لَهُمْ طَعْناً مُبِيراً مُنَكِّلاً
وحُزْنَاهمُ بالضَّرْبِ مِنْ كلِّ جَانِبِ
فَلوْلاَ لِوَاءُ الحَارِثِيَّةِ أصْبَحُوا
يُباعون في الأسْوَاقِ بَيْعَ الجَلائِبِ
وعندما أخذ اللِّواءَ من الحارثيَّة غلامٌ حبشيٌّ لبني أبي طَلْحَةَ - وكان لواء المشركين قد أخذه صؤاب من الحارثيَّة - وقاتل به قتالاً عنيفاً قتل على أثره، فرمى حسان بن ثابتٍ أبياته في هذا الموضوع، فقال:
فَخَرْتُمْ بِاللِّواءِ وَشَرُّ فَخْرٍ
لِوَاءٌ حِيْنَ رُدَّ إلى صُؤابِ
جَعَلْتُمْ فَخْرَكمْ فِيْهِ بِعَبْدٍ
وَأَلأمِ مَنْ يَطَا عَفَر التُّرَابِ
ظَنَنْتُمْ والسَّفِيْهُ لَهُ ظُنُونٌ
وَمَا إِنْ ذَاكَ مِنْ أَمْرِ الصَّوَابِ
وممَّا قاله كعبُ بن مالكٍ رضي الله عنه في الردِّ على بعض شعراء قريش:
أبْلِغْ قُرَيْشاً وَخَيْرُ القَوْلِ أَصْدَقُهُ
والصِّدْقُ عِنْدَ ذَوِي الألبابِ مَقْبُولُ
أَنْ قَدْ قَتَلْنَا بِقَتْلاَنَا سَرَاتَكُمُ
أَهْلَ اللِّوَاءِ فَفِيْمَا يَكْثُرُ القِيْلُ
وَيَوْمَ بَدْرٍ لَقِيْنَاكُمْ لَـنَا مَدَدٌ
فِيْهِ مَعَ النَّصْرِ مِيْكَالٌ وَجِبْرِيْلُ
إِنْ تَقْتُلُونَا فَدِيْنُ الْحَقِّ فِطْرَتُنَا
وَالقَتْلُ فِي الحَقِّ عِنْدَ الله تَفْضِيْلُ
وَإِنْ تَرَوا أَمْرَنا فِي رَأْيِكُمْ سَفَهاً
فَرَأْيُ مَنْ خَالَفَ الإسْلاَمَ تَضْلِيْلُ
(ابن هشام، د.ت، 3/87-164).
وَمِنْ أعجب ما قرأت في المعركة الإعلاميَّة بين المسلمين، والمشركين محاولةُ ضرار بن الخطَّاب قبل إسلامه أن يفتخر ببدرٍ على اعتبار النَّصر كان لرسول الله (ﷺ) والمهاجرين، وفي ذلك قوله:
فَإِنْ تَظْفَرُوا فِي يَوْمِ بَدْرٍ فَإنَّمَا
بِأَحْمَدَ أَمْسَى جَدُّكمْ وَهُوَ ظَاهِرُ
وَبِالنَّفَرِ الأخْيَارِ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُ
يُحَامُوْنَ فِي اللأَّواءِ وَالْمَوْتُ حَاضِرُ
يُعَدُّ أَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ فِيْهِمُ
وَبُدْ عَنْ عَلِيٍّ وَسْطَ مَنْ أَنْتَ ذاكرُ
وَيُدْعَى أَبُو حَفْصٍ وَعُثْمَانُ مِنْهُمُ
وَسَعْدٌ إِذَا مَا كَانَ فِي الْحَرْبِ حاضرُ
أُولَئكَ لاَ مَنْ نَـتَّجَت مِنْ دِيَارِها
بَنُو الأَوْسِ والنَّجَّارِ حِيْنَ تُـفَاخِرُ
(الشامي، 1992، ص ص 252).
وهكذا حوَّلها إلى لغة قبليةٍ، تقوم على مفاهيم جاهليَّةٍ، ولقد أجابه كعبٌ رضي الله عنه:
وفينا رسولُ الله والأوْسُ حَوْلَهُ
لَهُ مَعْقِلٌ مِنْهُمْ عَزِيْزٌ وَنَاصِرُ
وجَمْعُ بَنِي النَّجَّارِ تَحْتَ لِوَائِهِ
يُمْسُونَ فِي المأذَى والنَّقْعُ ثَائِرُ
إلى أن قال:
وَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ قَدْ قَالَ: أَقْبِلُوا
فَولَّوا وقالُوا: إنَّما أَنْتَ سَاحِرُ
لأمْرٍ أرَادَ اللهُ أَنْ يَهْلِكُوا بِهِ
ولَيْسَ لأَمْرٍ حَمَّه النَّارُ زَاجِرُ
كما أجابه بقوله:
وَبِيَوْمِ بَدْرٍ إِذْ نَرُدُّ وُجُوْهَهُمْ
جِبْرِيْلُ تَحْتَ لِوَائِنَا وَمُحَمَّدُ
وهو أفخرُ بيتٍ قالته العرب - كما قال صاحب العِقد الفريد.
المراجع:
1. ابن هشام، أبو محمد بن عبدالملك، (د.ت)، السِّيرة النَّبويَّة، دار الفكر.
2. الصلابي، علي محمد، (2021)، السيرة النبوية، ج 2، ط11، دار ابن كثير، 2021، ص 124-127.
3. الشامي، صالح أحمد، (1992)، مِنْ معين السِّيرة، المكتب الإسلامي، الطَّبعة الثانية، 1413 هـ 1992م.