السبت

1446-06-27

|

2024-12-28

ثالثا: صحيفة المدينة عرض وتحليل للمضمون

أ‌-نص الصحيفة (1)هذا كتاب من محمد النبي (رسول الله) بين المؤمنين والمسلمين من قريش (وأهل يثرب)، ومن تبعهم فَلَحق بهم وجاهد معهم. (2)إنهم أمة واحدة من دون الناس. (3)المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين. (4)وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. (5)وبنو الحارث (بن الخزرج) على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. (6)وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف، والقسط بين المؤمنين. (7)وبنو جُشَم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف، والقسط بين المؤمنين. (8)وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف، والقسط بين المؤمنين. (9)وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف، والقسط بين المؤمنين. (10) وبن

ثالثا: صحيفة المدينة عرض وتحليل للمضمون

أ‌-نص الصحيفة (1)هذا كتاب من محمد النبي (رسول الله) بين المؤمنين والمسلمين من قريش (وأهل يثرب)، ومن تبعهم فَلَحق بهم وجاهد معهم. (2)إنهم أمة واحدة من دون الناس. (3)المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين. (4)وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. (5)وبنو الحارث (بن الخزرج) على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. (6)وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف، والقسط بين المؤمنين. (7)وبنو جُشَم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف، والقسط بين المؤمنين. (8)وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف، والقسط بين المؤمنين. (9)وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف، والقسط بين المؤمنين. (10) وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف، والقسط بين المؤمنين. (11)وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف، والقسط بين المؤمنين. (12)وإن المؤمنين لا يتركون مُفْرَحا بينهم أن يعطوه بالمعروف من فداء أو عقل، وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه. (13)وإن المؤمنين المتقين (أيديهم) على (كل) من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثماً أو عدواناً أو فساداً بين المؤمنين، وإن أيديهم عليه جميعاً، ولو كان ولد أحدهم. (14)ولا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر، ولا ينصر كافراً على مؤمن. (15)وإن ذمة الله واحدة، يجير عليهم أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس. (16)وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصر عليهم. (17)وإن سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله، إلا على سواء وعدل بينهم. (18)وإن كل غازية غزت يعقب على بعضها بعضا. (19)وإن المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله. (20)وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه، وإنه لا يجير مشرك مالاً لقريش، ولا نفساً ولا يحول دون على مؤمن. (21) وإنه من اعتبط مؤمناً قتلاً عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول (بالعقل)، وإن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه. (22)وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في الصحيفة، وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً أو يُؤويه، وإن من نصره أو آواه، فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل. (23)وإنه مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله وإلى محمد صلى الله عليه وسلم. (24)وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين. (25)وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، ومواليهم وأنفسهم إلا من ظلم نفسه وأَثِم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته. (26)إن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف. (27)وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف. (28)وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف. (29)وإن ليهود بن جُشَم مثل ما ليهود بني عوف. (30)وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف. (31)وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يتوتغ إلا نفسه وأهل بيته. (32)وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم. (33)وإن لبني الشُّطَيبة مثل ما ليهود بني عوف وإن البر دون الإثم. (34)وإن موالي ثعلبة كأنفسهم. (35)وإن بطانة يهود كأنفسهم. (36)وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم. (37)وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم. (38)وإنه لا يأثم امرؤ بحليفه وإن النصر للمظلوم. (39)وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين. (40)وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة. (41) وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم. (42) وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها. (43)وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مردَّه إلى الله، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره. (44)[وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها] وإن بينهم النصر على من دهم يثرب. (45) وإذا دعوا إلى الصلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإن لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين. وعلى كل أناس حقهم من جانبهم الذى قبلهم. (46)وإن يهود الأوس، مواليهم وأنفسهم، على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة، وإن البر دون الإثم، لا يكسب كاسبَُ إلا على نفسه، وإن الله على ما أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره. (47)وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، إنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة، إلا من ظلم وأثم، وأن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ثانيا: التحليل

1- تحديد مفهوم الأمة: عقد مجلس كبير ضم الأنصار ونقباء المهاجرين حيث تم فيه في الأرجح مداولة الأحكام والأسس القانونية لعملية التآخي، وتضمنتها المواد 1 - 23 من هذه الصحيفة وتدوينها في هذا الاجتماع، أي تم تسجيل شكل العلاقات الاجتماعية والقانونية للجماعة الإسلامية وتثبيتها في مواد قانونية مكتوبة . وبذلك حوت الصحيفة مبادئ عامة، درجت دساتير الدول الحديثة على وضعها فيها، وفي طليعة هذه المبادئ تحديد مفهوم الأمة، فالأمة في الصحيفة تضم المسلمين جميعا مهاجريهم وأنصارهم ومن تبعهم، ممن لحق بهم وجاهد معهم أمة واحدة، من دون الناس وبهذا نقل الرسول صلى الله عليه وسلم قومه من شعار القبلية، والتبعية لها إلى شعار الأمة، التي تضم كل من اعتنق الدين الجديد، فلقد قالت الصحيفة عنهم «أمة واحدة» (المادة21) وقد جاء به القرآن الكريم قال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 92]. وبهذا الاسم الذي أطلق على جماعة من المسلمين والمؤمنين ومن تبعهم من أهل يثرب، اندمج المسلمون على اختلاف قبائلهم في هذه الجماعة التي ترتبط بينها برابطة الإسلام، فهم يتكافلون فيما بينهم، وهم ينصرون المظلوم على الظالم، وهم يرعون حقوق القرابة، والمحبة، والجوار . لقد انصهرت طائفتا الأوس والخزرج في جماعة الأنصار، ثم انصهر الأنصار والمهاجرون في جماعة المسلمين، وأصبحوا أمة واحدة تربط أفرادها رابطة العقيدة وليس الدم. وهم يتمايزون بذلك كله على بقية الناس «من دون الناس» فهذه الروابط تقتصر على المسلمين ولا تشمل غيرهم من اليهود والحلفاء. وهذا التميز لا يشكل حاجزًا بين المسلمين وغيرهم، فكيان الجماعة الإسلامية مفتوح وقابل للتوسع ويستطيع الانضمام إليه من يؤمن بعقيدته. 2- بناء مفهوم المواطنة وأن سكان الدولة شعب واحد اعتبرت الصحيفة اليهود والمشركين من العرب من مواطني الدولة الإسلامية، وعنصراً من عناصرها فجاء فيها: «وأن من تبعنا من يهود، فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين، ولا متناصر عليهم» (المادة 16) ثم زاد هذا الحكم إيضاحا في المادة (25) وما يليها، حيث نص فيها صراحة بقوله: (وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين...). وبهذا نرى أن الإسلام قد اعتبر أهل الكتاب الذين يعيشون في أرجائه مواطنين، وأنهم أمة مع المؤمنين، ما داموا قائمين بالواجبات المترتبة عليهم، فاختلاف الدين ليس-بمقتضى أحكام الصحيفة- سبباً للحرمان من المواطنة . 3- المرجعية العليا للدولة: بات واضحا بأن الفصل في كل الأمور بالمدينة يعود إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقد نصت الصحيفة في المادة (23) على ما اتفق عليه مواطنوها حول مرجع فض الخلاف والنزاعات، وقد جاء فيها: «وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء، فإن مرده إلى الله وإلى محمد صلى الله عليه وسلم» وهذا تم باتفاق حتى مع سكان المدينة من اليهود. والمغزى من ذلك واضح وهو تأكيد لوجود سلطة رسمية مختارة تهيمن على المدينة وتفصل في الخلافات منعاً لقيام اضطرابات في الداخل من جراء تعدد السلطات كما كان في سالف عهد المدينة قبل هجرة المسلمين إليها، وفي نفس الوقت في هذا تأكيد صريح على رئاسة الرسول صلى الله عليه وسلم للدولة الجديدة . وبإفراد المرجعية لله ولرسوله أسس مفهوم جديد لمرجعية الدولة ابتعد عن الأشخاص لينتهي الأمر به إلى الأمة (المجتمع) التي باتت هي من تمنح السلطات للدولة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. لقد نزل القرآن الكريم من أجل تحقيق العبودية والحاكمية لله تعالى، قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ ` أَلاَ للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إلى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) [الزمر: 2،3]. وقال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) [النساء: 105] فكما أن تحقيق العبودية غاية من إنزال الكتاب، فكذلك تطبيق الحاكمية غاية من إنزاله، وكما أن العبادة لا تكون إلا عن وحي منزل، فكذلك لا ينبغي أن يحكم إلا بشرع منزل، أو بما له أصل في شرع منزل وهذا الأخير تتسع فيها الهوامش فمما له أصل مثلا العدل والمساواة وحفظ الكرامة الإنسانية وحماية الضعيف وإغناء الفقير عن السؤال وغيرها كثير. وقد اعترف اليهود في هذه الصحيفة بوجود سلطة قضائية عليا، يرجع إليها سكان المدينة بمن فيهم اليهود بموجب المادة (43)، لكن اليهود لم يُلزموا بالرجوع إلى القضاء الإسلامي دائماً بل فقط عندما يكون الحدث أو الاشتجار بينهم وبين المسلمين، أما في قضاياهم الخاصة وأحوالهم الشخصية فهم يحتكمون إلى التوراة ويقضي بينهم أحبارهم، ولكن إذا شاءوا فبوسعهم الاحتكام إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وبذلك أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم رئيس الدولة الوليدة بمختلف أعراقها وأديانها. وقد تولى رئاسة الدولة وفق نصوص الصحيفة، وباتفاق الطوائف المختلفة الموجودة في المدينة، ممن شملتهم نصوص الصحيفة في المادة (36) التي تقرر أنه «لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم» ولهذا تأثير كبير في عدم السماح لهم بمحالفة قريش أو غيرها من القبائل المعادية، وهناك المادة (43) التي ذهبت إلى ما هو أبعد وأصرح من ذلك إذ قررت أنه (لا تجار قريش ولا من نصرها) ولم يرد في الصحيفة اسم لأي شخص ما عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم . 4- إقليم الدولة: حددت الصحيفة إقليم الدولة الجديدة: «وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة» مادة (40) وهكذا تحددت معالم الدولة: أمة واحدة، وإقليم هو المدينة، وسلطة حاكمة يرجع إليها. وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ليثبتوا أعلاماً على حدود حرم المدينة من جميع الجهات، وحدود المدينة بين لابتيها شرقاً وغرباً، وبين جبل ثور في الشمال وجبل عَيْر في الجنوب. 5- الحريات وحقوق الإنسان: تضمنت الصحيفة قواعد ومبادئ تحقق العدالة، والمساواة بين سكان المدينة، وأن يتمتع بنو الإنسان فيها على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وأديانهم بالحقوق والحريات بأنواعها . يقول الأستاذ الدكتور محمد سليم العوا: «ولا تزال المبادئ التي تضمنها الدستور في جملتها معمولاً بها، والأغلب أنها ستظل كذلك في مختلف نظم الحكم المعروفة إلى اليوم... وصل إليها الناس بعد قرون من تقريرها في أول وثيقة سياسية دوَّنها الرسول صلى الله عليه وسلم ». فقد أعلنت الصحيفة أن الحريات مصونة، كحرية العقيدة والعبادة وحق الأمن، إلخ، فحرية الدين مكفولة: «للمسلمين دينهم ولليهود دينهم» قال تعالى: ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [البقرة: 256]. وقد أنذرت الصحيفة بإنزال الوعيد، وإهلاك من يخالف هذا المبدأ أو يكسر هذه القاعدة، وقد نصت الصحيفة على تحقيق العدالة بين الناس، وعلى تحقيق مبدأ المساواة. إن الدولة الإسلامية واجب عليها أن تقيم العدل بين الناس، وتفسح المجال وتيسر السبل أمام كل إنسان يطلب حقه أن يصل إلى حقه بأيسر السبل وأسرعها، دون أن يكلفه ذلك جهداً أو مالاً، وعليها أن تمنع أي وسيلة من شأنها أن تعيق صاحب الحق من الوصول إلى حقه. أما مبدأ المساواة؛ فقد جاءت نصوص صريحة في الصحيفة حولها، منها: «أن ذمة الله واحدة» وأن المسلمين «يجير عليهم أدناهم» وأن «بعضهم موالي بعض دون الناس» ومعنى الفقرة الأخير أنهم يتناصرون في السراء والضراء المادة (15). وتضمنت المادة (19) أن «المؤمنين يبيء بعضهم علي بعض بما نال دماءهم في سبيل الله» قال السهيلي شارح السيرة في كتابه (الروض الأنف): (ومعنى قوله يُبيء هو من البواء، أي: المساواة) . ويعد مبدأ المساواة أحد المبادئ العامة، التي أقرها الإسلام، وهي من المبادئ التي تساهم في بناء المجتمع المسلم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى، أبَلَّغت» . وإن هذا المبدأ كان من أهم المبادئ التي جذبت الكثير من الشعوب قديما نحو الإسلام . كانت الصحيفة قد اشتملت على أتم ما قد تحتاج الدولة من مقوماتها الدستورية والإدارية، وعلاقة الأفراد بالدولة، فهي رسمت خطوطاً عريضة في الترتيبات الدستورية، وتعتبر في القمة من المعاهدات التي تحدد صلة المسلمين بغير المسلمين المقيمين معهم، فيها الكثير من التسامح والعدل والمساواة، وعلى التخصيص إذا لوحظ أنها أول وثيقة إسلامية تسجل وتنفذ في أقوام كانوا منذ قريب وقبل الإسلام أسرى العصبية القبلية، ولا يشعرون بوجودهم إلا من وراء الغلبة، والتسلط وبالخوض في حقوق الآخرين وترويع أمنهم . وشملت الصحيفة الكثير من المعاني والمبادئ الحضارية، وما توافق الناس على تسميته اليوم بحقوق الإنسان. وتضمنت بوضوح معنى الميثاق أو العقد الاجتماعي عندما نصت مرارا على وجوب التزام مكونات المجتمع المدني بما جاء فيها. ويرى محمد حمِيد الله أن الصحيفة كانت عقدًا اجتماعيًا بين الجماعات المنضوية تحت مظلة هذه الدولة الجديدة وأنها أول دستور مكتوب في العالم. ويقول علي بولاج: " هذا ويمكننا أن نستخرج كليات أساسية من أحكام هذه الصحيفة إن قمنا بعملية تجريد وتعميم لها، ومن ثم يمكن لهذه الكليات الأساسية أن تكون مصدر إلهام في حل كثير من المشاكل اليوم. وهناك العديد من الأحاديث والآيات والعديد من التجارب الذاتية والمحلية في تاريخ المسلمين، وكذلك العديد من أحكام الشريعة الإسلامية التي تؤيد المشروع الكبير الذي استهدفته هذه الصحيفة. وإن التجارب التي حفَل بها التاريخ الإسلامي في هذا الموضوع كانت انعكاساً لروح هذه الصحيفة بخطوطها العامة وشرحاً وتطبيقاً

الكاتب: د. علي الصلابي 

       أ. إسماعيل كريتلي

حركة  التوحيد والإصلاح 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022