الخميس

1446-10-26

|

2025-4-24

المدارس الفقهية في عصر التابعين وتطور الاجتهاد الفقهي

من كتاب الدولة الحديثة المسلمة دعائمها ووظائفها:

الحلقة: السابعة والثلاثون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

20 صفر 1443 ه/ 27 سبتمبر 2021م

بعد عصر الصحابة جاء عصر التابعين لتظهر نواة المدارس الفقهية التي تعتبر مؤسسات تشريعية قائمة على أصلين: الأول: سيادة الشرع، الثاني: أن السلطان التشريعي في يد المجتهدين من الأمة، فظهرت مدرسة الرأي في العراق والتي وضع حجر الأساس لها الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود وفي مقابلها مدرسة الأثر التي وضع لبناتها الأولى علماء الصحابة في المدينة من أمثال عبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت وعائشة وغيرهم، فإن عصر التابعين شهد شهرة واسعة لمجتهدين كبار كان على رأسهم الفقهاء السبعة في المدينة وهم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد وخارجة بن زيد، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وسليمان يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وهم الذين اعتدَّ مالك بإجماعهم(1).

ثم ظهرت المذاهب الفقهية الكبرى التي شهدت طفرة عظيمة في الاجتهاد الفقهي القائم على أصول ودعائم علمية راقية، وكان أشهر هذه المذاهب هي المذاهب الفقهية الأربعة: مذهب أبي حنيفة، ومذهب مالك، ومذهب الشافعي، ومذهب أحمد بن حنبل، فكانت هذه المذاهب هي المؤسسات التشريعية العظمى التي تمثل السلطة التشريعية في العصور التي تلت عصر الخلفاء الراشدين.

وظل باب الاجتهاد مفتوحاً وظلت هذه المذاهب هي المرجعية التشريعية للأمة الإسلامية حكاماً ومحكومين في جميع المجالات حتى جاء في عصور متأخرة علماء أغلقوا باب الاجتهاد فنتج عن ذلك أن استجدت مسائل ونوازل في حياة الأمة لم يف تراث هذه المذاهب بمعالجتها: فكان من ذلك الحرج قصور التشريع الإسلامي عن مسايرة الزمن وتحقيق مصالح الناس، والتجاء بعض الحكومات الإسلامية إلى العمل بقوانين أمم غير إسلامية(2)، ووقعت الأمة الإسلامية بمجموعها في براثن الاستعمار في القرنين الماضيين وجاء الاستعمار الغربي بفكره العلماني ونظرية السيادة الغربية، وغزا الأمة بقوانين غير شرعية وصارت السلطة التشريعية فيها أبعد ما يكون عن الشريعة الإسلامية، وساعد على ذلك قابلية الأمة للاستعمار في تلك الفترة نتيجة الجهل والفقر والمرض والبعد عن روح الإسلام ومقاصده السامية وقفل باب الاجتهاد، الذي يسعى العلماء المجتهدون لتلبية حاجات الأمة في كل ما ينزل بها وهذا هو الذي دفع المصلحين من أمثال محمد بن علي السنوسي، ومحمد عبده، ومحمد رشيد رضا وغيرهم إلى فتح الاجتهاد، ولقد تجاوب بهذه الصيحة الصادقة علماء وأساتذة جامعات وشيوخ كبار ونهضوا لهذا الواجب الكبير، فبدأت من جديد حركة الاجتهاد والتجديد، وصارت الشعوب الإسلامية مؤهلة للعودة إلى سيادة الشريعة عن طريق جعل السلطة التشريعية في يد المجتهدين من أبناء هذه الشعوب(3).

مصادر المقال:

(1) الأحكام الشرعية للنوازل السياسية، ص: 134.

(2) السياسة الشرعية لعبد الوهاب خلاف، ص: 51.

(3) انظر: الأحكام الشرعية للنوازل السياسية، بتصرف، ص: 135.

انظر كتاب الدولة الحديثة المسلمة للدكتور علي محمد الصلابي:

http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book157.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022