الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

وجوب الإيمان بالرسل الكرام

الحلقة: الثانية

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

شوال 1441 ه/ يونيو 2020

من المسلّمات البدهية في الإسلام ، التي اعتبرت ركناً أساسياً من أركان الإيمان والعقيدة: الإيمان بالنبوة والوحي ، والتصديق برسالات الله وبرسله إلى خلقه ، الذين بعثهم مبشّرين ومنذرين ، لكي لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
فلا يصحُّ إيمان مؤمن ، ولا يدخلُ في دين الله ، ولا يُقْبَلُ في جماعةِ المؤمنين ، ما لم يؤمنْ بكلِّ كتابٍ أُنزل ، وبكلِّ نبيٍّ أُرسل.
وهذا أمرٌ في غايةِ الوضوح في كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، لا يرتاب فيه مسلم ، ولا يتردد فيه عقل ، ولا يتلجلج به لسان.
يقول تعالى مبيناً حقيقة البِرِّ وأركان الإيمان ، ردّاً على اليهود ، الذين أثاروا ضجّة حول تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة. قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرُّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} 177] ، وقال سبحانه: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ *} [البقرة: 285] ، فذكر الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله صراحةً.
وأشار إلى الإيمان باليوم الاخر بقوله تعالى:
{يا ايها الذين آمنوا آمنوا بالله وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا *} [النساء: 136].
وقال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [الحديد: 21].
وقال تعالى: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ *} [ال عمران: 84].
وقال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيْسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ *} [البقرة: 136].
وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ *} [غافر: 78].
وقال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ *} [فاطر: 24].
وقال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ *} [يونس: 47].
وفي السنة حديثُ جبريلَ المشهور ، عندما سأله عن الإيمان قال: «الإيمانُ: أن تؤمنَ باللهِ ، وملائكتهِ ، وكتبِهِ ، ورسلِهِ ، واليومِ الاخرِ ، وتؤمن بالقدرِ».
وإنّما لم يذكر القرانُ الكريمُ الإيمانَ بالقدر ، لأنَّه من جملة الإيمان بالله تعالى ، فهو إيمانٌ بمقتضى الكمال الإلهي ، وأنّه عَلِمَ كلَّ شيءٍ وأرادَه قبل أن يقعَ ، قال تعالى: {وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ *} [الانعام: 59].
المهم أنَّ الإيمان بالرسلِ لا ريبَ فيه ، ولا خلافَ عليه ، ولهذا ورد أنَّ
الناس يوم القيامة يُسألون سؤالين رئيسين: أولهما: ماذا كنتم تعبدون؟ والثاني: بماذا أجبتم المرسلين؟ ويقول تعالى: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَاءَلُونَ *} [القصص: 66].
ولقد ردّ القرانُ الكريم على المكذّبين ، الذين استبعدوا أن يرسلَ الله إليهم رسولاً يبشّرهم وينذرهم ويهديهم إلى صراط مستقيم ، قال عز وجل على لسان نوح عليه السلام: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ *} [الاعراف: 63].
المهم أنّ الإيمانَ برسل الله جميعاً عقيدةٌ إسلاميةٌ أساسيةٌ ، ومن كذَّب رسولاً واحداً من رسل الله حقاً فكأنما كذّب المرسلين جميعاً ، وهذا ما يقرره القران الكريم حينما قال تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ *} [الشعراء: 105]. وهم لم يكذّبوا إلاّ نوحاً ، وكما في قوله تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ *} [الشعراء: 123]. وهم لم يكذبوا إلا هوداً ، وكما في قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ *} [الشعراء: 141]. هم لم يكذبوا إلا صالحاً ، وكذلك قال عن قوم لوط وقوم شعيب ، وإنّما نسبَ إليهم تكذيب المرسلين ، لأنّهم لمّا كذبوا واحداً منهم ، فكأنهم جحدوا مبدأ الرسالة نفسه ، فمن زعم أنّه امنَ بالله تعالى ، وكذّب رسله ، أو واحداً منهم ، ممن ثبتت رسالتُه ، فهو كاذِبٌ في دعوى الإيمان ، إذ الإيمانُ الحق: هو ما جاء على لسان الرسول الصادق المؤيَّد بالايات ، ومن قال: أومنُ بواحدٍ أو بمجموعةٍ ، ولا أومنُ بغيره ممّن هو مثلهم ، أو أعلى منهم ، فهو كاذِبٌ في دعوى إيمانه ، بل القرانُ يقول عن مثله إنَّه الكافر حقاً.
اقرأ معي قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً *أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِيناً *} [النساء: 150 ـ 151].
وهاتان الايتان نزلتا في شأن اليهود والنصارى ، فاليهود امنوا بموسى ، وكفروا بعيسى ومحمد ، والنصارى امنوا بموسى وعيسى ، وكفروا بمحمد ، والمسلمون وحدهم هم الذين امنوا بكلِّ نبي أرسله الله ، وبكلِّ كتاب أنزله الله ، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا *} [النساء: 152].
لقد جاء الرسل كلُّهم بقضية واحدة وكلمة واحدة ، جاؤوا يبيّنون أنه لا إله بحقٍّ في هذا الوجود كله إلا إله واحد ، هو الله سبحانه وتعالى بلا شريك ، جاؤوا يقولون للناس: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ} [هود: 50] {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] .
لقد منح القران الكريم مسألة الإيمان بالأنبياء والرسل أهميةً كبيرة تتناسب مع عظمتها وخطورة شأنها ، إنّ الله تعالى أمرَ العباد بتحقيق العبادة الشاملة لله ، والعبادةُ هي امتثالُ الأمر والنهي ، وهذا يقضي أنَّ لله أوامر ونواهي ، فكيف يتعرّف الإنسان على هذه الأوامر والنواهي؟.
إنّه لا طريقَ للتلقي من الله إلا بواسطة الرسل عليهم الصلاة والسلام ، وعلى هذا ، فإنَّ الذي لا يؤمن بالرسل لا يمكن أن يكون موحّداً لله ، ومن هذا ندرك لماذا اهتمّ القران الكريم بهذه القضية؟ ونلاحظ مظاهر هذا الاهتمام في النماذج التالية:
1 ـ كثرة النصوص القرانية التي جاءت مفصّلة ومبيِّنةً ومؤكِّدةً لهذه القضية ، ويكفي أن نعلم أنّ كلمة (الرسول) وحدَها تكررت في القران الكريم نحو (363) مرة ، وكلمة (النبي) نحو (75) مرة.
وأمّا الحديث عنهم عليهم الصلاة والسلام وما جرى لهم فهذا أخذَ حيّزاً كبيراً من القران الكريم.
2 ـ اقتران الإيمان بهم بالإيمان بالله ، في مواضعَ كثيرة من القران الكريم ، سواء أكان هذا في النبوّة العامة أم الخاصة.
أ ـ فأما في النبوة العامة ، فمثلاً قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}[البقرة: 177].
ب ـ وأما في النبوة الخاصة ، قوله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ} [الاعراف: 158] وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النور :62].
3 ـ التحذير من تكذيبهم ، وتخويف المكذبين بما لاقى أسلافهم ، ويكفي أن تمرَّ على هذه الايات: قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لأََظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا *قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاَءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأََظُنُّك يافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا *فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا *} [الإسراء :101 ـ 103].
يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب :
الإيمان بالرسل والرسالات
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book94(1).pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022