الجمعة

1446-04-15

|

2024-10-18

قادة الحركة السنوسية زمن الشيخ أحمد الشريف السنوسي؛ مجاهدون رسمت دمائهم صفحات من التاريخ النضالي ضد المستعمر الغاشم

بقلم: الدكتور علي محمّد الصلابي

الحلقة الثالثة

ربيع الأول 1441 ه/ نوفمبر 2019

أولا: المجاهد محمد عبد الله السني
من قيادات الحركة السنوسية التي قادت حركة الجهاد ضد فرنسة في تشاد، ولد بمزدة سنة (1268 هـ)، الموافق (1851 م) من أسرة تنتمي للعباس بن عبد المطلب، جاء جدها الأول من المدينة المنورة، ونزل بواد قرب بلدة سنار بالسودان، فسمي الوادي باسمه (وادي مدني).
انتقل والده إلى مكة؛ حيث درس الفقه وعلوم الدين على يد الشيخ أحمد بن إدريس؛ حيث التقى هناك بالشيخ محمد بن علي السنوسي، والذي عاد برفقته إلى ليبية، واشتركا في تأسيس الزوايا لتعليم القران، وعلوم الدين، حيث شرع الشيخ السنوسي بتكوين زواياه بالجبل الأخضر، وفي المناطق الشرقية من ليبية، وبدأ الشيخ عبد الله السني في تأسيس زواياه في غرب ليبية؛ حيث أسس زوايا في غدامس، ومزدة، والحرابة، ومصراته، وغيرها.
ولما توفي الشيخ عبد الله سنة (1296 هـ)؛ تولى ابنه إدارة الزوايا وتأسيس زوايا أخرى؛ حيث أسس زاوية غريان، والقلعة، والعمامرة، والرحيبات، وكان رجلاً مباركاً سعى إلى إخماد الكثير من الفتن بين القبائل، وفي عام (1313 هـ) عاد أخوه عبد السلام من الكفرة بعد أن أنهى تحصيله العلمي، فترك له أمر الزوايا، وذهب إلى الكفرة لملاقاة الشيخ محمد المهدي السنوسي، الذي تولى أمر الدعوة بعد وفاة والده.وعند وصوله إلى هناك أمره شيخه بالتوجه لنشر الدين الإسلامي، وصد التغلغل التبشيري المسيحي في بلاد السودان (تشاد الحالية والنيجر).
سافر إلى هناك عام (1896 م)، وأسس زاوية قرو، وعدة زوايا أخرى، واستقر بكانم حيث تتواجد القبائل العربية الليبية، أولاد سليمان وغيرها، وأرسل في إحضار جزء من أسرته؛ حيث لحق به ابناه عبد الله، وعبد العال، وبقيت الأسرة في مزدة، واستمر في جهاده في الصحراء أكثر من عشر سنوات، لقد شارك في الجهاد ضد فرنسة، واصطدم بقواتها، وساهم بنفسه وماله في حركة الجهاد في زمن المهدي السنوسي، وأحمد الشريف.
وكانت له أشعار رائعة في مدح الإمام الثاني للحركة السنوسية، ومنها قوله:
هو المرتجى للدين ينصر حزبه فتعضده الأنصار والنصر والنصل
تجر بحوراً من بني العرب ترتمي بأمواج افات هي الضرب والقتل
إذا صففت تحت العقاب جنوده تخال جبالاً فوقها شعل شعل
وإن زحفوا يوم اللقاء حسبتهم سيول خيول برقها يبرق يعلو
كأن مثار النقع في حومة الوغى غيوم بها برق الصوارم ينهل
إمام الهدى نافي الردى قاهر العدا فدونك عجل قد تطاولنا الذل
تجد من بني الإسلام أخلص عصبة جحاجح أبطال متى قلت لا يألو
هم القوم إن قالوا فثق بمقالهم فلا شك عندي أن سيعقبه الفعل
وإن عطفوا بعد الفراغ إلى الحمى رأيت وجوه الحق بالبشر تنهل
– ثم ينتقل بعد هذه الإشادة بالمجاهدين، إلى تقريع الفرنسيين الذين نعتهم بـ (الشياطين)؛ لأنهم ناصبوا الدعوة الإسلامية العداء، وأصلوا أهل البلاد الأُصَلاء ناراً حامية، فنراه يتولاهم بالوعيد والتعنيف؛ حيث يقول:
رويدكم أهل الجحيم فإنه سيبدؤكم منه الذي كان من قبل
فينسي فرنسيساً بتونسه أنسه ويحرز كفَّراً بالجزائر قد حلوا
فتطهر أرض طالما قد تنجَّست فأفعالهم سيل الدماء لها غسل
– وشارك هذا الشيخ الجليل في الجهاد ضد إيطالية، استطاع ابنه المهدي تفجير ثورة (1914 م 1915 م) في فزان ضد إيطالية، واستولى على قلعة القاهرة بـ (سبها).
واستمر ابنا محمد عبد الله السني يقودان الجهاد ضد إيطالية؛ حيث تولى المهدي قيادة الجهاد في فزان، وأحمد قيادته في منطقة الجبل الغربي إلى أن ضعفت المقاومة، وانتقل المجاهدون إلى فزان، وفي أوباري قدم الشيخ محمد بن عبد الله السني إلى الأسرة؛ حيث التقى بها بعد غياب دام ثلاثين سنة، ولكنَّ الإيطاليين طوقوهم في أوباري حوالي عام (1930 م)، وحكم على الشيخ وأبنائه بالإعدام ،ولكن عفواً عاماً شملهم، فوضعوا جميعاً تحت الإقامة الجبرية بمزدة بعد أن صودرت ممتلكاتهم وأحرقت مكتبة مزدة، وفي عام (1932 م) توفي محمد عبد الله السني رحمه الله، ويعتبر هذا العالم والمجاهد الكبير من شعراء الحركة السنوسية، وقد تعرض الأستاذ محمد مسعود جبران لهذا الجانب على قلة ما وصل إليه من شعره وقال: «في الحق إن شعره على قلته استطاع أن يرسم لنا إلى حدٍّ ما شخصيته، ويصور لنا جوانب من أخلاقه ومثله التي كان يؤمن بها، في الاعتزاز بالدين، والذود عن العرين، وفي شوقه وحنينه للمدارج التي تربى بها، والبوادي التي كبر بين أحضانها، ويبين عن العهود التي وثقت صلاته بالعلماء والمجاهدين...».
ومن قصائده التي يصف فيها مقاومته الصحراء ونصبها وعنتها قوله:
يا من لهم همم نأى مقصودها مجرى المطي إلى المرام يذودها
متحيراً من عز مشرقه الذرا عنساً عياهل في رضاك يقودها
ورمى بها الدهناء يرقل مذئباً يطوي بنص اليعملات بعيدها
ويفل بالعزم المجد مجاهلاً بيت القطا أغوارها ونجودها
– إن هذا العلم الشامخ، والبحر الزاخر، والشاعر الموهوب، والداعية المتفاني، والمجاهد الشجاع، كان من القادة التابعين لقيادة الحركة السنوسية، ومن الذين أفنوا حياتهم وجهادهم في هذا الطريق المبارك.
ثانيا: عبد الله فضيل الطوير الزوي:
تولى قيادة الزوايا السنوسية في شمال تشاد، وكان على رأس المجاهدين الذين تصدوا للغزو الاستعماري للمنطقة، وخاض عدة معارك موفقة، وسقط من زملائه
العشرات من المجاهدين، وسقط في معركة العلالي وحدها (5/12/1902 م) مئة شهيد من الليبيين كان من بينهم ستون من قبيلة زوية وحدها، قبيلة عبد الله الطوير، وفي معركة أم العظام شمال تشاد سقط عبد الله شهيداً عليه رحمة الله في عام (1906 م) مع مجموعة من المجاهدين عليهم رحمة الله جميعاً.
ثالثا: البراني الساعدي:
هو من كبار العلماء المتفقهين في الشريعة، من قبيلة زوية، أسس زاوية شرقي السلوم بأرض مصر؛ عرفت باسمه إلى الان (سيدي البراني)، ثم انتقل إلى الجنوب، حيث قاد الجهاد في الصحراء الكبرى، ضد الغزو الفرنسي، ومن كبار قادة المجاهدين في مناطق كانم وشمال تشاد، دخل إلى الصحراء الكبرى من الكفرة في عام (1318 هـ)، واستطاع أن يقود دوراً جهادياً عُرف في المنطقة باسمه (دور البراني)، وألحق بالفرنسيين عدة هزائم منكرة في بئر العلالي، وقد اعترف الفرنسيون له بالبراعة، وإجادة التنظيم، واستطاع أن يصدهم في (عين كلكا) التي تولى تنظيم المجاهدين بها، واستشهد عام (1907 م) في معاركه ضد فرنسة.
رابعا: غيث عبد الجليل سيف النصر:
هو شيخ قبيلة أولاد سليمان الليبية والمتواجدة في منطقة كانم، اصطدم مع الفرنسيين ساعة وصولهم للمنطقة (1899 م)، ونشب بينه وبينهم معارك طاحنة، قاد غيث الجهاد ضد الفرنسيين، وحطم التقدم الفرنسي في بئر العلالي في معركة (22/11/1899 م)، وسحق القوة الزاحفة، كما نشبت معركة أخرى يوم (4 يناير 1900 م) بقيادة غيث ضد الفرنسيين؛ قُتِلَ فيها خليفة حاجي.
يقول سعيد الحنديري: «كما سعى الفرنسيون إلى الوصول مع غيث إلى اتفاق لإنهاء المقاومة في كانم خاصة، وأن الوضع أصبح مشجعاً للفرنسيين بعد مقتل حاجي حليف غيث، لكن الأخير رفض اللقاء بالفرنسيين، وكوّن دوراً من قبائل القذاذفة، وورفلة، والمغاربة، مع بعض القرعان، والتوارق، تقدّرها المصادر الفرنسية بخمسة الاف رجل، لقد استشهد غيث عبد الجليل في معركة بئر العلالي في يوم (9/11/1901 م).
خامسا: محمد بو عقيلة الزوي:
من أفراد قبيلة زوية التي لعبت دوراً مهمَّاً في الحرب الصحراوية ضد القوات الفرنسية، ونظراً لنشاطه وشجاعته، وحسن تدبيره عيَّنه أحمد الشريف قائداً لحصن علالي بدلاً من البراني الساعدي الذي عُيِّن في الشمال.
«لقد كان بو عقيلة ذكياً بارعاً في فنون القيادة، والحرب، فشهد له أعداؤه بذلك، يقول فرندي على سبيل المثال: «كان بو عقيلة جندياً عظيماً قادراً على تدارك المواقف في الوقت المناسب»، لقد قاد هذا القائد قبائل التوارق، أولاد سليمان، والقذاذفة، والمغاربة، وورفلة، وزوية في جهاده ضد فرنسة، واستشهد في معاركه ضد فرنسة في (5/12/1902 م).
سادسا: صالح بو كريم الزوي:
تولى تنظيم حركة الجهاد بشمال تشاد، وكانت معه قبائل المجابرة، وورفلة، وأولاد سليمان، والقرعان، والقذاذفة.وكان أحمد الشريف قد نجح في إقناع سلطان واداي بسحب اعترافه بفرنسة واحتلاله لمنطقة كانم، وباقرمي، وأعلن الجهاد ضد فرنسة في مناطق تيبستي (1903 1909 م)، وساند صالح بو كريم سلطان تيبستي داود ضد قائد الفلاتة ميتونة حليف فرنسة، واستطاعوا الانتصار عليه والقبض عليه وإعدامه بتهمة الخيانة العظمى، ومناصرة العدو الكافر ضد المسلمين، وكان ذلك في معركة ألتكو، وقاد معركة بسكرة ضد الفرنسيين وقد سقط فيها عدة شهداء، وساهم صالح في قيادة معارك [1910 م، 1911 م، 1912 م، 1913 م] ضد الفرنسيين. ولما أعلن أحمد الشريف الجهاد ضد إيطالية ورجوع قوات المجاهدين إلى الشمال؛ كان صالح بو كريم من ضمنهم.
سابعا: كيلاني الأطيوشي المغربي:
هو شيخ قبائل المغاربة، ساهم في تمويل الجهاد ضد فرنسة في المناطق الشمالية من تشاد، وكانت قبيلته من القبائل المتميزة في حركة الجهاد ضد فرنسة، عينه الأتراك قائمقام على الكفرة عند انسحابهم من منطقة الجنوب، وأصبح المشرف الإداري على امتداد الصحراء الكبرى الشرقية، وتمويل حركة الجهاد الليبي فيها، ولقد توفي الكيلاني بالعطش عندما رحل باتجاه إجدابية ليشارك في صد الطليان.
ثامنا: عابدين الكنتي:
هو عابدين بن محمد الكنتي، أحد شيوخ قبيلة كنتة في منطقة تنبكتو، والذي ورث المشيخة عن والده الذي ينحدر من أسرة عربية يصل نسبها إلى عقبة بن نافع الفهري فاتح إفريقية ومؤسس القيروان، وقد تلقى عن الشيخ محمد المهدي الانتساب إلى الطريقة السنوسية، وأصبح مقدم السنوسية في منطقة تنبكتو، وصحراء مالي الشمالية، ولهذا أعلن الجهاد ضد فرنسة في صحراء مالي، وشمال موريتانية، والساقية الحمراء، إلى جنوب المغرب بوادي نون عند أخواله قبيلة (تكنة)، وجنوب الجزائر لدى توارق الهقار الذين يقدرونه لنسبه الشريف، ولعلمه وتضلعه في الدين، واستمر في جهاده ما بين (1892 م إلى 1917 م)، يهاجم القوات الفرنسية في مناطق صحراء مالي، وجنوب الجزائر متحالفاً مع الخليفة ولد محمد، ومتصلاً بالليبيين في جنوب الجزائر وبمركز الحركة السنوسية في الكفرة، واستمر عابدين يقود كتائب الجهاد ضد فرنسة في جنوب المغرب، وشمال موريتانية وجنوب الجزائر، وشمال مالي، وشمال النيجر، لقد قال العقيد الفرنسي كلوب عند مغادرته تنبكتو في عام (1899 م): «الموت وحده الذي سينقذنا من عابدين».
توفي عابدين مجاهداً في جنوب المغرب في أثناء الحرب العالمية الثانية، لقد استمر يجاهد في الصحراء الكبرى قرابة نصف قرن دون أن يهادن، أو يرمي السلاح؛ لقد كان هذا المجاهد من مالي، وينتسب للحركة السنوسية.
هؤلاء من أشهر القادة السنوسيين الذين قادوا حركة الجهاد ضد فرنسة.إن الغزو الإيطالي جعل القيادة السنوسية تنقل ثقلها نحو الشمال، وإن كانت حركة الجهاد ضد فرنسة استمرت بقيادة القادة السنوسيين إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، وفي فترة زعامة أحمد الشريف كان يشرف بنفسه على حركة الجهاد ضد فرنسة، وكان يحث التجار على السفر إلى السودان بتجارتهم سيما الأسلحة، ويقول لهم: إنها من أربح التجارة، وكان يكاتب أعيان برقة ويطلب منهم أن يرسلوا الأسلحة، وفي مكاتبته عام (1328 هـ) طلب منهم أن يبعثوا بألف وخمسمئة بندقية ثمنها من جيبه الخاص، وأرسلها إلى المجاهدين في السودان، وقد وردت عنه هذه الكلمة: «ليس عندي صديق أعز ممن يساعدني بالسلاح»

.
مراجع البحث:

1.علي محمد محمد الصلابي، مِنْ أَعْلَامِ التَّصَوُّفِ السُّنِّيِّ: 7سيرة الزعيم أحمد الشريف السنوسي،دار الروضة،اسطنبول،1438ه،2017م ص(34:26)
2.محمد سعيد القشاط، جهاد الليبيين ضد فرنسا في الصحراء الكبرى 1854-1986،دار الملتقي للطباعة والنشر،1998، ص(239: 242).
3.أحمد الطيب الاشهب، برقة العربية بين الأمس واليوم،دار الهواري:القاهرة،1364ه،1945م، ، ص(245).
4. سعيد عبد الرحمن، العلاقات الليبية التشادية، مركز دراسة جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي، 1983، ص(84:81).


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022