الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

بصمات حضارية وتاريخية تركها الوليد بن عبد الملك:

من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):

الحلقة: 142

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الآخرة 1442 ه/ فبراير 2021

أولا: ديوان المستغلات:

يعتبر عهد الوليد امتداد لأبيه في النظام السياسي والاقتصادي والإداري وغيرها، ويبدو أن ديوان المستغلات ظهر ذكره في عهد الوليد، وكان هذا الديوان ينظر في إدارة أموال الدولة غير المنقولة من أبنية وعمارات وحوانيت، ولأول مرة ترد إشارة ديوان المستغلات في عهد الوليد؛ حيث ذكر أن نفيع بن ذؤيب تقلد للوليد بن عبد الملك ديوان المستغلات، وأن اسمه مكتوب على لوح في سوق السراجين بدمشق . وهذا يدل على: أن الديوان كان قائماً في خلافة الوليد، ولعله أحدث قبل هذا الوقت، وأن وجود اسمه على لوح في سوق دمشق له دلالته على وجود أملاك عائدة إلى الدولة، وأن نفيع كان يشرف على جباية وارداتها .

ثانيا: الوليد والقران الكريم:

أخذ الخلفاء الأمويون والأمراء أنفسهم بتلاوة القران وختمه من وقت لاخر، وقد شب الوليد على حب القران الكريم والإكثار من تلاوته، وحث الناس على حفظه وإجازتهم على ذلك، حدث إبراهيم بن أبي عبلة قال: قال لي الوليد بن عبد الملك يوماً: في كم تختم القران؟ قلت: في كذا وكذا، فقال: أمير المؤمنين على شغله يختمه في ثلاث ـ وقيل: في سبع ـ، قال: وكان يقرأ في شهر رمضان سبع عشرة ختمة، قال إبراهيم: رحم الله الوليد، وأين مثله؟! بنى مسجد دمشق، وكان يعطيني قطع الفضة، فأقسمها على قرّاء بيت المقدس .
وروى الطبري: أن رجلاً من بني مخزوم سأل الوليد قضاء دين عليه. فقال: نعم إن كنت مستحقاً لذلك، قال: يا أمير المؤمنين، وكيف لا أكون مستحقاً لذلك مع قرابتي؟! قال: أقرأت القران؟ قال: لا، قال: ادن مني، فدنا منه، فنزع عمامته بقضيب كان في يده وقرعه قرعات بالقضيب، وقال للرجل: ضم إليك هذا فلا يفارقك حتى يقرأ القران، فقام إليه عثمان بن يزيد بن خالد... فقال: يا أمير المؤمنين إن علي ديناً، فقال: أقرأت القران ؟ قال: نعم، فاستقرأه عشر ايات من الأنفال، وعشر ايات من براءة، فقرأ، فقال: نعم نقضي عنكم، ونصل أرحامكم على هذا . وقال عنه ابن كثير: .. فقد كان صيناً في نفسه، حازماً في رأيه، يقال: إنه لا تعرف له صبوة. ومن جملة محاسنه: ما صح عنه أنه قال: لولا أن الله قص علينا قصة لوط في كتابه ما ظننت أنَّ ذكراً يأتي ذكراً كما تؤتى النِّساءُ .

ثالثا: عروة بن الزبير في ضيافة الوليد:

عروة بن الزبير بن العوام، ابن حواري رسول الله ﷺ، الإمام، عالم المدينة، المدني، الفقيه، أحد الفقهاء السبعة، كان عروة يقرأ القران كل يوم في المصحف نظراً، ويقوم به الليل، فما تركه إلا ليلة قطعت رجله، وقصة ذلك: أن عروة خرج إلى الوليد بن عبد الملك، حتى إذا كان بوادي القُرى، وجد في رجله شيئاً، فظهرت به قرحة، ثم ترقّى به الوجع، وقدم على الوليد وهو في محمل، فقال: يا أبا عبد الله أقطعها، قال: دونك. فدعا له الطبيب وقال: اشرب المُرْقد . فلم يفعل، فقطعها من نصف الساق، فما زاد أن يقول: حسِّ حسِّ، فقال الوليد: ما رأيت شيخاً قط أصبر من هذا.
وأصيب عُرْوة بابنه محمد في ذلك السفر، في اصطبل الوليد، فضربته الدواب بقوائمها فقتلته، فأتى عروةَ رجلٌ يعزيه، فقال: إن كنت تُعزِّيني برجلي فقد احتسبتها، قال: بل أُعَزِّيك بمحمد ابنك، قال: وما له؟ فأخبره، فقال: اللهم أخذت عضواً وتركت أعضاء، وأخذت ابناً وتركت أبناء ، وجاء في رواية: اللهم كان لي بنون سبعة، فأخذت واحداً، وأبقيت لي ستة، وكان لي أطراف أربعة، فأخذت طرفاً، وأبقيت ثلاثة، ولئن ابتليت، لقد عافيت، ولئن أخذت، لقد أبقيت . وجاء في رواية عن ابنه عبد الله: نظر أبي إلى رجله في الطست، فقال: إنَّ الله يعلم أنِّي ما مشيت بك إلى معصية قط وأنا أعلم . ولما قدم المدينة أتاه ابن المنكدر فقال: كيف كنتَ؟ قال: { لَقَدۡ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبٗا ٦٢} [سورة الكهف:62]
وجاء عيسى بن طلحة إلى عروة بن الزبير حين قدم، فقال عروة لبعض بنيه: اكشف لعمك رجلي، ففعل، فقال عيسى: إنا والله يا أبا عبد الله ما أعددناك للصراع، ولا للسباق، ولقد أبقى الله منك لنا ما كُنَّا نحتاج إليه، رأيك وعلمك. فقال: ما عزَّاني أحد مثلك ، قال ابن خلِّكان: كان أحسن من عزّاه إبراهيم بن محمد بن طلحة فقال: والله ما بك حاجة إلى المشي، ولا أربٌ في السَّعي، وقد تقدّمك عضو من أعضائك وابن من أبنائك إلى الجنَّة، والكل تبع للبعض إن شاء الله، وقد أبقى الله لنا منك ما كنَّا إليه فقراء من علمك ورأيك، والله وليُّ ثوابك والضمين بحسابك ، وقد توفي عروة وهو ابن سبع وستين سنة، سنة 93 هـ.

رابعا: الوليد يطلب من الحجّاج أن يكتب له سيرته:

كتب الوليد إلى الحجّاج أن يكتب إليه بسيرته، فكتب إليه: إني أيقظت رأيي، وأنمت هواي، وأدنيت السيد المطاع في قومه، ووليت الحرب الحازم في أمره، وقلدت الخراج الموفر لأمانته، وقسمت لكل خصم من نفسي قسماً يعطيه حظاً من نظري، ولطيف عنايتي، وصرفت السيف إلى النَّطِف المسيء، والثواب إلى المحسن البريء ، فخاف المذنب صولة العقاب، وتمسك المحسن بحظه من الثواب .
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com 

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022