موجز تاريخ الرسل الكرام
الحلقة: الثالثة
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
شوال 1441 ه/ يونيو 2020
تاريخُ الأنبياء الكرام تاريخُ العظمة والجلالِ ، وحياتُهم حياةُ الكفاح والنضال والجهاد ضد أعداء الحق وأعداء الله وأعداء الإنسانية في كلِّ زمان ومكان ، وليس الغرض من ذكر القصص في القران التسليةَ أو الترفيه عن النفس ، وإنّما الغرضُ العظةُ والعبرةُ ، وهذا ما أشارت إليه الاية الكريمة: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُِوْلِي الأَلْبَابِ} [يوسف: 111].
كما أشارت الاية الأخرى إلى ضرورة الاستفادة من قصص القران بالتفكر والتدبر ، والسير على منهاج الأنبياء والمرسلين: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ *} [الاعراف :176]. وخاصة بالنسبة إلى مقام الدعاة ، فإنَّ الغرضَ من ذكر قصص الأنبياء لهم تثبيتُهم على الدعوة ، وتقويةُ عزائمهم بإطلاعهم على سيرة الأنبياء الأطهار ، وما تحمّلوه من أذى في سبيل الله ، كما قال تعالى لسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم: {وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ *} [هود:120].
1 ـ من أغراض قصص الأنبياء في القران الكريم:
للقران الكريم في ذكر قصص الأنبياء أغراضٌ عديدةٌ وجليلةٌ:
أ ـ إثبات الوحي والرسالة: بيّن القران الكريم أنّ هذا القصص إنما هو بوحي الله ، فمحمد صلى الله عليه وسلم أمي لا يكتب ولا يقرأ: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ *} [العنكبوت: 48].
ولم ينقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أنه كان يجلس إلى أحبار واليهود ، أو رهبان النصارى ، فمن أين جاء بهذا القصص الرائع عن الأنبياء قبله ، وعن الأمم والخلائق ، وما وقع لهم ، وما حلّ بهم ، وبعض القصص جاء في دقة وإسهاب ، كقصص إبراهيم ، ويوسف ، وموسى وعيسى عليهم السلام.
إنّ مجيءَ القصص بهذه الدقة المتناهية ، وورودها في القران بهذا البيان المحكم ، أعظمُ دليل على أنه وحيٌ من عند الحكيم الخبير ، وقد أشار كثيرٌ من الايات القرانية إلى هذا الغرض إشارةً واضحةً جليّةً في مقدّماتِ بعض القصص أو في أواخرها ، مثل قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} {هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ *} [يوسف: 3] وقال تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ*}[هود: 49].
ب ـ تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته: ببيان أنّ النصرَ في النهاية للرسل الكرام ، وأن الهلاكَ والدمارَ للأمم المكذبين ، وفي ذلك يقول تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ *} [الأنعام:34] ويقول سبحانه أيضاً داعياً رسوله صلى الله عليه وسلم إلى تدبّر ذلك الجزاء العادل ، الذي أخذ به القوم المجرمين: {الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ *} [العنكبوت: 39 ـ 40].
ج ـ دفع الناس إلى الإيمان بخاتمة الرسالات: لقد أكثر القران العظيم من ذكر دعوات الأنبياء السابقين ، وموقف الناس منها طائعين وعصاة ، وعاقبة كل منهم ، وذلك بقصد خلق تأثيرٍ نفسي لدى المطّلع على ذلك ، يجعله يؤمن بالدعوة المعروضة عليه ، لأنَّ المسألة من خلال ما سمع أو قرأ قد وَضُحَتْ وبانت ، فمن امن نجا ، ومن كفر هلك ، قال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلاَ تَعْقِلُونَ *} [يوسف: 109].
د ـ إظهار الترابط الوثيق بين الرسالات السماوية: فكلُّ نبي إنّما يأتي برسالة متممة ومكملة لرسالة النبي الذي سبقه ، ويدعو إلى الإيمان برسالته ، وقد أخذ الله سبحانه وتعالى العهدَ والميثاقَ على جميع الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ويتبعوه ، ويكونوا من أنصاره إن أدركوا حياته وعهده، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ *} [ال عمران: 81].
2 ـ الرسل والأنبياء الذين ورد ذكرهم في القران الكريم:
وهم خمسة وعشرون رسولاً ، أولهم ادم عليه السلام ، واخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد جمع هؤلاء الرسل في ايات كريمة من سورة الأنعام ، ذكر منهم فيها ثمانية عشر ، والسبعة الباقون ذكروا في اياتٍ متفرّقةٍ من كتاب الله تعالى ، أما الاية الكريمة فهي قوله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ *وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ *وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ *} [الانعام :83 ـ 86].
وقد جمع بقية الرسل في الايات الكريمة التالية: قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا *} [مريم :56] وقال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [هود :50] وقال تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [هود:61] وقال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ} {أَخَاهُمْ شُعَيْبًا}[هود: 84] وقال جل وعلا: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ *}[الأنبياء: 85] وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ *}[ال عمران: 33] وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ}[الفتح: 29].
وهؤلاء من ذكرهم الله في القران الكريم ، وهناك من لم يذكرهم ، ولا نعرف عددهم ، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر: 78].
وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدة الأنبياء والمرسلين ، فعن أبي ذر ، قال: قلتُ يا رسول الله ، كم المرسلون؟ قال: «ثلاثمئة وبضعة عشرَ جماً غفير» وفي رواية أبي أمامة ، قال أبو ذر قلت: يا رسول الله ، كم وفاء عدّةِ الأنبياء؟ قال: «مئة ألفٍ وأربعةٌ وعشرونَ ألفاً ، الرسل من ذلك ثلاثمئةٍ وخمسةَ عشرَ جماً غفيراً».
يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب :
الإيمان بالرسل والرسالات
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book94(1).pdf