من كتاب كفاح الشعب الجزائري بعنوان:
(معارك الأمير عبد القادر الجزائري ومعاهداته)
الحلقة: الأربعون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ربيع الأول 1442 ه/ نوفمبر 2020
أ ـ إخضاع القبائل:
كان أول عمل قام به الأمير حملات إخضاع القبائل التي رفضت البيعة، فخرج مباشرة بعد البيعة وقام بحملة واسعة بين القبائل العربية والبربرية، فأخضع القبائل التي لم تعترف بالبيعة وفرض عليها أن تعترف بقرار الجماعة، وعفا عمن يستحق العفو، وعاقب من يستحق العقاب، وعاد سالكاً طريق الساحل حتى وصل إلى مرفأ أرزيو، وكان قاضيها أحمد بن طاهر قد دخل في محادثات مع حاكم وهران الفرنسي، وطلب منه احتلال المرفأ، فقبض عليه الأمير، وساقه إلى معسكر حيث أمر باعتقاله، بعد أن عين من يسيّر أمور الميناء.
وبعد عودته من أرزيو قرر تأديب القبائل التي تنشر الفوضى بين المواطنين، وكانت تقوم بالسلب والنهب، وكانت قبيلة فليتة تشتمل على بطون وعشائر، وكان من عادتها السلب والنهب وقطع الطرق والتعرض للسابلة، وبقي هذا شأنها منذ عهود موغلة في القدم، فكم روّعت من قبائل مجاورة لها وسطت على أموالها، وعندما بويع الأمير طلب الشعب منه وضع حد لعدوان هذه القبيلة، فاستجاب لهم وتوجه بالجيش وحط بالبطحاء في منطقة تعرف باسم «بهيرة»، ومنها أرسل إلى قبيلة فليتة وما جاورها من القبائل رسُلاً يطلب إليهم الالتزام بالشرعية، ويبلغهم قرار الشعب الجزائري الذي أصبح بموجبه أميراً للبلاد، فكان جوابهم العصيان ورفض الطاعة، فأسرع بجيشه قاصداً قبائل فليتة فهاجمها، وكانت أوامره إلى الجند: ألا يحرقوا بيتاً، ولا يقتلوا طفلاً أو شيخاً أو امرأة، ولا يهلكوا غرساً ولا شجرة، وبعد انتصاره عليهم استأمنوا فامنهم وردّ عليهم أموالهم وولَّى عليهم عمالاً «أي حكاماً بالمعنى الحديث» يثق بهم.
ب ـ الهجوم على وهران:
تناهت إلى مسامع الأمير أن حاكم وهران الفرنسي قد أغار على قرية الدبة جنوبي قلعة هوارة، ونكّل بأهلها، وأخذ القضية السيد قدور الدمجي أسيراً، فسارع إلى قطع الطريق على العدو ومنعه من تحقيق هدفه، وما إن اقترب العدو من «الدار البيضاء» حتى أدركه الأمير واندفعت سيول فرسان الجيش المحمدي تسابق الريح نحو القوات الفرنسية، وكان أهازيج الحرب تخرج من صدور هزتها الحماسية وملأها الإيمان، وانهال المقاتلون من الأودية والمرتفعات، واستشهد في ذلك اليوم من القادة المسلمين علي بن حبيب الرحاوي والميلود المغراوي، أما العدو فقد كانت خسائره كبيرة وفادحة.
كانت هذه أول معركة للأمير داخل البلاد، وحملت رياح النصر أنباء انتصارات الأمير إلى القيادة في مدينة الجزائر. وفي الخامس عشر من نيسان عام (1833م) عُزل الجنرال «بويه» حاكم وهران المهزوم، وعُيّن الجنرال «دي ميشيل» مكانه حاكماً على المدينة، فسار إليها بقوة كبيرة فوجدها تحت حصار جيش الأمير، مغلقة الأبواب، وبلغه أن الأمير قبل رجوعه إلى «معسكر» كلّف بعض القبائل بمراقبة حصون المدينة ومساعدة الجيش المحمدي على متابعة حصار وقتال الفرنسيين، وعندما لم يستطيع الدخول إلى المدينة ابتنى حصناً بالقرب منها في منطقة تدعى «بنفور» وأخذ يشتري ضمائر ضعيفي الإيمان من أفراد القبائل المجاورة والدوائر لمساعدته.
ج ـ الإصلاح بين القبائل:
عندما وصل الأمير عبد القادر إلى ناحية نهر «مينة» تناهى إلى مسامعه أن قتالاً نشب بين قبائل البربر، فوصل في الوقت المناسب، وأصلح بينهم، وعاقب مثيري الفتنة، وعقد صلحاً بينهم وقعه رؤساؤهم، نصه كما يأتي: قد أبرمنا بحول الله وقوته، الصلح المبرم بين أولاد الأكراد وقبيلة أولاد شريف، وقبائل يسلم وقبائل الشرقية، ومحونا أثر ما كان بينهم من بقايا حميّة الجاهلية، وألزمنا كل فريق منهم بالانضباط وطاعة الأنظمة المرعية في الدولة، وبرفع كل قضاياهم إلى من وليّناه أمرهم، وجعلنا عقوبات شديدة على من يخالف الأنظمة، أو ينقض أمر هذه المصالحة، أو يتسبب بإفسادها، فيكون قد عرّض نفسه لسخط الله وغضبه.
كان الأمير يؤكد أن الغاية الوحيدة لقبوله هذا المنصب وهذه القيادة هي أمن البلاد واطمئنان الشعب على نفسه وأمواله وأعراضه وتمتعه بحقوقه الدينية ثم طرد الغزاة الفرنسيين، ولا يمكنه ذلك إلا بمساعدة أبناء هذا الشعب بالمال والرجال، وإن المكاسب التي تحصل عليها الدولة هي عائدة إلى الشعب. وكان في أكثر خطبه التي يضطر إليها يقول: لا أظن أنه يخطر في بال أحدكم أن الأموال التي تدفعونها للجباة أبتغيها لنفسي أو لنفقاتي الشخصية، ولعلكم تعلمون بأني من سلالة عريقة وأن عائلتي مليئة. وكان الشعراء والوعّاظ ورجال القوافل والمنشدون في الأسواق يؤكدون هذه المعاني، وقد جاء في بعض الأناشيد الشعبية في بلاد القبائل أن الأمير لا يطمح أبداً إلى العرش والعظمة، وأن رغبته فقط هي أن يخضع الناس لأوامره، كإخوة ليدخل معهم مدينة الجزائر ويطرد الفرنسيين منها. وعندما لا ينفع الإقناع كان الأمير يلجأ إلى الحزم والقوة، وعندما ينتصر كان الحزم ينقلب حلماً، والقوة عفواً، ولكنه لم يكن يرحم الذين يتعاونون مع الفرنسيين ويثبت عليهم ذلك، وكان يستشهد بالآية الكريمة {وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيمًا *} [النساء :107].
ولدى عودة الأمير عبد القادر لمدينة معسكر بلغه خلع ابن نونة قائد الحضر في مدينة تلمسان للطاعة، فسار إليه وهزمه ففر ولجأ إلى ضريح الولي أبي مدين، فلحق به ودخل الضريح وأمّن ابن نونة، وعاد لمعسكر بعد أن رتب شؤون تلمسان.
د ـ وفاة والده واستمرار المعارك:
وفي طريق عودته من تلمسان بلغه نبأ وفاة والده وذلك في (3 ربيع الأول سنة 1249هـ الموافق تموز 1833م)، وبعد قيامه بمراسيم دفن والده العظيم ؛ علم أن الفرنسيين المتحصنين على البحر في منطقة مهاجر، راحوا يتعاملون مع بعض قبائل الناحية بالبيع والشراء، فباغت جنود الحامية وهم خارج الحصن يرعون قطعانهم فأمعن فيهم قتلاً، فلاذوا بالفرار وعادوا إلى الحصن، فأسر بعضهم وغنم سائر قطعان مواشيهم، وكان أمام المرسى عدد من المراكب وصلت للتو فتوجه لها وغنم ما فيها من مؤونة وذخائر.
وعندما وصل الخبر للقائد العام الفرنسي في الجزائر قام بعزل الجنرال بويه، وعيّن مكانه الجنرال دي ميشيل حاكماً على وهران في (15 نيسان «أبريل» 1833م)، ووصل وهران فوجدها محاصرة من طرف المسلمين، وبعد أيام علم بحضور الأمير نفسه، فخرج بقوات ضخمة لنجدة حصن عقور الذي هاجمه الأمير، وتصدى الأمير للقوة الفرنسية التي كانت بقيادة الجنرال بوبريص فهزمها، وشتت شملها وهرب عساكر العدو نحو سور المدينة. وعلم بعد هذه المعركة أن قبائل أرزيو جددوا علاقاتهم مع الفرنسيين بإيعاز من رئيسهم المعتقل في معسكر، وعلم من عيونه المبثوثة في المنطقة أن شخصاً اسمه طوبال يخرج كل يوم مع ضباط فرنسيين في رحلات صيد، فترصد لهم الأمير وهاجمهم وجردهم من سلاحهم وأسرهم، وعندما علم جنود حامية أرزيو الفرنسية بالهجوم ركبوا المراكب وهربوا إلى وهران، ودخل الأمير أرزيو فقبض على رؤوس القبائل التي تعاونت مع العدو، وأصلح بين سكانها، وترك حامية تحمي المدينة، وعاد لمعسكر فكوّن مجلس قضاء حاكم القاضي أحمد بن الطاهر البطيوي وحكم عليه بالإعدام.
وعندما لاحظ الفرنسيون نجاح الأمير في تجميع الشعب حوله وكبح القبائل التي أبدت تعاوناً معهم ؛ قاموا بعمل يمس هيبة الأمير، فغزو مستغانم مباغتة ودخلوها، ففر أكثر سكانها إلى الريف المحيط بها، وعلم الأمير بذلك فتوجه بجيش ضم الكثير من القبائل التي هبت لندائه بالجهاد، وكان العدو قد قام منذ دخوله المدينة بتحصين سورها، ونصب المدافع عليها، وحاول الأمير تدمير السور بالمعاول والفؤوس فلم تفلح محاولته، فانسحب بجيشه إلى مخيمه، وأمر بأن يحفر نفق من المخيم إلى السور، ووصل النفق السور، فحفر تحت أسسه وملأئ بالبارود، وأضرمت النار فانفجر لكن الانفجار لم يكن كافياً، فقد فتح فتحة صغيرة لا تكفي لدخول الجيش للمدينة، وعندما تأكد الأمير أن الجيش الفرنسي تحصن بالمدينة ويرفض الخروج لمنازلته وأن اقتحامها غير ممكن، عاد إلى مدينة معسكر.
وما إن اقتنع القائد الفرنسي دي ميشيل من رفع الأمير للحصار حتى خرج من مستغانم وتوجه إلى أرزيو فاحتلها، وترك حامية في حصنها، ثم عاد إلى وهران، وفي طريقه أغار على قبيلتي الدوائر والزمالة فأسر عدداً من رجالهم ونسائهم، وعندما طلبوا رد أبنائهم الأسرى اشترط عليهم الانتقال إلى ضاحية وهران والإقامة فيها وقبول الخضوع للسلطة الفرنسية، وفي نيته استعمالهم كوسيلة تضمن موارد التموين لجيشه بالحبوب والمواشي، وقبلوا وانتقلوا إلى حيث أراد العدو، وعلم الأمير بذلك، فأرسل وفداً حاور رؤساء القبيلتين، وبيّن لهم أن رضوخهم لإرادة العدو خروج عن الإسلام فتراجعوا، وعادوا إلى منازلهم الأولى، وأفسد بذلك خطة القائد الفرنسي الذي فشل في فك عزلته.
واتبع الأمير خطة تتمثل في إرسال كوكبات من الفرسان خفيفة تغير على القبائل التي تتعامل تجارياً مع العدو، وتعاقبها وتفرض عليها تطبيق أوامره بصرامة، بعدم التعامل مع جيش العدو، وتغير على حاميات العدو، بعد أن ترصد خروج جنودها خارج الأسوار، فتعمل فيهم قتلاً وأسراً وغنيمة، فاشتد الحصار على العدو الذي صار يأتي بتموينه عن طريق البحر من خارج منطقة وهران.
وأمر الأمير القبائل بعدم التعامل مع الفرنسيين وعدم بيعهم أي شيء، وكانوا يعتمدون في تموينهم على حبوب ومواشي هذه القبائل. وأحس الجنرال دي ميشيل بالخطر الذي يتهدد قواته التي صارت محاصرة بلا غذاء، ونظراً لعدم استطاعة قواته الخروج من وهران ومحاربة الأمير، فقد قرر فتح مفاوضات معه، وأرسل للأمير عدة رسائل تجاهلها في بداية الأمر، ظناً منه بأنها مجرد حيلة القصد منها تهدئة المعارك، ريثما تصله إمدادات جديدة، لكن عندما اقتنع الأمير بجدية الطرف الفرنسي في البحث عن التوصل إلى اتفاق، رد على الجنرال بعد أن استشار مجلس شوراه، وأرسل وفداً من وزير خارجيته الميلود بن عراش والاغا خليفة بن محمود، وتقابل الوفدان خارج مدينة وهران في (25 رمضان سنة 1249هـ الموافق 4/2/1834م). وبعد مفاوضات طويلة برهن فيها الوفد المفاوض الجزائري مقدرة على التفاوض، اتفق الطرفان على صيغة الاتفاق وتحرك الوفد الجزائري نحو معسكر يعرض مسودة الاتفاق على الأمير.
ولقد بقي الأمير بعيداً عن أهله وعائلته طيلة أربعة عشر شهراً متصلة في تلك الفترة من حياته ؛ حيث نظم قصيدته المشهورة التي جاء فيها:
تسألني أم البنين وإنها لأعلم من تحت السماء بأحوالي
ألم تعلمي يا ربة الخدر أنني أجلي هموم القوم في يوم تجوالي
وأغشى مضيق الموت لا متهيباً وأحمي نساء الحي في يوم تهوال
يثقن النساء بي حيثما كنت حاضراً ولا تثقن في زوجها ذات خلخال
أمير إذا ما كان جيش مقبلاً وموقد نار الحرب إذ لم يكن صالي
إذا ما لقيت الخيل إني لأول وإن جال أصحابي فإني لها تال
أدافع عنهم ما يخافون من ردى فيشكر حسن الخلق من حسن أفعالي
أورد رايات الطعان صحيحة وأصدرها بالرمي تمثال غربالي
من عادة السادات بالجيش تحتمي وبي يحتمي جيشي وتحرس أبطالي
وبي تتقي يوم الطعان فوارس تخالينهم في الحرب أمثال أشبال
إذا ما اشتكت خيلي الجراح تحمحما أقول لها صبراً كصبري وإجمالي
وأبذل يوم الروع نفساً كريمة على أنها في السلم أغلى من الغالي
وعني سلي جيش الفرنسيين تعلمي بأن مناياهم بسيفي وعسالي
سلي الليل عني كم شققت أديمه على ضامر الجنبين معتدل عال
سلي البيد عني والمفاوز والربا وسهلاً وحزناً كم طويت بترحالي
فما همتي إلا مقارعة العدا وهزمي أبطالاً شداداً بأبطالي
فلا تهزئي بي واعلمي أنني أُهاب ولو أصبحت تحت الثرى بالي
هـ معاهدة ديمشال:
توالت الضربات المتتالية على الحاميات الفرنسية في المدن الساحلية الكبرى من كل حدب وصوب، فاستنكر عدد من البرلمانيين الفرنسيين الاحتلال المنظم للجزائر ، بسبب الثمن المالي والبشري الباهظ الذي
دفعه الشعب الفرنسي، ولما طرحت الميزانية المخصصة لمواصلة الحرب في الجزائر أمام البرلمان الفرنسي للمناقشة، تم إقرار تكوين لجنة من طرف الملك لويس فيليب في (7 جويلية 1833م) عرفت فيما بعد باللجنة الإفريقية، مهمتها تقصّي الأوضاع وجمع المعلومات والحقائق وتقديم اقتراحٍ. وجاءت اللجنة إلى الجزائر ومكثت مدة ثلاثة أشهر، من (2 سبتمبر 1833م إلى 9 نوفمبر 1833م)، خلصت إلى نتيجة مفادها ؛ ضرورة احتفاظ فرنسا بالنقاط الرئيسية التي تم احتلالها، وهي مدن الجزائر ووهران وبجاية وعنابة والجهات المحاذية لها فقط، باعتبارها ممتلكات فرنسية بإفريقيا دون الدخول في عمق التراب الجزائري، وذلك لإنقاذ الشرف القومي الفرنسي، كما عللوا ذلك. فوافق البرلمان على هذه المقترحات، غير أن الجنرال فوارول لم يكن ينتظر نتائج اللجنة، وراح يأمر الجنرال تريزل بالهجوم على ميناء مدينة بجاية، ويحتله في (6 أكتوبر) من العام نفسه.
وخلال تلك الفترة استطاع الأمير عبد القادر أن يضرب حصاراً اقتصادياً على المدن المحتلة، بعدما أصدر قراراً بمنع المبادلات التجارية مع المحتلين، وأصبحت الحاميات الفرنسية في مأزق خطير أمام هذا الحصار ؛ لأنها كانت تعتمد على القبائل الجزائرية في تموينها بضرورات الحياة، وأمام هذا الوضع راح الجنرال ديمشال يستغل كل حادثة، ليكتب إلى الأمير رسائل من أجل فتح مفاوضات لعقد اتفاق سلمي مع الأمير، منها الطلب الخاص بإطلاق سراح الجنود الفرنسيين ؛ الذين اعتقلوا بعد أن هاجمتهم قوات المجاهدين وقتلت منهم، وطلب من الأمير يرجوه فيه العفو عن الأسرى منكودي الحظ، ويذكره بأنه قد سبق له شخصياً أن أطلق سراح أسرى من العرب من دون شرط، عندما سقطوا أسرى في يده بعدما هجم عليهم في (8 ماي 1833م).
وكان نص رسالته كالتالي: إنني لا أتردد في أن أكون البادأئ في اتخاذ هذه الخطوة إن وضعي كما هو لا يسمح لي أن أفعل ذلك، ولكن شعوري الإنساني يحملني على الكتابة إليك، لذلك فإنني أطلب حرية أولئك الفرنسيين الذين سقطوا في كمين بينما كانوا يحمون عربياً. إنني لا أتوقع أن تجعل إطلاق سراحهم مرهوناً بشروط معينة، مادمت أنا قد أطلقت في الحال سراح بعض أفراد قبائل الزمالة وقبائل الغرابة عندما سقطوا في يدي نتيجة الحرب، ومن دون شروط، بل قد عاملتهم أحسن معاملة، فإذا كنت تود أن تكون رجلاً عظيماً فإني أرجو أن لا تتأخر في الكرم، وأن تطلق سراح أولئك الفرنسيين الذين هم الان رهن يدك.
وقد رد الأمير عبد القادر على رسالة الجنرال ديمشال بتحرير مختصر يُظهر دقّة أفكار الأمير وحسن سياسته، فقد جعل اللوم على فرنسا التي أرسلت قواتها وجيشها عبر البحار لمحاربة الجزائر. فأرسل الجنرال ثانية يطلب الأسرى، ولمّا لم يستجب له الأمير أيضاً أرسل للمرة الثالثة كتاب تهديد، فأجابه الأمير برسالة يقول فيها: أنتم لا تقدّرون قوة الإسلام، مع أن القرون الماضية أعدل شاهد على هذه القوة، وانتصارات الإسلام معروفة لديكم. ونحن وإن كنا ضعفاء كما تزعمون، فقوتنا بالله الذي لا إله إلا هو، والحرب سجال يوم لنا ويوم علينا، غير أن الشهادة في سبيل الله هي ما نصبو إليه، ودويّ القنابل وأزيز الرصاص وصهيل الخيول هي أطرب إلينا من صوت الغواني، فإن كنتم جادّين في الوصول لاتفاقية وعقد صلات وديّة بيننا وبينكم، فأفيدونا لنرسل لكم رجلين من كبار قومنا للمفاوضة، حيث إننا لاحظنا من رسائلكم المتعددة رغبتكم في الجنوح إلى السلم.
وكان في نيّة الأمير من هذه الخطوة مناورة سياسية، يحقق بها هدفه للاستعداد والبناء وليس معاهدة ترمي إلى الصلح الدائم.
وفور تسلم الجنرال ديمشال رسالة الأمير أوفد مردخاي موسوي بعد تسليمه رسالة جديدة عدّل فيها من لهجته، يقول فيها: إلى سمو الأمير عبد القادر، أيها الأمير الذي لم يكن بعيداً أبداً عن فعل أي أمر حسن ، فإن كان سموكم يقبل أن يتفاوض في أمر معاهدة بيننا، نوقف بها سفك دم أمتين اقتضت الإرادة الإلهية ألا تكونا تحت سلطة واحدة، سيكون لي أمل كبير في الحصول على نجاح اتفاقية المفاوضة بيننا.
وكان تاريخ رسالة الجنرال هذه في كانون الأول من عام (1833م).
وعندما تسلّم الأمير هذه الرسالة وقرأها أيقن أن عدوه وقف موقف المستغيث، فعقد اجتماعاً حضره جميع أفراد مجلس الشورى والأعيان، وأطلعهم على مضمون رسالة الجنرال دو ميشيل، وبعد تدارس الموضوع الذي كان يحتاج لأكثر من اجتماع، قرروا بالإجماع تأجيل الردّ على الرسالة بشكل رسمي، واكتفوا بإبلاغ الرسول رأيهم هذا: أي تأجيل الردّ على الرسالة.
وصلت الرسالة الشفوية إلى الجنرال، ثم أخذت رسائل الجنرال تتوالى في طلب الهدنة، وفي (الرابع من «فبراير» شباط عام 1834م) أرسل الأمير وزير خارجيته الميلود بن عراش والاغا خليفة بن محمود للتداول في أمر الهدنة مع الجنرال ديمشال، وكانت المقابلة بين القادة الفرنسيين ومندوبي الأمير خارج مدينة وهران على بعد فرسخين منها، وجرت المباحثات بشكل ودّي.
وقد كان في ذهن مندوبي الأمير صورة كاملة لما يجب القبول به وما لا يجب الاتفاق عليه، لذلك جاء صك الاتفاقية وفق إرادة الشعب الجزائري ومصالحه في تلك الفترة من التاريخ، وفي يوم (السابع عشر من شهر شوال عام 1246هـ الموافق السادس والعشرين من شهر «فبراير» شباط عام 1834م) وقع الاتفاقية الجنرال ديمشال وبعد ذلك عرض بن عراش الاتفاقية المذكورة على الأمير فوقعّها بدوره، وقال المؤرخ الفرنسي لويس دونلوت: إن الميلود بن عراش وزير السلطان عبد القادر ومعتمده الخاص في عقد المعاهدة، استُقبل استقبالاً رسمياً فيه كل معاني الاحترام، وكان أمراء الجيش الفرنسي مصطفين كلّ على حسب رتبته العسكرية، يستمعون لما جاء في صك الاتفاقية، وبعد تلاوتها وقعّها الجنرال ديمشال.
كانت بالأمير حاجة ماسّة جداً إلى الهدنة لتقوية الجبهة الداخلية، وتنظيم جيشه الفتيّ، واعتبر هذه الهدنة مناورة عسكرية، يتفرغ فيها لبناء الدولة الإسلامية وتقوية الوحدة الوطنية، ذلك أن عصيان بعض القبائل، ووقوف البعض الاخر مع الفرنسيين أربك قواته وأرهق قدراته على الاستمرار في الكفاح ضد المستعمر الغاصب. ومن جهة ثانية تمكن بهذه الهدنة من التركيز على جبهة واحدة مهمة، لأن الحرب على عدة جبهات كانت خطرة وقاسية ؛ لذلك لابد من تحييد إحداها.
ولم ترتح الحكومة الفرنسية لهذه الاتفاقية ؛ على الرغم من توقيع الملك عليها، وكانت ترى فيها مكاسب كبيرة للعرب، ومع الأيام أخذت تفكر بشكل جدّي في نقضها.
قال المؤرخ الفرنسي لويس دونلوت: إن دولة فرنسا قد حاولت أن تنقض هذه الاتفاقية، واستعملت الكثير من المكائد، لكن ذكاء الأمير هذا الشاب الحديث السنّ ودهاءه السياسي عرقلا مساعيها وأطالا مدة الهدنة.
ـ نص معاهدة ديمشال:
تمكن الأمير عبد القادر في المرحلة الأولى من مواجهة الجيش الفرنسي وإجباره على التمسك والاكتفاء بالبقاء في مدن مستغانم، أرزو، ووهران، واضطر الجنرال الفرنسي ديمشال أن يبرم معاهدة مع الأمير عبد القادر في سنة (1833م) والتزم فيها الطرفان بما يلي:
ـ يعين الأمير وكلاء له في مدن مستغانم ووهران، أرزو، كما تُعين فرنسا وكيلاً لها في معسكر.
ـ احترام الديانة الإسلامية.
ـ التزام الفريقين برد الأسرى.
ـ إعطاء الحرية الكاملة للتجارة.
ـ التزام كل طرف بإرجاع كل من يفر إلى الطرف الاخر.
ـ لا يسمح لأي أوروبي أن يسافر داخل البلاد إلا إذا كان يحمل رخصة من وكلاء الأمير وموافقة الجنرال الفرنسي.
كانت شروط الجنرال مكتوبة بالفرنسية، وموقعة من الأمير، وشروط الأمير مكتوبة بالعربية وموقعة من الجنرال، وهذا يؤكد أهمية اللغة في تجسيد السيادة الوطنية في دولة الأمير عبد القادر.
وبعد تبادل الوثائق، جرى حديث طريف بين الجنرال والوزير الميلود نورده في شكل حوار:
ـ كنت عازماً قبل عقد المعاهدة أن أطلب من دولتي عشرة الاف جندي زيادة على ما عندي، وأخرج من هذه المدينة وأتابع محاربتكم مدة شهر، وما يدريك يا مولود أن حملة كهذه من شأنها أن تلحق الضعف بسلطانكم؟
ـ يا سيادة الجنرال إننا لا نحاربكم محاربة نظام وترتيب، ولكن محاربة هجوم وإقدام، ولو فعلت ما قلت وخرجت بهذه القوة كنا نتقهقر أمامكم متوغلين في الصحراء بأهلنا وأثقالنا، وفي حال هذا التقهقر نناوشكم القتال حتى لا ترجعوا عنا، ثم نصابركم حتى تضعف شوكتكم، ومتى سنحت الفرصة وتورطتم في فيافي الصحراء قلبنا الكرة عليكم، وأحاطت جيوشنا بكم من كل ناحية، وتكون ذخائركم نفدت، وقوتكم ذهبت، وعساكركم تعبت، فحينئذ ماذا كنت تصنع أيها الجنرال؟
وتملك الجنرال العجب من بلاغة هذا الجزائري الذي رد على صلفه وغروره بتواضع وإيجاز، مبرزاً تكتيكاً عسكرياً لم يكن يخطر له على بال.
وبعد المعاهدة عيّن الأمير سفراءه، سماهم وكلاء في مدن الجزائر ووهران وأرزيو، متجنباً إعطاءهم لقب سفراء حتى لا يعترف بملكية هذه المدن لفرنسا، ويوحي بأنها جزائرية، وأن ممثليه فيها مجرد وكلاء له يقيمون على أرض جزائرية، وهذا يبرهن على رقي دبلوماسية دولة الأمير، وعيّن الفرنسيون سفيراً لهم في معسكر الكومندان عبد الله ويسون، وهو من مماليك مصر الذي انخرط في صفوف الجيش الفرنسي.
اعتبرت المعاهدة نصراً للأمير، فقد اعترفت رسمياً باستقلال الأمير الذي فاوض الجنرال الفرنسي عن طريق مندوب عنه وفوضه بالتوقيع عليها، واحتفظ لنفسه بالمصادقة عليها، مثله مثل ملك فرنسا، وكتأكيد على سيادة دولة الأمير ؛ فقد نصت المعاهدة على تبادل التمثيل القنصلي، وتبادل المجرمين بين الطرفين، وناقش وزير الدفاع الفرنسي الشروط التي فرضها الأمير في هذه الاتفاقية، لكنه وافق عليها في النهاية، بهدف كسب الوقت ريثما تعد العدة للسيطرة الكاملة على سائر البلاد الجزائرية، وصادق الملك على المعاهدة.
من ضمن الشروط التي فرضها الأمير على المفاوض الفرنسي احتكاره لتجارة الحبوب، وألا تشتري فرنسا الحبوب الجزائرية إلا عن طريقه، وضمّن هذا الشرط في ملحق خاص بالمعاهدة، وبالرغم من أن الطرف الفرنسي وقع على هذا الملحق، إلا أن فرنسا تراجعت فيما يتعلق بهذا الشرط، بدعوى أن الملحق كتب بالعربية. والحقيقة إنه لم يكن ملحقاً، إنما كان بنوداً داخلة في صلب المعاهدة، كشروط الأمير.
و ـ اعتراف سلطان مراكش وبسط الأمير لنفوذه:
في العاشر من شهر تموز عام (1834م) وصل وفد السلطان عبد الرحمن بن هشام أمير المغرب الأقصى لتهنئة الأمير عبد القادر بالانتصارات الباهرة، حاملاً إليه الهدايا الثمينة مع كميات وافرة من الأسلحة والذخائر، وعدد من الجنود الفرنسيين ؛ الذين فروا إلى المغرب الأقصى، وألقي القبض عليهم هناك، وقد أرسلهم السلطان إلى الأمير عبد القادر ليرى رأيه فيهم، فسلمهم الأمير إلى السلطات الفرنسية حسب مضمون المعاهدة ونصوصها.
وبعد المعاهدة شرع الأمير عبد القادر يطبق خطته التوحيدية، فقام على الفور بمهاجمة القبائل الرافضة لمبايعته قرب تلمسان، وأخضعها، وذلك يوم (12/7/1834م)، وكان لهذا الانتصار أكبر الأثر في بسط نفوذه على غرب البلاد باستثناء مدينتي وهران ومستغانم وقلعة تلمسان.
بعد أن دان الغرب للأمير توجه إلى ناحية مدينة الجزائر، وحاول إخضاع القبائل هناك، لكن ديمشال أبلغه أن هذا العمل سيسيء إلى علاقاته مع فرنسا، وطلب منه عدم الاقتراب من مدينة الجزائر، وشجعه على السيطرة على قسنطينة والأقاليم الداخلية. وظل الوجود الفرنسي مقتصراً على مدن الجزائر ووهران وبجاية وعنابة.
وانطلق الأمير في توحيد القطر تحت سلطته، والحدّ من توغل الفرنسيين داخل البلاد، فقام بضم تيطري إلى دولته، بالرغم من احتجاج ديمشال، وانتهز فرصة قيام أتباع الطريقة الدرقاوية بثورة دينية فهاجم مليانة ومدية واحتلهما، وتمكن بذلك من الاقتراب من مدينة الجزائر، شعر الفرنسيون بأن الأمير يبسط نفوذاً من شأنه أن يجمع الشعب كله تحت دولته، فبدؤوا يحيكون المؤامرات ضده، دفعوا بعض القبائل القريبة من مدينة وهران أن تتمرد عليه، ولكن الأمير هزمهم وطلبوا منه الأمان واستجاب لهم.
وعاد الأمير إلى مدينة معسكر بعد أن أعاد القبائل المتمردة إلى سلطته في مساحة واسعة من الوطن. وتوجه إلى مدينة تلمسان فدخلها، واستقبله سكانها استقبالاً حافلاً، وأقام فيها زمناً قام بإصلاح أمورها، وعلم وهو في تلمسان أن بعض عشائر الدوائر والزمالة تحركت نحو وهران للاحتماء بالمحتل، فسارع إليها ورد بعضها، ونزل بوادي الكحيل، فحضر له رؤساء عشائر الدوائر، فأمرهم أن يتركوا المنطقة، وينتقلوا إلى ناحية معسكر، وعيّن لهم محلة العرقوب ليقيموا فيها منازلهم.
قام الأمير بحثِّ الناس على العمل المجدي من زرع ورعي وتجارة، تحسيناً لأحوال الرعية، وسرعان ما عمّ الأمن، واختفى الشقاق بين القبائل، بسبب قيام خلفاء الأمير بحل النزاعات وفقاً لشريعة الله، وتمكن هذا الأمير الشاب خلال عشرين شهراً من تاريخ بيعته من بسط سلطته على مناطق واسعة بواسطة الترغيب والترهيب مع رجحان كفة الترغيب، وكان المواطنون يستجيبون للأمير طواعية، اقتناعاً منهم بأن حكمه مبني على أحكام الشريعة الإسلامية، ولم تشذ سوى عشائر الدوائر والزمالة لتعودها منذ عشرات السنين على العيش على استغلال الشعب واكتساب المال من الناس بدون حق، مستغلين التفويض الذي منحه لهم الحاكم في عهد الأتراك.
وقد تمكن الأمير بفرض شرط في معاهدة دي ميشيل ينمّ عن فهمه لأمور الاقتصاد.
وينص هذا الشرط على أن العمليات التجارية التي يقوم بها الفرنسيون لشراء المواد التموينية ؛ لابد وأن تتم في ميناء أرزيو تحت نظر ومراقبة موظفي إمارته، وأن كل البضائع التي تأتي من الداخل تدخل هذا الميناء، ومنه تصدر لفرنسا وأوروبا، وترسل منها المواد التموينية إلى مدينتي وهران ومستغانم، اللتين يحتلهما الفرنسيون بالقدر الذي يكفي أهلها.
كان موظفو الإمارة يشترون البضائع من الناس ويقومون بشحنها إلى أوروبا، وسخط التجار الفرنسيون على هذه المعاملات التجارية التي جمدت سائر نشاطهم، وغضبوا على الجنرال دي ميشيل الذي قبل هذا الشرط التجاري المدمر لهم، وشكوا للجنرال الذي أجرى اتصالاً مع الأمير الذي أمر بتخفيف هذه الإجراءات التجارية.
علم الأمير أن سكان وهران ومستغانم المحتلتين يعودون لمنازلهم، فأمر الأمير وكلاءه بمنعهم من العودة حتى لا يستغلوا من المحتل، وحتى يبقى هذا معزولاً عن الأهالي.
ز ـ استبدال الجنرال ديمشال:
استبدلت الحكومة الفرنسية الجنرال ديمشال الذي فشل في نظرهم بإعطائه للأمير قوة بالمعاهدة التي وقعها معه، وعيّن بديلاً له كحاكم لوهران الجنرال تريزل، كما عيّن الكونت دوروان دورلون والياً على الجزائر، مع تكليفه بالمحافظة على المعاهدة، لكن الجنرال ما إن وصل وهران حتى راح يبث الدسائس ضد المعاهدة التي لم يكن يؤمن بها.
واتفق وصول تريزل وهران مع اتصال سكان تيطري بالأمير وإرسالهم بيعتهم له، وفكر الأمير في ذلك ملياً، ثم قرر عدم اتخاذ قرار فيها إلا بعد الاتصال بالوالي الفرنسي، فأرسل وزير خارجيته الميلود بن عراش رسالة إلى الكونت يهنئه فيها بتوليه الولاية، وورد فيها: إن معتمدي ابن عراش وجّهته إلى حضرتكم ؛ ليبلغكم التهنئة والتبريك من قبلي على الجزائر، وقيامي بالمحافظة على أمور المعاهدة، أوعزت إليه أن يفاوضكم في أمور تعين عليَّ إجراؤها، لتوطيد الراحة في جميع المقاطعات الداخلية في السهول والجبال والمناطق التي على ساحل الجزائر وجوارها ووهران والمدية، وخشيت أن يكون ذلك سبباً مكدراً لما بيننا من المصافاة.
وقد أوحى الأمير برسالته أن يده ينبغي أن تكون طليقة في جميع الأقاليم، ماعدا المدن الأربع التي بيد الفرنسيين، وكان يريد أن يرتكز على جواب الكونت لتبرير ضم التيطري إلى إمارته.
وبعد أن أكرم الكونت وفادة مبعوث الأمير رد بالرسالة التالية: وصلني كتابكم وبلّغني معتمدكم ما تعلقت به إرادتكم في الجهة الشرقية، وحيث إن جعل مقاصد سموكم توطيد الراحة العامة كما هو المطلوب والمرغوب فيه عند دولة فرنسا ورجالها، وإني امل نجاح مقاصدكم ورفاهية شعبكم وسعادة البلاد، ولك أن تعتقد بأنك لا تقوم في كل أرض تقصد الاستيلاء عليها، بشرط أن تكون لك قوة على أخذها.
وكان الكونت يضع بين عينيه وصية حكومته: بألا يغضب الأمير عبد القادر، وأن يعمل على كل ما من شأنه تجنب طلب قوات عسكرية من باريس. وشعر الأمير بأن يديه طليقتان فقرر التوجه إلى تيطري، وعندما تأهب للسفر كتب إلى حاكم الجزائر يخبره بذلك فكان جواب الكونت ما يلي: فهمت ما تضمنه تحرير سموكم والذي أرى أن هذا العزم خال من الصواب، ليكن في علمكم أن الجنرال ديمشال لم تكن له سلطة ولا حكم إلا على إيالة وهران، ولذلك لم يتعرض لما يتعلق بباقي الولايات. ومهما توسعت دائرة التأويل فيما جرى في معاهدة الثامن والعشرين من فبراير، فلا يكون لكم طلب إلا على إيالة وهران، وبناء على ذلك فلا نسمح لكم أن تدخلوا إيالة تيطري، ولا أن تتجاوزوا وادي الشلف شرقاً ونهر أرهيو إلى كوجيلة، وعلى العموم فلكم أن تحكموا في البلاد التي هي لكم الان بحسب شريعة الإسلام، وبذلك نكون أصدقاء، ولا أقدر أن أرضخ لعساكركم أن يدخلوا ولاية تيطري، لأن كل ما يجري هناك يخصني، وإني مستمر مع ساكني الأقاليم على السلم، ومرتكز على تعيين مراكز فرنسية في البليدة وبوفاريك متى رأيت ذلك مناسباً.
ورد الأمير على مراسلة الكونت برسالة قال فيها: لقد وصلني تحريركم وتعجبت مما ذكرتموه فيه. إن مرمى أفكار حضرتكم بعيدة عن الإصابة، لأن محافظتي على السلم لا يجهلها أحد، ولولا ذلك ما احتجت إلى مذاكرتكم فيما أجريه في وطني، وقصارى الأمر أنه لا يبعد أن يكون بعض أهل الفساد ألقى فـي ذهن حضرتكم ما أوجب أن يكون جوابكم على هذا الأسلوب. وعلى كـل حـال فإني عدلت الان عن النهوض إلـى تيطري، إبقاء للسلم ورعاية له.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com