ثمار الإيمان بالقدر (2)
الحلقة: السابعة والثلاثون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
رمضان 1441 ه/ مايو 2020م
1- السكينة وراحة النفس وسكون القلب:
فهذه الأمور من ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر، وهي هدف منشود، فكل من على وجه البسيطة يبتغيها ويبحث عنها، وإنك لتجد عند خواص المسلمين من العلماء العاملين، والعباد القانتين المتبعين، من سكون القلب وطمأنينة النفس ما لا يخطر على بال ولا يدور حول ما يشبهه خيال، فلهم في ذلك الشأن القدح المعلى والنصيب الأوفى، فهذا أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز يقول: أصبحت ومالي سرور إلا في مواضع القضاء والقدر .
وهذا ابن تيمية يقول: إن في الدنيا جنة ، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ، ويقول مقولته المشهورة التي قالها عندما اقتيد إلى السجن: ما يصنع أعدائي بي أنا جنتي وبستاني في صدري، أينما رحلت فهي معي لا تفارقني، أنا حبسي خلوة وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة .
بل إنك تجد عند عوام المسلمين من سكون القلب وراحة البال، وبرد اليقين ما لا تجده عند كبار الكتاب والمفكرين والأطباء من غير المسلمين، فكم من الأطباء غير المسلمين على سبيل المثال من يعجب، ويذهب به العجب كل مذهب، وذلك إذا كان لديه مريض مسلم واكتشف أنه مصاب بداء خطير ـ كالسرطان ـ مثلاً فترى هذا الطبيب يحتار في كيفية إخبار هذا المريض ومصارحته بعلته، فتجده يقدم رجلاً ويؤخر الأخرى، وتجده يمهد الطريق، ويضع المقدمات، كل ذلك خشية من ردة فعل المريض إزاء هذا الخبر، وما أن يعلمه بمرضه ويخبره بعلته، إلا ويفاجأ بأن هذا المريض يستقبل هذا الخبر بنفس راضية وصدر رحب، وسكينة وهدوء، لقد أدهش كثيراً من هؤلاء إيمان المسلمين بالقضاء والقدر فكتبوا في هذا الشأن معبرين عن دهشتهم، مسجلين شهادتهم بقوة عزائم المسلمين، وارتفاع معنوياتهم، وحسن استقبالهم لصعوبات الحياة ، فهذه شهادة حق من قوم حرموا الإيمان بالله وبقضائه وقدره.
ومليحة شهدت لها ضراتها والفضل ما شهدت به الأعداء
ومن هؤلاء الكتاب الذين كتبوا في ذلك ـ الكاتب المشهور "ر. ن. سي. بودلي" مؤلف كتابي "رياح على الصحراء" و"الرسول" وأربعة عشر كتاباً أخرى، والذي أورد رأيه "دبل كارينجي" في كتابه "دع القلق وأبدأ الحياة" في مقالة بعنوان "عشت في جنة الله" يقول بودلي: في عام 1918م وليت ظهري العالم الذي عرفته طيلة حياتي، ويممت شطر أفريقيا الشمالية، الغربية، حيث عشت بين الأعراب في الصحراء وقضيت هنالك سبعة أعوام، وأتقنت خلالها لغة البدو، وكنت أرتدي زيهم وآكل من طعامهم، واتخذ مظاهرهم في الحياة، وغدوت مثلهم أمتلك أغناماً وأنام كما ينامون في الخيام، وقد تعمقت في دراسة الإسلام حتى إنني ألفت كتاباً عن محمد صلى الله عليه وسلم وعنوانه "الرسول"، وكانت تلك الأعوام السبعة التي قضيتها مع هؤلاء البدو الرحل من أمتع سني حياتي، وأحفلها بالسلام، والإطمئنان والرضا بالحياة، وقد تعلمت من عرب الصحراء كيف أتغلب على القلق، فهم ـ بوصفهم مسلمين ـ يؤمنون بالقضاء والقدر، ساعدهم هذا الإيمان على العيش في أمان، وأخذ الحياة مأخذاً سهلاً هيناً، فهم لا يتعجلون أمراً، ولا يلقون بأنفسهم بين براثن الهم قلقاً عل أمر، إنهم يؤمنون بأن " ما قدر يكون" وأن الفرد منهم "لَّن يُصِيبَه إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَه"، وليس معنى هذا أنهم يتواكلون أو يقفون في وجه الكارثة مكتوفي الأيادي كلا " .
ثم أردف قائلاً: ودعني أضرب لك مثلاً لما أعنيه، هبت ذات يوم عاصفة عاتية حملت رمال وادي "الرون" في فرنسا وكانت العاصفة حارة شديدة الحرارة، ولكن العرب لم يشكو إطلاقاً، فقد هزوا أكتافهم، وقالوا كلمتهم المأثورة "قضاء مكتوب"، لكنهم ما أن مرت العاصفة حتى اندفعوا إلى العمل بنشاط كبير فذبحوا صغار الخراف قبل أن يودي القيظ بحياتهم، ثم ساقوا الماشية إلى الجنوب نحو الماء، فعلوا هذا كله في صمت وهدوء، دون أن تبدو من أحدهم شكوى، قال رئيس القبيلة الشيخ: لم نفقد الشئ الكثير، فقد كنا خليقين بأن نفقد كل شئ، ولكن حمداً لله وشكراً، فإن لدينا نحو أربعين في المائة من ماشيتنا، وفي استطاعتنا أن نبدأ بها عملنا من جديد .
وثمة حادثة أخرى، فقد كنا نقطع الصحراء بالسيارة يوماً فانفجرت إحدى الإطارات، وكان السائق قد نسي استحضار إطار إحتياطي، وتولاني الغضب وانتابني القلق والهم، وسألت صاحبي من الأعراب: ماذا وعسى أن نفعل؟ فذكرني بأن الاندفاع إلى الغضب لن يجدي فتيلاً، بل هو خليق أن يدفع الإنسان إلى الطيش والحمق، ومن ثم درجت بنا السيارة وهي تجري على ثلاث إطارات ليس إلا، لكنها ما لبثت أن كفت عن السير، وعلمت أن البنزين قد نفذ، وهنالك أيضاً لم تثر ثائرة أحد من رفاقي الأعراب، ولا فارقهم هدوؤهم، بل مضوا يقطعون الطريق سيراً على الأقدام .
وبعد أن استعرض بودلي تجربته مع عرب الصحراء علق بقوله: قد اقنعتني الأعوام السبعة التي قضيتها في الصحراء بين الأعراب الرحل ـ أن مرض النفوس، والسكيرين الذي يحفل بهم أمريكا، وأوربا ـ ما هم إلا ضحايا المدنية التي تتخذ السرعة أساساً لها، إنني لما أعان شيئاً من القلق قط وأنا أعيش في الصحراء، بل هنالك في جنة الله وجدت السكينة والقناعة والرضا .
وأخيراً ختم كلامه بقوله: وخلاصة القول أنني بعد انقضاء سبعة عشر عاماً على مغادرتي الصحراء ـ ما زلت أتخذ موقف العرب حيال قضاء الله، فأقبل الحوادث التي لا حيلة لي فيها بالهدوء والامتثال والسكينة، ولقد أفلحت هذه الطباع التي اكتسبتها من العرب في تهدئة أعصابي أكثر مما تفلح آلاف المسكنات والعقاقير .
2- المؤمن لا يعيش بين "لو" و"ليت":
إن من أهم عوامل القلق الذي يفقد الإنسان سكينة النفس وأمنها ورضاها هو تحسره على الماضي وسخطه على الحاضر وخوفه من المستقبل.
إن بعض الناس تنزل به النازلة من مصائب الدهر، فيظل شهوراً وأعواماً آلامها، ويستعيد ذكرياتها القائمة، متحسراً تارة، متمنياً أخرى، شعاره: ليتني فعلت،، وليتني تركت، وأني فعلت كذا لكان كذا ، وقديماً قال الشاعر:
ليت شعري وأين من "ليتُ"؟ إن "ايتا" وإن "لوّا" ـ غناء
ولذا ينصح الأطباء النفسانيون والمرشدون الاجتماعيون، ورجال التربية، ورجال العمل، أن ينسى الإنسان آلام أمسه، ويعيش في واقع يومه، فإن الماضي بعد أن ولَّى لا يعود.
ما مضى فات، والمؤمل غيب ولك الساعة التي أتت فيها
وقد صور هذا المعنى أحد المحاضرين بإحدى الجامعات بأمريكا تصويراً بديعاً لطلبته حين سألهم: كم منكم مارس نشر الخشب؟ فرفع كثير من الطلبة .. أصابعهم، فعاد يسألهم: وكم منكم مارس نشر نشارة الخشب؟ فلم يرفع أحد منهم إصبعه، وعندئذ قال المحاضر: بالطبع لا يمكن لأحد أن ينشر نشارة الخشب، فهي منشورة فعلاً. وكذلك الحال مع الماضي: فعندما ينتابكم القلق لأمور حدثت في الماضي، فاعلموا أنكم تمارسون نشر النشارة!!
وقد نقل هذا التصوير "ديل كارينجي" في كتابه "دع القلق وأبدأ الحياة"، كما نقل قول بعضهم: لقد وجدت أن القلق على الماضي لا يجدي شيئاً تماماً، كما لا يجديك أن تطحن الطحين، ولا أن تنشر النشارة، وكل ما يجديك إياه القلق هو: أن يرسم التجاعيد على وجهك، أو يصيبك بقرحة في المعدة .
ولكن الضعف الإنساني يغلب على الكثيرين، فيجعلهم يطحنون المطحون، وينشرون المنشور، ويبكون على أمس الذاهب، ويعضون على أيديهم أسفاً على ما فات، ويقلبون حسرة ما مضى، وأبعد الناس عن الاستسلام لمثل هذه المشاعر الأليمة، والأفكار السقيمة هو المؤمن الذي قوي يقينه بربه، وآمن بقضائه، وقدره فلا يسلم نفسه فريسة للماضي وأحداثه، بل يعتقد أنه أمر قضاه الله كان لا بد أن ينفذ، وما أصابه من قضاء الله لا يقابل بغير الرضا والتسليم .
إن شعار المؤمن دائماً: "قدر الله، وما شاء فعل، الحمد لله على كل حال"، وبهذا لا يأس على ما فات ولا يحيا في خضم أليم من الذكريات، وحسبه أن يتلو قوله تعالى: "مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (التغابن : 11) . وقال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير"، أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شئ فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان" .
فقد أمر المؤمن في هذا الحديث بالحرص على ما ينفعه سواء في دينه أم دنياه، والاستعانة بالله على ذلك فهو الذي يهيء له الأسباب، ويزيل من طريقه العوائق، كما قال تعالى: "إِيَّاكَ نَعْبُدُو إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" (الفاتحة : 5) .
وقال الشاعر:
إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجنى عليه اجتهاده
ومن العجز المذموم هنا: إلقاء الأحمال على القدر والاحتجاج به في الإعفاء من المسئولية، وقديماً قيل: من دلائل العجز كثرة الإحالة على المقادير .
وحديثاً قال الشاعر الفيلسوف الدكتور محمد إقبال: المسلم الضعيف يحتج بقضاء الله وقدره، أما المسلم القوي يعتقد أنه قدر الله الذي لا يغلب وقضاؤه الذي لا يرد.
وقد روي أن بعض الصحابة ـ في زمن الفتوح الإسلامية ـ سأله أحد قادة الفرس: من أنتم؟ وما حقيقتكم؟
فقال له: نحن قدر الله، ابتلاكم الله بنا، وابتلانا بكم، فلو كنتم في سحابة في السماء لصعدنا إليكم، أو لهبطتم إلينا .
إن من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلم إذا أصابه شئ من شدائد الدنيا وابتلاؤاتها ـ وما أكثرها ـ ألا يسلم نفسه للتحسر والأسى على ما فاته، فيصبح ويمسي، وهو يمضغ كلمات الأسى والأسف، ويقول: لو أني فعلت كذا لكان كذا على سبيل التحسر والتمني، ويجتر الذكريات الحزينة، بل أمره أن يرد الأمر هذا إلى قدر الله، ويسلم أمره وقضائه قائلاً: قدر الله وما شاء الله فعل، معتبراً أن الخير فيما اختاره له، ثم هو لا يقدر على غير ذلك، وليتجه ـ بعد ذلك ـ للمستقبل ويعمل ويبني وينتج، لا إلى "اللَّولَوة" التي يقول فيها "لو أني فعلت، ولو أني تركت" فإن "لو" هذه "لو" المتمنية والمتحسرة تفتح عمل الشيطان، وعمله ليس وراءه إلا الضياع والخسران .
3- الخوف والحذر من الله:
فالمؤمن بالقدر على حذر من الله، قال تعالى: "فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ" (الأعراف : 99) .
فقلوب العباد دائمة التقلب والتغير، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، والفتن التي توجه سهامها إلى القلوب كثيرة، والمؤمن يحذر دائماً أن يأتيه ما يضله كما يخشى أن يختم له بخاتمة سيئة، وهذا لا يدفعه إلى التكاسل والخمول، بل يدفعه إلى المجاهدة الدائبة للاستقامة والإكثار من الصالحات ومجانبة المعاصي والموبقات، كما يبقى قلب العبد معلقاً بخالقه، يدعوه ويرجوه ويستعينه ويسأله الثبات على الحق، كما يسأله الرشد والسداد .
4- الخلاص من الشرك:
لا يتم توحيد الله إلا لمن أقرَّ أن الله وحده الخالق لكل شئ في الكون، وأن إرادته ماضية في خلقه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فكل المعذبين بالقدر لم يوحدوا ربهم، ولم يعرفوه حق معرفته.
والإيمان بالقدر مفرق طريق بين التوحيد والشرك، فالمؤمن بالقدر يُقرُّ بأن هذا الكون وما فيه صادر عن إله واحد ومعبود واحد، ومن لم يؤمن هذا الإيمان فإنه يجعل من دون الله آلهة وأرباباً .
5- الاستقامة:
والإيمان بالقدر من أكبر العوامل التي تكون سبباً في استقامة المسلم وخاصة في معاملته للآخرين، فحين يقصر في حقه أحد أو يسئ إليه، أو يرد إحسانه بالإساءة أو ينال من عرضه بغير حق، تجده يعفو ويصفح، لأنه يعلم أن ذلك مقدر، وهذا إنما يحسن إذا كان في حق نفسه، أما في حق الله فلا يجوز العفو ولا التعلل بالقدر، لأن القدر إنما يحتج به في المصائب لا في المعايب .
والإيمان بالقدر يجعل الإنسان يمضي في حياته على منهج سواء لا تبطره النعمة، ولا تيئسه المصيبة، فهو يعلم أن كل ما أصابه من نعم وحسنات من الله، لا بذكائه وحسن تدبيره "وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ" (النحل: 53) ، ولا يكون حاله حال قارون الذي بغى على قومه واستطال عليهم بما أعطاه الله من كنوز وأموال.
قال تعالى:"إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي" (القصص: 76 ـ 78) .
ويكون المؤمن بالقدر على الأستقامة في حالة السراء والضراء .
6- القضاء على الأمراض التي تعصف بالمجتمعات:
الإيمان بالقدر يقضي على كثير من الأمراض التي تعصف، بالمجتمعات وتزرع الأحقاد بين المؤمنين، وذلك مثل رذيلة الحسد، فالمؤمن لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، لأنه هو الذي رزقهم وقدر لهم ذلك، وهو يعلم حين يحسد غيره إنما يعترض على المقدور، وهكذا فالمؤمن يسعى لعمل الخير، ويحب للناس ما يحب لنفسه، فإن وصل إلى ما يصبو إليه حمد الله وشكره على نعمه، وإن لم يصل إلى شيء من ذلك صبر ولم يجزع، ولم يحقد على غيره ممن نال من الفضل ما لم ينله، لأن الله هو الذي يقسم الارزاق فيعطي ويمنع وكل ذلك ابتلاء وامتحان منه سبحانه وتعالى ـ لخلقه .
قال ابن سيرين: ما حسدت أحداً على شيء من أمور الدنيا، لأنه إن كان ـ أي هذا الرجل ـ من أهل الجنة، فكيف أحسده على شيء من أمر الدنيا وهو مصيره إلى الجنة وإن كان ـ هذا الرجل ـ من أهل النار فكيف أحسده على شيء من أمور الدنيا، وهو يصير إلى النار .
فالحسد يحرق صاحبه، والمحسود قد يُصابُ بالعين إن كانت العين خبيثة لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن العين . وقال صلى الله عليه وسلم: "العين حق، ولو كان شيء سابق القدر، سبقته العين" .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا" .
وعلاج الحسد بالرضى بالقضاء والقدر، وتارة بالزهد في الدنيا، وتارة بما يتعلق بتلك النعم من هموم الدنيا وحساب الآخرة، فيتسلى المؤمن بذلك ولا يعمل بمقتضى ما في النفس أصلاً ولا ينطق، فإذا فعل ذلك لم يضره ما وضع في جبلته . يعني: إذا لم يحول الذي في نفسه إلى كلمات حاقدة حاسدة أو إلى أفعال حاقدة حاسدة لا يضره ما تحدث به النفس أحياناً، فالنفس قد جبلت على مثل هذا
فالذي يؤمن بالقدر يحمل قلباً نظيفاً طاهراً من الغل والحقد والحسد والغش والضغينة لإخوانه، لأنه إن نظر إلى أخ من إخوانه ووجده في نعمة فهو يعلم يقيناً أن الذي أنعم عليه بهذا هو الله، فهو يحب لأخيه النعمة ويتضرع إلى الله سبحانه وتعالى الذي رزق أخاه أن يرزقه بما رزق أخاه .
فهذه كلها أمراض القلب لا تداوى إلا بالإيمان بالله سبحانه وتعالى ، والمؤمن بالقدر يعلم بأن الله يعطي ويمنع لحكمه، فإن من العباد من لا ينفعه إلا الغنى، ولو أفقره الله لأفسده ذلك، ومن العباد من لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغناه الله لأفسده ذلك، ومن العباد من لا يصلحه إلا الصحة، ولو أسقمه الله لأفسده ذلك ومن العباد من لا يصلحه إلا المرض ولو صح لأفسده ذلك فلا يوجد شيء في الكون بدون حكمة وبغير حكمة، فالله هو الحكيم الخبير، سواء علمنا الحكمة أم جهلناها، فالله جل وعلا يقدر بحكمة وعلم .
تحميل سلسلة كتب الإيمان كتاب :
الإيمان بالقدر
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book96.pdf