الخميس

1446-07-09

|

2025-1-9

معايشة أمير المؤمنين علي للقرآن الكريم

الحلقة الخامسة

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الأولى 1441 ه/ يناير 2020 م

خامساً: الأصول والأسس التي سار عليها أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في استنباط الأحكام من القرآن الكريم وفهم معانيه:
كان أمير المؤمنين علي رضي الله عنه على مبلغ كبير من العلم بالقرآن وعلومه ، وقد جعله هذا العلم بالقرآن الكريم أن يعتقد أن القرآن فيه جميع الأحكام الشرعية؛ إما صراحة أو ضمناً ، فكان يقول بصدد ذلك: إن الله لم يك نسياً . ولذلك كان كثيراً ما يحتج بالقرآن ويتلو الآية التي يستند إليها لبيان الحكم الشرعي، وكانت طريقته في الاستنباط كالآتي:
1- الالتزام بظاهر القرآن الكريم:
كان أمير المؤمنين علي رضي الله عنه يلتزم أحياناً بظاهر القرآن الكريم حين لا يرى قرينة تقتضي صرفه عن ظاهره ، فإنه كان يتوضأ لكل صلاة ويقرأ هذه الآية : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ﴾ [المائدة: 6] ، لأن ظاهرها يدل على الوضوء عند إرادة الصلاة كل مرة.
وأوجب الصوم على المقيم إذا أدركه الصوم ثم سافر ، فقال: من أدركه الصوم وهو مقيم ثم سافر بعدُ لزمه الصوم؛ لأن الله تعالى قال: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185].
ورأى عدم تحريم إرضاع الكبير؛ لأنه ليس ضمن حولي الرضاعة استناداً إلى ظاهر آية الرضاعة ، حيث روي عنه أنه قال: في قوله تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ [البقرة: 233]: الرضاعة سنتان؛ فما كان من رضاع في الحولين حرم ، وما كان بعد الحولين فلا يحرم.
وحمل ظاهر القرآن الكريم على ظاهره في مكان آخر؛ حيث حكم ببراءة امرأة اتهمت بالزنى؛ لأنها ولدت بعد ستة أشهر من زواجها ، فجمع بين قوله تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾ ، وقوله تعالى: ﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا ﴾ فقال: الحمل ستة أشهر ، والفصل أربعة وعشرون شهراً ، أي: أنه طرح مدة الرضاعة وهي السنتان من مجموع مدة الرضاعة والحمل وهي ثلاثون شهراً فبقيت ستة أشهر ، فجمع بين ظاهر كلا الآيتين وحكم بهما.
2- حمل المجمل على المفسر:
المجمل: هو ما خفي مراده بحيث لا يدرك إلا ببيان يُرجى. والمفسر: هو ما ظهر المراد منه دون الحاجة إلى بيان. وقد حمل علي مجمل القرآن في قوله تعالى: ﴿ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ﴾ [المائدة: 95] على مفسره في مواضع أخرى ، حيث ورد أنه سأل رجل علياً عن الهدي مما هو؟ فقال: من الثمانية أزواج. فكأنّ الرجل شك ، فقال له علي: أتقرأ القرآن؟ قال: نعم ، قال: فهل سمعت الله يقول: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ ﴾ . قال: نعم، قال: فهل سمعته يقول: ﴿ لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ ﴾. قال: نعم. ، قال: فهل سمعته يقول: ﴿ وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ﴾ [الأنعام: 142]. قال: نعم ، قال: فهل سمعت الله يقول: ﴿ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ... وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ ﴾ [الأنعام: 143 - 144]. قال: نعم ، قال: فهل سمعت الله يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ﴾ [المائدة: 95]. فقال الرجل: نعم ، قال: فقتلت ظبياً فماذا عليَّ؟ قال: هدياً بالغ الكعبة.
3- حمل المطلق على المقيد في القرآن الكريم:
المطلق: هو ما دل على الماهية بلا قيد . والمقيد: هو ما قيد لفظاً بأي قيد. ولقد حمل أمير المؤمنين عليّ مطلق القرآن على مقيده في استنباط الحكم ، إذ حمل مطلق الأمر بالقطع في آية السرقة على مقيده في آية المحاربة بعدم القطع إلا مرتين ، وعدم قطع أكثر من يد ورجل عند تكرار السرقة ، فإذا سرق مرة قطعت يده اليمنى ، وإذا سرق قطعت رجله اليسرى عند علي ، فإن زاد وسرق مرة ثالثة ورابعة لم يزد على ذلك ، ويعزره بدل القطع؛ لأنه حمل قوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيدِيَهُمَا ﴾ [المائدة: 38]. على آية المحاربة ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ ﴾ [المائدة: 33]. وقال: إن الله لم يزد على قطع يد ورجل في آية المحاربة ، ولذلك كان يعاقب مثل هذا بالسجن. فعن الشعبي قال: كان علي لا يقطع إلا اليد والرجل، وإن سرق بعد ذلك سجن ونكل، وإنه كان يقول: إني لأستحيي من الله أن لا أدع له يداً يأكل بها ويستنجي.
4- العلم بالناسخ والمنسوخ:
النسخ: هو رفع الحكم الشرعي بخطاب متأخّر عنه. ويقول الزركشي: قال الأئمة: ولا يجوز لأحد أن يفسر كتاب الله إلا بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ، وعلى هذا المعنى يؤكد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وذلك عندما عاتب قاصّاً بقوله: أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا ، قال: هلكت وأهلكت.

5- النظر في لغة العرب:
ومن منهج أمير المؤمنين علي في فهم القرآن الكريم النظر في لغة العرب ، كما فهم من قوله تعالى: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ ﴾ [البقرة: 228] ، أن المراد بالأقراء الحيض ، فلا تنقضي العدة حتى تطهر من الحيضة الثالثة، لذا قال علي رضي الله عنه عن المطلقة: لا تحلُّ لزوجها الرجعة عليها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة. والقُرُوءُ في كلام العرب: جمع قَرْء ، وهو الحيض ، والقَرْء أيضاً: الطهر ، وأقرأت المرأة: حاضت ، وأقرأت: طهرت.
ومن ذلك فهمه رضي الله عنه من قوله تعالى: اللمس: هو ﴿ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾، فقد قال: اللمس هو الجماع ، ولكن الله كنى عنه، وحمل المس في قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً ﴾ [البقرة: 237]. على الخلوة ، فقال: المراد بالمس هنا الخلوة، فأوجب الصداق كله بالخلوة، وقد قال: إذا أرخى ستراً على امرأته ، وأغلق باباً وجب الصداق والعدة.
6- فهم النص بنص آخر:
ومن ذلك ما فهمه أمير المؤمنين علي رضي الله عنه من قوله: ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾ [النساء: 141]. أن ذلك يكون يوم القيامة ، اعتماداً على قوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [النساء: 141]. وذلك لما جاءه رجل يسأله: كيف هذه الآية ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾ ؟ فقال علي رضي الله عنه: ادنه ، ادنه ، ﴿ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾.
ومنه ما فهمه من قوله تعالى: ﴿ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ﴾ [الطور: 5] ؛ بأنه السماء، لما رواه ابن جرير وذكره ابن كثير عن علي: يعني: ﴿ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ﴾ ، قال سفيان: ثم تلا... ﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 32].
ومن ذلك أيضاً ما فهمه من قوله تعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238]: أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر ، معتمداً في ذلك على نص من حديث رسول الله ﷺ يوم الأحزاب: «شغلونا عن الصلاة الوسطى؛ صلاة العصر ، ملأ الله بيوتهم، وقبورهم ناراً».
ومن هذا الباب أيضاً ما ورد في فهمه لقوله تعالى: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا ﴾ [النساء: 31]. فعن سهل بن أبي خيثمة عن أبيه قال: إني لفي هذا المسجد ـ مسجد الكوفة ـ وعلي رضي الله عنه يخطب الناس على المنبر يقول: يا أيها الناس ، الكبائر سبع. فأصاخ الناس، فأعادها ثلاث مرات ثم قال: لم لا تسألوني عنها؟ قالوا: يا أمير المؤمنين ! ما هي؟ قال: الإشراك بالله ، وقتل النفس التي حرم الله ، وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والفرار يوم الزحف ، والتعرب بعد الهجرة. وهذا الفهم مبني على حديث رسول الله ﷺ الذي قال فيه: «اجتنبوا السبع الموبقات». قالوا: يا رسول الله ! وما هن؟ قال: الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات». وهذا يدخل ضمن منهج أمير المؤمنين علي في تفسير القرآن الكريم بالسنة.
7- السؤال عن مشكلة:
ومن منهج أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في فهم القران الكريم سؤاله عما أشكل عليه فيه ، ومن ذلك سؤاله لرسول الله ﷺ عن يوم الحج الأكبر في قوله تعالى: ﴿ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ ﴾ [التوبة: 3]. فقد قال: سألت النبي ﷺ عن يوم الحج الأكبر ، فقال: «يوم النحر» ، وبيَّن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه هذا المنهج فيما يرويه عن رسول الله ﷺ ، قال: قلت: يا رسول الله ، إن نزل بنا أمر ليس فيه بيان أمر ونهي ، فما تأمرنا، قال: «شاوروا الفقهاء والعابدين ، ولا تمضوا فيه خاصة».
8- العلم بمناسبة الآيات:
إن العلم بالمناسبة التي نزلت فيها الآيات ، والسبب الداعي لذلك ، يفيد في إدراك معنى الآية ، واستنباط الحكم منها؛ لأن بيان النزول طريق قوي في فهم معاني الكتاب العزيز، ولقد بلغ أمير المؤمنين علي رضي الله عنه مبلغاً في العلم بأسباب نزول الآيات ، كما يقول عن نفسه حاثاً على سؤاله عن كتاب الله: سلوني ، وسلوني ، وسلوني عن كتاب الله تعالى ، فوالله ، ما من آية إلا وأنا أعلم أنزلت بليل أو نهار. وفي رواية: والله ما أنزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت ، وأين نزلت.
9- تخصيص العام:
العام: هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بوضع واحد دفعة واحدة من غير حصر. وقاعدة العموم: كل لفظ عام باق على عمومه حتى يرد التخصيص، وقد يرد من الشارع ما يدل على قصر العام على بعض أفراده وهذا هو تخصيص العام.
وقد ورد عن علي رضي الله عنه ما يفيد قوله بتخصيص العموم ، فقد سئل رضي الله عنه: عن رجل له أمتان أختان وطأ إحداهما ، ثم أراد أن يطأ الأخرى ، قال: لا.. حتى يخرجهما من ملكه، وعن ابن الكواء: سأل علياً: عن الجمع بين الأختين ، فقال: حرمتهما آية ، وأحلتهما آية أخرى ، ولست أفعل أنا ولا أهلي. وقصد أمير المؤمنين علي بالآية التي حرمتهما هي قوله تعالى: ﴿ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ ﴾ [النساء: 23] وبالتي أحلتهما هي قوله تعالى: ﴿ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾ [المؤمنون: 6] فهاتان الآيتان بينهما عموم وخصوص، إذ خصص عموم التمتع بملك اليمين بخصوص عدم جواز الجمع بين الأختين.
ومنها أنه حكم في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها: بأن تعتد أبعد الأجلين ، فقال: عدتها أبعد الأجلين، أي: أنه خص عموم الآيتين: ﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ﴾ [البقرة: 234]. و ﴿ وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 4]؛ فالحامل المتوفى عنها زوجها إذا وضعت حملها قبل الأربعة أشهر وعشرة أيام؛ فإنها تكمل المدة ولا تعمل بعموم الآية الثانية؛ لأنها تخصصها الأولى ، وإن أكملت المدة فلا تنقض عدتها إلا بوضع الحمل؛ لأن عموم الآية الأولى مخصص بالثانية ، فكلّ من الآيتين عام في وجه وخاص في وجه آخر ، تخصص إحداهما الأخرى عند علي ، ولعله عمل بالاحتياط جمعاً بين الآيتين ، ولكن الراجح: أن عدتها وضع الحمل في كلتا الحالتين؛ فقد صح عن عبد الله بن عتبة: أن سبيعة بنت الحارث أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة ، وكان ممن شهد بدراً ، فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل ، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته ، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب ، فدخل عليها أبو السنابل ، فقال لها: مالي أراك متجمِّلة؟ لعلك ترجين النكاح؟ إنك والله ما أنت بناكح حتى تمرَّ عليك أربعة أشهر وعشر. قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت عليَّ ثيابي حين أمسيت ، فأتيت رسول الله ﷺ ، فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي ، وأمرني بالتزوج إن بدا لي.
ولعل علياً قال بذلك لعدم بلوغه حديث سبيعة ، وإلا فلا يخالف علي الصحيح الثابت عن النبي ﷺ .
10- معرفة عادات العرب ومن حولهم:
ولمعرفة طبيعة وعادات العرب ومن حولهم من اليهود والنصارى وقت نزول القرآن دور كبير في فهم القرآن الكريم ، وعلي رضي الله عنه عاش في ذلك الزمان ، وعرف الكثير من العادات التي نهى عنها القرآن ، أو تلك التي أقرها.
ومن أمثلة هذا الفهم ما رواه ابن أبي حاتم: لما نافر ابن وائل أبا الفرزدق ، فعقر كل واحد منهما مئة من الإبل ، فخرج عليٌّ على بغلة رسول الله ﷺ البيضاء وهو ينادي: يا أيها الناس لا تأكلوا من لحومها ، فإنها أُهِلَّ بها لغير الله ، فعلي رضي الله عنه عرف من عادات العرب في وقته أن مثل هذه المنافرة ليست لله وإنما هي للشيطان ، فلذلك نهى عنها مستدلاً بقوله تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾ [المائدة: 3].
11- قوة الفهم وسِعَة الإدراك:
وقوة الفهم وسِعَة الإدراك من المزايا التي امتاز واشتهر بها علي رضي الله عنه، والأمثلة التي تدلُّ على هذا كثيرة جداً؛ نذكر منها ما رواه ابن جرير قال: نادى رجل من الخوارج علياً رضي الله عنه وهو في صلاة الفجر ، فقال: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65] ، فأجابه علي رضي الله عنه وهو في الصلاة: ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ ﴾ [الروم: 60].
هذه بعض الأصول والأسس التي سار عليها أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في استنباط الأحكام من القرآن الكريم وفهم معانيه ، وهي ترشد محبيه وأبناء المسلمين المخلصين في كيفية التعامل مع كتاب الله سبحانه وتعالى.

يمكن النظر في كتاب أسمى المطالب في سيرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه شخصيته وعصره
على الموقع الرسمي للدكتور علي محمّد الصّلابيّ
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book161C.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022