الخميس

1446-10-12

|

2025-4-10

من كتاب كفاح الشعب الجزائري بعنوان:

(محاربة الأمير عبد القادر الجزائري للشعوذة والدجل)

الحلقة: الحادية والأربعون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ربيع الأول 1442 ه/ نوفمبر 2020

كانت الوفود تتسابق مقدمة الطاعة للأمير عبد القادر مثل رئيس قبيلة أنكاد حليف الدوائر، وابن عربي رئيس قبيلة أولاد خويدم وغيرهما.
وقف الأمير متأملاً في رسالة الكونت، ولم يتابع السير ورأى التريث وعدم الذهاب إلى تيطري، إذ كان لا يريد أن يأتي حصاد مكاسب المعاهدة قبل الأوان ؛ وهو لم يستكمل بعد بناء الدولة والجيش، ولا يزال أمامه الكثير من المصاعب لتحقيق الوحدة الوطنية داخل البلاد. فجمع المجلس العسكري لدراسة الأمر، وفي هذه الأثناء كان سكان إيالة تيطري يقيمون الزينات ويستعدون لاستقبال أمير البلاد ناصر الدين عبد القادر بن محيي الدين، وعندما طال انتظارهم له، ظهر بينهم رجل اسمه الحاج موسى بن حسن ويُعرف بأبي حمارة، جاء هذا الرجل منذ زمن من مصر، فاستوطن بلاد أولاد نائل، وأظهر النسك والصلاح، وعندما تأخر الأمير في دخول إيالة تيطري جمع أبو حمارة حوله بعض المريدين، وخطب في الناس طالباً منهم الطاعة له فقاوموه وأطلقوا عليه وعلى جماعته النار من مدفع كان في حوزتهم من أيام الحكومة العثمانية، فانفجر هذا المدفع، فأوهمهم هذا الرجل أن تلك معجزة من معجزاته وكرامة له، فحدث شغب كبير وبلبلة، وسادت الاضطرابات إيالة تيطري، ووصلت أخبار تلك الاضطرابات إلى القوات الفرنسية.
وانتظر الأمير عبد القادر ماذا يفعل الفرنسيون مع أبي حمارة، وعندما تأكد أنهم صمتوا عن ذلك قرر التحرك نحو تيطري، وخاصة بعد علمه أن عشائر الدوائر والزمالة بدأت تتحرك ضده متشجعة بحركة أبي حمارة، وأوعز لأخيه الكبير محمد سعيد أن يراقب الفرنسيين من ناحية مستغانم وأرزيو، وإلى البوحمدي، وإلى تلمسان أن ينحدر بجيشه نواحي وهران ليشغل حاكمها، وتوجه هو إلى تيطري بعد أن وافق المجلس العسكري بالإجماع. ولما علم أبو حمارة جمع جموعه وخطب الناس وواعدهم بالنصر، وقال لهم آية نصرنا ستكون أن مدفع ابن محيي الدين لن يعمل فينا، وأن باروده عند المواجهة سيصير ماء، ثم كتب إلى الأمير يدعوه إلى الجهاد.
وقرر الأمير مواجهة أبي حمارة واتخذ هذه المواجهة عملاً تربوياً للقضاء على الخزعبلات التي تشوه الإسلام والبدع، والتقى الجمعان في بلاد وامري، وكان قد شاع بين الجنود تخوفهم من كرامة الدجال المزعومة، فألقى الأمير فيهم الخطاب التالي، الذي برهن فيه عن سخطه على الخزعبلات والدجل والبدع، وحرصه على تحرير أبناء بلاده من ظلمات الجهل ليدخل بهم بوابة الحضارة والعصور النيّرة، فقال: الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى اله وأصحابه، أما بعد ؛ فاعلموا أن الحق تعالى قلدني هذا الأمر للمدافعة والذب عن الدين والوطن، وقد بلغكم خبر هذا الرجل، فإن تركته وشأنه أخاف على الوطن أن تغتاله غوائل الفرنسيين على حين غفلة، وينشأ عن ذلك من المفاسد ما يعسر علينا إصلاحه، هذا وإني أختبر أمره الذي كاد أن يوقع في قلوبكم ما يؤول بكم إلى تشتيت الشمل وتبديد الجمع، وذلك أني أطلق عليه مدافعي فإن كان الأمر كما زعم، فأنا أول مطيع له بعد اختبار أحواله من جهة الشرع، وإن كان الأمر يخالف زعمه فهو دجال من دجالي هذا الوقت.
ثم أمر بالزحف وإطلاق المدافع على أبي حمارة، فلما نزلت القذائف على جموعه انهزموا بعد أن تصوروا أن كرامة قائدهم ستجمد القذائف في مدفعها، وتفرقوا في الجبال والأودية، وفر الدجال تاركاً نساءه وأولاده وسائر سلاحه وعتاده في مخيمه، وانطلق جنود الأمير يطاردون فلول الضالين، وشعر الأمير بانخداع القبائل التي تحارب مع الدجال، وتركءَ لرؤسائها المجال للاتصال به عندما علم برغبتهم، فتقدموا منه وطلبوا منه العفو، وبينوا له أنهم كانوا واقعين تحت سحر كراماته المزعومة، فعفا عنهم، وجاء الطلب من أبي حمارة بردّ نسائه وأولاده له، فاستجاب الأمير لطلبه، ثم توجه الأمير إلى المدية فدخلها، وجاءته الوفود من سائر أنحاء الولاية فبايعته، وبعد أن قام بإصلاح شؤونهم عيّن خليفة على الولاية وهو السيد محمد البركاني.
وشاع خبر هذا النصر العظيم، وحاول الجنرال تريزل أن يتخذ من سيطرة الأمير على ولاية تيطري نقضاً للمعاهدة، وطالب بشن حرب على الأمير، لكن الحاكم العام رفض مقترحه قائلاً: لست مأموراً من الدولة بنقض المعاهدة، وغير مستعد الان لفتح باب الحرب، ويجب علينا أن نتعامل مع الأمير بالحكمة، ونسعى معه لتجديد المعاهدة مادام في المدينة التي استولى عليها وعلى إيالتها، ونتغاضى عما فعله ونتجنب الصدام به، فوافق أعضاء قيادته على ذلك.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022