السبت

1446-05-21

|

2024-11-23

ما يستفاد من سيرة ابن السنوسي...
الخلاصات والإستنتاجات (الجزء1)

بقلم: الدكتور علي محمّد الصلابي

الحلقة الثانية والعشرون

صفر1441ه/ أكتوبر 2019

أصيبت الدولة العثمانية في القرنيين الماضيين بداء الأمم كالحسد والبغضاء، واستبداد الملوك، وخيانة الأمراء، وغشهم للأمة وإخلاد الشعب الى الراحة، والدعة، وكان شر ماأصيبت به الدولة الجمود في العلم، وفي صناعة الحرب، وفي تنظيم الجيوش.
كانت الاحزاب العلمانية، والجمعيات السرية، والعصبيات القومية تنخر في كيان الدولة ، فظهرت الدعوة الى القومية الطورانية، والعربية، والكردية.... وبدأت الثورات تتفجر في البلدان، والحركات الإنفصالية تتكاثر، والدول الأوروبية تدعمها وتسعتد لتقسيم تركة الرجل المريض.
أصبحت الامة تعاني من الآثار التي ترتبت عن ابتعادها عن شرع الله، واصيبت الناحية الاجتماعية، بتفشي الجهل، والمظالم بين الناس، وصراع الأمراء، والولاة على حطام الدنيا الزائل، وأصبحت الأمة في ليل حالك، وظلام دامس.
جمد المسلمون في علوم دينهم فليس لديهم إلا ترديد بعض الكتب الفقهية، والنحوية، والصرفية، ونحوها، وجمدوا على فقه المذاهب، وجل همهم التعمق في الحواشي، وحفظ المتون، دون القدرة على الاجتهاد.
أصبح لكل مذهب من المذاهب الفقهية مفتياً وإماماً، وتعددت الجماعات في المسجد الواحد، كل ينتصر لمذهبه، وكل يصلي خلف إمام مذهبه، وبذلك يقف المسلمون لصلاة الجماعة وراء أكثر من إمام حسب المذاهب المتواجدة في ذلك المسجد.
انتشر التصوف المنحرف في ارجاء البلاد الاسلامية، شرقها، وغربها، عربيها، وعجميها، وضاع مفهوم العبادة الصحيح، ومفهوم الولاء والبراء، وانحرفت الأمة عن كتاب ربها وسنة رسولها صلى الله عليه وسلم.
بدأت الدول الأوروبية تستقطع من العالم الاسلامي بلداناً كلما اتيحت لها الفرصة.
اهتـز العالم الاسلامي لاحتلال الصليبيين لأجزاء من الوطن الاسلامي اهتزازاً عنيفاً، كما تأثر باحتكاكه بالغرب، واطلاعه على تقدمه، من هذا التحدي نبعت حركات الاصلاح.
تتابعت حركات الاصلاح في العالم الاسلامي منذ النصف الثاني للقرن الثامن عشر، بتأثير عوامل عديدة منها؛ إحساس بعض العلماء الربانيين بسوء الأوضاع في العالم الاسلامي واحتلال أجزاء منه.
قامت حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في نجد، وكان الدافع لها إحساس مؤسسها بإنحطاط المسلمين ، وتأخرهم.
تعد حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب البداية الحقيقية لما حدث في العالم الاسلامي من يقظة جاءت بعد سبات طويل، وما تمخض عنها من صحوة مباركة، ورجعة الى الدين.
ظهر الإمام محمد بن علي السنوسي بدعوته الاسلامية بعد وفاة محمد بن عبدالوهاب بعشرات السنين.
ولد الإمام محمد بن علي السنوسي عام 1202هـ صبيحة يوم الاثنين الموافق الثاني عشر من ربيع الأول عند طلوع الفجر، ولذلك سماه والده محمداً تيمناً باسم النبي صلى الله عليه وسلم.
بعد وفاة والده تولت عمته فاطمة تربيته وتنشئته تنشئة صالحة، وكانت من فضيلات أهل زمانها، ومتبحرة في العلوم، ومنقطعة للتدريس والوعظ.
بعد وفاة عمته عام 1209هـ بسبب الطاعون تولى تربيته ابن عمه الشيخ محمد السنوسي الذي تولاه بعد وفاة عمته واتم على ابن عمه حفظ القرآن الكريم برواياته السبع مع علم رسم الخط للمصحف، والضبط، وقرأ عليه الرسالات الآتية، مورد الظمآن ، المصباح، العقيلية، الندى ، الجزري، الهداية المرضية في القراءة المكية، حرز الأماني للشاطبي..
بعد وفاة ابن عمه 1219هـ، جلس للأخذ من علماء مستغانم لمدة سنتين كامليتين، ثم توجهه الى بلدة مازونه ومكث بها عاماً ثم رحل الى مدينة تلمسان وأقام بها مايقارب من السنة وتتلمذ على كبار شيوخها.
كان تفكيره في حال الأمة مبكراً ، واجتهد في البحث عن العلل والأسباب التي أدت الى التدهور والضعف المخيف في كيان الأمة، وذكر أن من أسباب هذا الضياع، فقدان القيادة الراشدة، وغياب العلماء الربانيين، وانعدام الغيرة الدينية، والانشغال بالخلافات التي فرقتهم شيعاً وجماعات....الخ.
رأى ابن السنوسي أن الايمان هو القضية الأولى والأساسية، لهذه الأمة، فإذا تخلف المسلمون عن غيرهم في وسائل الحياة الحرة الكريمة؛ فمرد ذلك الى انحرافهم عن فهم الاسلام فهماً سليماً.
ولا سبيل الى إصلاح حالهم ومآلهم إلا بالايمان على الوجه الذي بينه الله في كتابه، ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنته. وهو أن يكون طاقة دافعة الى العمل، وقوة محركة للبناء، وحافزاً طبيعياً للتفوق.
رأى أهمية العلم في نهوض الأفراد والجماعات والأمم، لأن العلم ظهير الإيمان، وأساس العمل الصالح، ودليل العبادة .
سافر الى فاس ليزداد في طلب العلم وبقي في المغرب الأقصى سبع سنين متتالية، وكانت تجربته في فاس ثرية.
وبعد ذلك ترك المغرب الأقصى وتوجه نحو المشرق، فمر بتونس وليبيا ثم دخل القاهرة وكان ذلك عام 1239هـ/1824م.
كانت زيارته لمصر قد رسخت في نفسه ضعف دولة الخلافة من جهة، وزاد ضعفها بظهور حكومة محمد علي باشا على مسرح الأحداث في مصر وقد وصل الى قناعة مهمة في الاصلاح والنهوض.
لقد خبر ابن السنوسي اوضاع الدولة العثمانية في وطنه الأول الجزائر حيث تسلط الولاة الأتراك وحكمهم الاستبدادي، وعجز الدولة عن منعهم من الظلم ، وجاء الى القاهرة فرأى حكم محمد علي باشا وانفراده بشؤون مصر ، فزاد اقتناعاً بعجز الدولة وضعفها .
دخل ابن السنوسي الحجاز عام 1240هـ/1825م، ونزل مكة وكانت تلك الزيارة لمكة ذات أثر كبير في قيام الدعوة السنوسية وظهور شأنها.
اهتم ابن السنوسي بالقضية الجزائرية، وعمل على اذكاء جذوة الجهاد في نفوس ابناء الجزائر ضد فرنسا، وحرص على المشاركة فيه بنفسه وأعد لذلك العدة إلا أن الظروف، والعوائق التي كانت في طريقه منعته من ذلك، وعمل على امداد تلاميذه بالأسلحة والمال، وحرض اتباعه على القتال، واستمر اتباع السنوسية، والشعب الليبي في دعم حركة الجهاد حتى تم دحر الاحتلال الفرنسي.
إن المفتاح الكبير لقبائل برقة، هو قناعتها بأن ابن السنوسي ولي من أولياء الله الصالحين، ولذلك سمعت لنصائحه، واطاعت أوامره، فأرشدهم الى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
كانت زاوية البيضاء في الجبل الأخضر أول الزوايا التي أسسها ابن السنوسي، وشرع يعلم الناس فيها، ويذكرهم بالله ويرشدهم الى طريق النجاة في الدنيا والآخرة، وبدأت القبائل تتوافد إليه تطلب زيارته لها تبركاً به، وتطلب اقامة الزوايا لها اسوة بالزاوية البيضاء، فكان يتوجه بنفسه الى القبيلة أو المكان المطلوب الزاوية فيه ، وأحياناً ينتدب بعض الاخوان لذلك وهكذا بدأت القبائل تتسابق والزوايا تنتشر.
توفرت في قبائل برقة ظروف ملائمة لظهور الحركات السنوسية بوصفها حركة اسلامية شاملة منها؛ انفصالها عن الاقطار المجاورة بالصحارى والفيافي التي تحيط بها، تتألف تلك القبائل من قبائل عربية بدوية تربطها أنماط حياة اجتماعية متجانسة، ويقوم ذلك النظام على عصبيات دموية مشتركة، وتقاليد وأعراف متشابهة، كانت بعيدة عن سيطرة المدن، كانت القبضة العثمانية عليها ضعيفة...الخ.

للاطلاع على النسخة الأصلية للكتاب راجع الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي، وهذا الرابط:
  alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book180.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022