(محمد البشير الإبراهيمي: اسمه ونسبه ومولده وأسرته)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 189
بقلم: د.علي محمد الصلابي
صفر 1443 ه/ أكتوبر 2021
هو محمد البشير الإبراهيمي، ولد يوم الخميس عند طلوع الشمس في الرابع عشر من شهر شوال سنة ست وثلاثمائة وألف، الموافق الثالث عشر من يونيو سنة 1889م.
وينتمي إلى قبيلة تعرف بأولاد إبراهيم بن يحيى بن مساهل، ويرفع نسبها إلى إدريس بن عبد الله الجد الأول للأشراف الأدارسة ـ وإدريس هذا يعرف بإدريس الأكبر ـ وهو الذي خلص إلى المغرب الأقصى بعد (وقعة فخ) بين العلويين والعباسيين، وإليه ترجع أنساب الأشراف الحسنيين في المغربين الأقصى والأوسط، وهذا النسب للإبراهيمي مستفيض بين سكان الأطلس أوراس وسفوحه الجنوبية إلى الصحراء، والشمالية إلى التلول، ولأجداد الإبراهيمي كتابات متناقلة عن هذا النسب.
موطنه الذي تقلب فيه أجداده في تاريخ ضارب في القدم وهو السلاسل الغربية المتفرعة من جبل أوراس، وهي قمم تفصل بينها مسالك أودية وطرق هابطة من التلول إلى الصحراء، وموقعها الغرب المائل للجنوب لمدينة قسنطينة عاصمة المقاطعة الشرقية للقطر الجزائري.
2 ـ أسرته واهتمامها بالعلم:
ويعتبر بيت الإبراهيمي من البيوتات التي حفظت رسم العلم وتوارثته قروناً من لدن خمول بجاية وسقوطها في القرن التاسع الهجري. لقد كانت بجاية دار الهجرة للعلم، وخصوصاً للأقاليم المتاخمة لها، وقد خرج من عمود نسبه بالذات في هذه القرون الخمسة علماء في العلوم العربية، ونشروها بهمة واجتهاد في الأقاليم المجاورة لإقليمه، ومنهم من هاجر إلى القاهرة في سبيل الاستزادة من العلم والتوسع فيه ـ على صعوبة الهجرة إذ ذاك ـ ومن اثار الاتصال بالقاهرة أنه بعد رجوعهم سموا أبناءهم بأسماء كبار مشائخ الأزهر، وأدرك الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في فروع بيته من تسمى بالأمير، والصاوي، والخرشي، والسنهوري.
3 ـ بدايته العلمية وأثر عمِّه فيه:
نشأ الإبراهيمي في بيت والده كما ينشأ أبناء بيوت العلم، وبدأ في التعلم وحفظ القران الكريم في الثالثة من عمره على التقليد المتبع في بيته الشائع في بلاده، وكان الذي يعلمه الكتابة ويلقنه حفظ القران جماعة من أقاربه من حفاظ القران، ويشرف عليه إشرافاً عالياً عالم البيت، بل الوطن كله في ذلك الزمان، عمُّه شقيق والده الأصغر الشيخ محمد المكي الإبراهيمي ـ رحمه الله ـ، وكان حامل لواء الفنون العربية غير مدافع من نحوها وصرفها واشتقاقها ولغتها، أخذ كل ذلك على البقية الصالحة من علماء هذه الفنون بإقليميه، منهم:
ـ الشيخ ربيع قري اليعلاوي.
ـ العلامة الشيخ محمد أبو القاسم البوجليلي.
ـ العلامة الشيخ محمد أبو جمعة القُلِّي، خاتمة المتبحرين في العربية والفقه.
ـ ولم يكن هؤلاء العلماء رحلوا إلى الأمصار الكبرى ذات الجامعات العلمية التاريخية، كفاس وتونس والقاهرة، وإنما كانوا يتوارثون العلوم الإسلامية طبقة عن طبقة إلى الأجيال المتخرجة من مدن العلم الموجودة بالوطن كبجاية وقلعة بني حماد، وكلتاهما قريبة من مواطن الإبراهيمي، وكلتاهما كانت مناراً للعلم ومهجراً لطلابه ومطلعاً لشموسه إلى الفترة التي تبدأ من دخول الأتراك للجزائر. وكان أئمة العلم لا يعتمدون في تخرجهم على الشهادات الرسمية، وإنما كانوا يعتمدون على الإجازات من مشايخهم الذين يأخذون عنهم.
ولما بلغ سبع سنين استلمه عمُّه من معلِّمي القران، وتولى تربيته وتعليمه بنفسه، فكان لا يفارقه لحظة، حتى في ساعات النوم، فكان عمُّه هو الذي يأمره بالنوم وهو يوقظه منه، على نظام مضطرد في النوم، والأكل والدراسة. وكان لا يخليه من تلقين حتى حين يخرجه ـ فيأخذه معه ـ ويماشيه للفسحة، فحفظ متون العلم المهمة في ذلك السن مع استمراره في حفظ القران، فما بلغ تسع سنين من عمره حتى كان يحفظ القران، مع فهم مفرداته وغريبه، وكان يحفظ معه:
ـ ألفية ابن مالك ومعظم الكافية له.
ـ وألفيتي الحافظ العراقي في السير والأثر.
ـ وحفظ جمع الجوامع في الأصول.
ـ وتلخيص المفتاح للقاضي القزويني.
ـ ورقم الحلل في نظم الدول لابن الخطيب.
ـ وحفظ الكثير من شعر أبي عبد الله بن خميس التلمساني شاعر المغرب والأندلس في المائة السابعة.
ـ وحفظ معظم رسائل بلغاء الأندلس، مثل ابن شهيد وابن برت وابن أبي الخصال وأبي المطرف بن أبي العميرة وابن الخطيب.
ثم لقنه عمه دواوين فحول المشارقة، ورسائل بلغائهم، وحفظ صدراً من شعر المتنبي، ثم استوعبه بعد رحلته إلى المشرق، وحفظ صدراً من شعر الطائيين، وديوان الحماسة، وكثيراً من رسائل سهل بن هارون وبديع الزمان.
وفي هذه الفترة حفظ بإرشاد عمه كل من:
ـ كتاب كفاية المتحفظ للأجدابي الطرابلسي.
ـ وكتاب الألفاظ الكتابية للهمداني.
ـ وكتاب الفصيح لثعلب.
ـ وكتاب إصلاح المنطق ليعقوب ابن السكيت.
وهذه الكتب الأربعة هي التي كان لها معظم الأثر في ملكته اللغوية.
ولم يزل عمه ـ رحمه الله ـ يتدرج به من كتابٍ إلى كتاب، تلقيناً وحفظاً ومدارسة للمتون والكتب التي حفظها حتى بلغ الحادية عشرة، فبدأ له في درس ألفية ابن مالك دراسة بحث وتدقيق، وكان قبلها ـ درّسه ـ كتب ابن هشام الصغيرة قراءة تفهم وبحث، وكان يقرئه مع جماعة الطلاب المنقطعين عنده لطلب العلم على العادة الجارية في الجزائر إذ ذاك، ويقرئه وحده، ويقرئه وهو يماشيه في المزارع، وعلى ضوء الشمع، وعلى قنديل الزيت وفي الظلمة، حتى يغلبه النوم، ولم يكن شيء من ذلك يرهقه لأن الله تعالى وهبه حافظة خارقة للعادة، وقريحة نيرة، وذهناً صيوداً للمعاني، ولو كانت بعيدة. ولما بلغ أربع عشرة سنة مرض عمه مرض الموت، فكان لا يخليه من تلقين وإفادة، وهو على فراش الموت، بحيث ختم الفصول الأخيرة من ألفية ابن مالك وهو على تلك الحالة.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com