الخميس

1446-07-02

|

2025-1-2

التمكين والشهود الحضاري الإسلامي (29)

" مشاركة نساء المسلمين في معركة أُحدٍ "

بقلم: د. علي محمد الصَّلابي

كانت غزوة أحدٍ أوَّل معركة في الإسلام تشارك فيها نساءُ المسلمين، وقد ظهرت بطولاتُ الـنِّساء، وصدق إيمانهنَّ في هذه المعركـة، فقد خرجن لكي يسقين العطشى ويداوين الجرحى، ومنهنَّ مَنْ قامت بردِّ ضربات المشركين المُوَجَّهة للرَّسول (ﷺ)، وممَّن شاركن في غزوة أحدٍ: أمُّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصِّدِّيق، وأمُّ عمارة، وحَمْنَة بنت جَحْشٍ الأسديَّة، وأمُّ سَلِيط، وأمُّ سُلَيْم، ونسوةٌ من الأنصار. [مسلم (1809 و1810 و1811)].

قال ثعلبة بن أبي مالكٍ رضي الله عنه: إنَّ عمر بن الخطاب قَسَمَ مُرُوطاً بين نساءٍ من نساء أهل المدينة، فبقي منها مِرطٌ جيِّدٌ، فقال له بعض مَنْ عنده: يا أمير المؤمنين! أعطِ هذا بنت رسول الله الَّتي عندك - يريدون أمَّ كلثوم بنتَ عليٍّ - فقال عمر رضي الله عنه: أم سَليط أحقُّ به. وأمُّ سليط من نساء الأنصار مِمَّن بايع رسولَ الله (ﷺ). قال عمر: فإنها كانت تُزْفِرُ – أي: تحمل القرب مملوءة بالماء - لنا القِرَبَ يوم أُحدٍ. [البخاري (2881، 4071)].

وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: «لـمَّا كان يوم أُحدٍ، انهزمَ النَّاسُ عن النَّبيِّ (ﷺ)، ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكرٍ، وأمَّ سُلَيم، وإنَّهما لمشمِّرتان، أرى خَدَمَ سُوقِهنَّ تَنْقُزَانِ القِرَبَ – أي: تحملان وتقفزان بها وثباً - على متونهما، ثمَّ تُفْرغَانِهِ في أفواه القوم، ثمَّ ترجعان، فتملأنها، ثمَّ تجيئان، فتُفرغَانه في أفواه القوم» [البخاري (2880)].

وقال كعب بن مالكٍ رضي الله عنه: «رأيتُ أمَّ سُلَيم بنت ملحان، وعائشة، على ظهورهما القِرَبُ، يحملانها يوم أُحدٍ، وكانت حَمْنَةُ بنت جحشٍ تسقي العطشى، وتداوي الجرحى، وكانت أمُّ أيمن تسقي الجرحى».

وعن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله (ﷺ) يغزو بأمِّ سُلَيم، ونسوةٍ من الأنصار معه؛ إذا غزا، فيسقين الماءَ، ويداوين الجرحى. [مسلم (1810)].

وأخرج عبد الرَّزاق عن الزُّهريِّ: كان النِّساء يشهدن مع النَّبيِّ (ﷺ) المشاهد، ويسقين المقاتلة، ويداوين الجرحى (فتح الباري ، شرح حديث رقم:2880). وعن الرُّبيِّع بنت مُعَوِّذٍ، قالت: كنَّا مع النَّبيِّ (ﷺ) نسقي القوم، ونداوي الجرحى، ونردُّ القتلى إلى المدينة. [البخاري (2882)]. وفي روايةٍ: كنَّا نغزو مع النَّبيِّ (ﷺ)، فنسقي القوم ونخدمُهم، ونردُّ الجرحى، والقتلى إلى المدينة. [البخاري (2883)].

وعن أبي حازمٍ: أنَّه سمع سهل بن سعدٍ رضي الله عنه وهو يسأل عن جرح رسول الله(ﷺ)، فقال: أما والله! إنِّي لأعرفُ مَنْ كان يغسلُ جُرحَ رسول الله (ﷺ)، ومن كان يسكب الماء، وبما دُوويَ. قال: كانت فاطمةُ رضي الله عنها بنتُ رسول الله (ﷺ) تغسلُه، وعليٌّ يسكب الماء بالمجنِّ، فلـمَّا رأت فاطمة: أنَّ الماء لا يزيدُ الدَّم إلا كثرةً؛ أخذت قطعةً من حصيرٍ، فأحرقتها وألصقتها، فاستمسك الدَّم. [البخاري (4075)، ومسلم (1790)].

ولم تقاتل المشركين يوم أُحدٍ إلا أمُّ عُمارة نُسَيبة المازنيَّة رضي الله عنها، وهذا ضَمْرَةُ بن سعيدٍ يحدث عن جدَّته، وكانت قد شهدت أُحداً تسقي الماء، قالت: سمعت النَّبيَّ (ﷺ) يقول: لَمُقَامُ نُسَيْبة بنتِ كعبٍ اليوم خيرٌ من مُقام فلانٍ وفلان، وكان يراها تُقاتل يومئذٍ أشدَّ القتال، وإنَّها لحاجزةٌ ثوبها على وسطها، حتَّى جُرِحَتْ ثلاثة عشرَ جرحاً، فلـمَّا حضرتها الوفاة كنت فيمن غسَّلها، فعددت جراحها جُرْحاً جُرْحاً، فوجدتها ثلاثة عشر جرحاً. وكانت تقول: إنِّي لأنظرُ إلى ابن قميئة وهو يضربها على عاتقها - وكان أعظم جراحها، لقد داوته سنةً - ثم نَادَى منادي النَّبيِّ (ﷺ): إلى حمراء الأسد! فشدَّت عليها ثيابها، فما استطاعت من نزف الدَّم، ولقد مكثنا ليلنا نكمِّد الجراح حتَّى أصبحنا، فلـمَّا رجع رسول الله (ﷺ) من الحمراء، ما وصل إلى بيته حتَّى أرسل إليها عبدَ الله بن كعبٍ المازني (الذهبي، 1403ه، ص 2/278) - أخا أمِّ عُمارة - يسأل عنها، فرجع إليه يخبره بسلامتها، فسُرَّ النَّبيُّ (ﷺ) بذلك (المغازي للواقدي، 1/269 ـ 270).

وقد علَّق الأستاذ حسين الباكريُّ على مشاركة نُسَيبة بنت كعب في القتال، فقال: «وخروج المرأة للقتال مع الرِّجال لم يثبت في ذلك منه شيءٌ غيرُ قصَّة نُسَيبة؛ وقتال نسيبة إنَّما كان اضطراريّـاً؛ حين رأت: أنَّ رسول الله (ﷺ) أصبح في خطرٍ حين انكشف عنه النَّاس، فأمُّ عُمارة إذاً كانت في موقفٍ أصبح حَمْلُ السِّلاح فيه واجباً على مَنْ يقدر على حمله؛ رجلاً كان أو امرأةً» (الباكري، 1980، ص 254).

وعلَّق الدُّكتور أكرم ضياء العمري على الآثار الدَّالة على مشاركة النِّساء في أحدٍ بقوله: «وهذه الآثار تدلُّ على جواز الانتفاع بالنِّساء عند الضَّرورة، لمداوة الجرحى وخدمتهم؛ إذا أُمِنَتْ فتنتهُنَّ مع لزومهنَّ السِّتر والصِّيانة، ولهنَّ أن يُدافعْنَ عن أنفسهن بالقتال؛ إذا تعرَّض لهنَّ الأعداء، مع أنَّ الجهاد فرضٌ على الرِّجال وحدهم، إلا إذا داهم العدوُّ ديار المسلمين، فيجب قتاله من الجميع رجالاً ونساء» )العمري، 1992، ص 2/391).

وأمَّا الأستاذ محمَّد أحمد باشميل؛ فقد قال: «وقد كانت معركة أُحدٍ أوَّل معركةٍ في الإسلام قاتلت فيها المرأة المسلمة المشركين، ومن الثَّابت: أنَّ امرأةً واحدةً فقط اشتركت في هذه المعركة، وهي تدافع عن رسول الله (ﷺ)، كما أنَّه من الثَّابت أيضاً: أنَّ المرأة الَّتي اشتركت في معركة أحدٍ لم تخرج بقصد القتال، فهي لم تكن مجنَّدةً فيها كالرِّجال؛ وإنَّما خرجت لتنظر ما يصنع النَّاس لتقوم بأيَّة مساعدةٍ يمكنها القيام بها للمسلمين؛ كإغاثة الجرحى بالماء، وما شابه ذلك، يضاف إلى هذا أنَّ هذه المرأة الَّتي خاضت معركة أُحدٍ، هي امرأةٌ قد تخطَّت سِنَّ الشَّباب، كما أنَّها لم تخرج إلى المعركة إلاَّ مع زوجها وابنيها، الَّذين كانوا من الجند الَّذين قاتلوا في المعركة، يضاف إلى هذا الرَّصيد الهائل؛ الَّذي لديها من المناعة الخُلقيَّة والتَّربية الدِّينيَّة، فلا يقاس على هذه الصَّحابية الجليلة، مجنَّدات هذا الزَّمان، الَّلائي يرتدين لباس الميدان، وعنصر الإغراء، والفتنة هو أهمُّ عنصرٍ يتميَّزن به، ويحرصن على إظهاره للرِّجال؛ فأين الثَّرَى مِنَ الثُّرَيَّا؟! كذلك رجال ذلك العصر لا يقاس عليهم أحدٌ من رجال هذا الزَّمان، من ناحية الشَّهامة، والاستقامة، والعفَّة والرُّجولة، فكلُّ المحاربين الَّذين اشتركت معهم المرأة في معركة أُحدٍ، كانوا صفوة الأمَّة الإسلاميَّة، ورمز نبلها وشهامتها، وعنوان رجولتها واستقامتها، فلا يصحُّ مطلقاً جعل اشتراك تلك المرأة في معركة أُحدٍ قاعدةً تقاس عليها (من النَّاحية الشَّرعيَّة) إباحة تجنيد المرأة في هذا العصر، لتقاتل بجانب الرَّجل (كعنصر أساسٍ من عناصر الجيش) فالقياس في هذه الحالة قياسٌ مع الفارق، وهو قياسٌ باطلٌ قطعاً» (باشميل، د.ت، ص 171-173.

المراجع:

1. باشميل، محمد، د.ت، غزوة أحد.

2. الباكري، حسين أحمد، (1980)، مرويات غزوة أحدٍ، رسالة ماجستير نوقشت في الجامعة الإسلاميَّة، إشراف د. أكرم العمري، عام 1400 هـ ، 1980م.

3. العمري، أكرم، (1992)، السِّيرة النَّبويَّة الصَّحيحة، الطَّبعة الأولى 1412هـ 1992م مكتبة المعارف والحِكَم بالمدينة المنوَّرة.

4. الصلابي، علي محمد، (2021)، السيرة النبوية، ج 2، ط11، دار ابن كثير، 2021، ص 103-106.

5. الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان، (1403ه)، سير أعلام النُّبلاء، مؤسَّسة الرِّسالة، الطَّبعة الأولى، 1403هـ.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022