الخميس

1446-04-14

|

2024-10-17

محمد المهدي السنوسي...من النشأة إلى المبايعة

بقلم: د. علي محمّد الصلابي

الحلقة ١

صفر 1441 ه/ أكتوبر 2019

أولاً: اسمه وولادته وشيوخه
هو محمد المهدي بن محمد بن علي السنوسي، ولد في الجبل الأخضر في ليبية في محل يُقال له: (ماسة)، يقع بجانب زاوية البيضاء، في شهر ذي القعدة عام (1260 هـ)، الموافق نوفمبر (1844 م).
ويذكر أحمد الشريف في تاريخه: «أن ابن السنوسي كان في درنة عند ولادة ابنه المهدي، فكتب له عمران بن بركة يهنئه ويسأله عن الاسم، فلما قدم المبشر عليه حكى لهم حكاية، قال: كان رجل يخرز طبلاً، فمر به جماعة وهو يخرز، قالوا له: ماذا تفعل؟ قال: إذا يبس تسمعون صوته. ثم قال لحميه أحمد بن فرج الله: هذا المولود الذي ازداد على ابنتك يقف موقفاً يجري فيه الدم مجرى الماء في الوادي. وكتب لعمران بتسميته محمد المهدي، وقال: أسميناه المهدي ليحوز إن شاء الله أنواع الهداية، ونرجو الله أن يجعله مهديّاً».
لقد كان مجيء الولد لابن السنوسي بعدما تقدمت به السن، وكان الإخوان لسنوسيون يتمنون من الله أن يرزق شيخهم مولوداً مباركاً، ولذلك كانت فرحة الإخوان وابن السنوسي بهذا المولود عظيمة، وسارع عمران بن بركة لزفِّ البشرى لوالده، لإدخال السرور على قلبه، وبعد مدة أرسل ابن السنوسي إلى زوجته بالقدوم إلى درنة، وسلم ابنه للمرضعة، وكان سرور ابن السنوسي عظيماً، وكان يرى أن ابنه المهدي سيخلفه بالدعوة، ويكمل ما بدأه هو من أعمال، ومكث ابن السنوسي في درنة بجانب أهله إلى أن ولد ابنه الثاني سنة (1262 هـ/1846 م)، وعندما كتب له عمران بن بركة يهنئه ويسأله عن اسم الوليد الثاني، ردَّ له الجواب بتسميته الشريف، قائلاً له: «إننا لا نحيد بأسماء أبنائنا عن أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يختلفون في الألقاب والكنى، فكما سمَّيْتَ الأول محمد المهدي ليحوز أنواع الهداية؛ فسمِّ هذا محمداً الشريف ليحوز أنواع الشرف، ثم شرّق للحجاز».
وأسند أمر تربية أولاده للإخوان، وكان المسؤول الأول الشيخ العلامة عمران بن بركة، وكان يتابع أخبار ولديه في برقة، وعندما أتم المهدي الخامسة من عمره أرسل ابن السنوسي للإخوان الكافلين له قائلاً: أدخلوه الكتّاب، وعلموه الوضوء والصلاة. ففعلوا كما أمر.
وبعد أن أتم السنة السادسة من عمره أدخله المدرسة القرانية تحت إشراف العلامة عمران بن بركة الفيتوري، وفي منتصف السنة السابعة من عمره، حفظ جميع القران الكريم.
وكان علماء الحركة السنوسية يعلمون أولادهم كتاب الله، ويشجعونهم على حفظه مقتدين في فعلهم بفعل الصحابة مع أولادهم، وبأقوال العلماء في هذا الباب.
قال السيوطي: «تعليم الصبيان القران أصل من أصول الإسلام، فينشؤون على الفطرة، ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكن الأهواء منها وسوادها بأكدار المعصية والضلال».وأكَّد ابن خلدون هذا المفهوم بقوله: «تعليم الولدان للقران شعار من شعائر الدين، أخذ به أهالي الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم لما يسبق إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده بسبب ايات القران ومتون الأحاديث، وصار القران أصل التعليم الذي يبنى عليه ما يحصل بعد من الملكات».
وبعد أن سمع والده بحفظ ابنه للقران الكريم طلبه والده للمجيء للحجاز، وصحبه العلامة محمد بن إبراهيم الغماري، وهناك عهد به والده إلى نخبة من العلماء لتربيته وتلقينه العلوم تحت إشرافه المباشر، وفي سنة (1274 هـ) رجع محمد المهدي إلى الجغبوب بصحبة العلامة عبد الرحيم المحبوب، وواصل محمد المهدي تعليمه العالي في معهد الجغبوب، وأشرف على تعليمه والده ابن السنوسي وكبار الإخوان.
وكان ابن السنوسي يتابع بعناية فائقة أقوال وأفعال ابنه، ويوجهه للصفات الرفيعة، والأخلاق الحميدة، وكان محمد المهدي منذ طفولته يتميز بالذكاء، وحسن الخلق، والتربية الرفيعة، ومن القصص التي تدل على صفاته الحميدة: جيء للسيد المهدي في إحدى المناسبات بجواد مسروج ليركبه، وكان محمد المهدي لا يزال صغيراً؛ بحيث إنه لا يستطيع وضع رجله دون وساطة في ركاب السرج، وتقدم أحد الإخوان مطأطئاً ليصعد المهدي على كتفه حتى تصل رجله إلى الركاب، وكان ابن السنوسي يلاحظ هذه الحركات وينظر إليها باهتمام من طرف خفي، ورفض المهدي أن تطأ رجله كتفي الشخص الذي تقدم لمعاونته رفضاً باتاً، وأخذ يقود جواده إلى أن اقترب من حجر عال مثبت بالأرض فعلاه، وبذلك تمكن من أن تصل رجله إلى ركاب السرج، فنال هذا إعجاب واستحسان والده والإخوان الحاضرين.
«وكان والده يكثر من سؤال الإخوان الذين يشرفون على تربيته وتعليمه عما وصل إليه، فكانوا يبدون إعجابهم».
وفي السنتين الأخيرتين من حياة ابن السنوسي اهتم بتوطيد مركز ابنه المهدي بين الإخوان، وألقى الأضواء عليه، وعمل على رفع شأنه.
نقل عن الشيخ عمر الفضيل رحمه الله قوله: جاء السيد المهدي بـ (لوحه) إلى والده ابن السنوسي يريد أن يبدأ له فيه (بالافتتاح)، فلما فرغ من كتابته قال له: «اشهد لنا بأننا خدمناك».
وكان ابن السنوسي يقف احتراماً للمهدي عندما يستأذنه للخروج، وأنه أصلح له حذاءه مرة، وقال للإخوان: اشهدوا أنني خدمت المهدي، فخجل ابنه وتبللت ملابسه بالعرق واحمر وجهه حياء، حتى قيل: إنه أصيب بنوع من الحمى.
وقال في إحدى المناسبات: «المهدي له السيف، والشريف له الكتاب، وثم ألبسه السيف، وقال له: تقدم لتصلي بنا».
وحرص ابن السنوسي أن يزوج ابنه المهدي في حياته، فزوجه وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره بفاطمة بنة عمران بن بركة، وذلك عام (1275 هـ/ 1858 م)، وقد أنجبت للمهدي عدة أولاد، وتوفيت في حياته سنة (1891 م).
ثانياً: مبايعته
عندما توفي ابن السنوسي في صفر عام (1276 هـ) كانت سن محمد المهدي حوالي ست عشرة سنة، ومع هذا فقد خف كبار العلماء والشيوخ في الحركة السنوسية إلى مبايعته، وكان على رأسهم عمران بن بركة، وأحمد الريفي، وعلي بن عبد المولى، ومحمد المدني التلمساني، ومحمد بن حسن البسكري، وعبد المتعال الإدريسي، وأحمد أبو القاسم التواتي، وأبو القاسم العيساوي، وعمر الأشهب، ومحمد بن الشفيع، ومصطفى المحجوب، وعبد الرحيم المحبوب، وعمر الفضيل، ومحمد السكوري، وأحمد أبو سيف، ومحمد بن الصادق الطائفي، وأبو سيف مقرب، ومحمد بن إبراهيم الغماري، وعبد الله السني، والمرتضى فركاش، وحسين الغرياني، وفالح الظاهري، فقدموا لمحمد المهدي وشقيقه محمد الشريف
واجب التعزية، وبايعوا الإمام المهدي قاطعين على أنفسهم عهد الله وميثاقه أن لا يتهاونوا بواجب الأمانة التي تركها شيخهم الجليل لهم، وأنهم مستعدون لتقديم الأنفس والأرواح، في سبيل دعوتهم ودينهم، وكانت تلك البيعة قبل دفن ابن السنوسي رحمه الله تعالى ـ، وقد بين عمران بن بركة في خطبة تأبين ابن السنوسي هذه البيعة في قوله: «... وأن تجعل تأييد الدين وتمامه على لسان ويد نجله الطاهر، وفرعه الزاهر، ووارثه الماهر، سيدي ومولاي السيد محمد المهدي...».

مراجع البحث:
1-علي محمد محمد الصلابي، مِنْ أَعْلَامِ التَّصَوُّفِ السُّنِّيِّ: 6سيرة الزعيم محمد المهدي السنوسي،دار الروضة،اسطنبول،1438ه،2017م ص (12:17)
2- محمد نور، منهج التربية النبوية للطفل، دار ابن كثير، بيرووت، 1438ه،2016م،ص،104.
3- محمد الطيب بن إدريس الأشهب، السنوسي الكبير، مطبعة محمد عاطف. القاهرة ص،136.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022