(القانون والسلطة القضائية)
من كتاب الدولة الحديثة المسلمة دعائمها ووظائفها:
الحلقة: الحادية والثلاثون
بقلم الدكتور: علي محمد الصلابي
صفر 1443 ه/ سبتمبر 2021
كانت دولة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحكمها قوانين وتشريعات مستمده من كتاب الله وتعاليمه صلى الله عليه وسلم وطبيعة القانون الإسلامي أنه ليس هناك شعبة من شعب الحياة إلا للشريعة حكم تأخذ فيها بيدنا وتضمن لنا فيها الهداية والتوجيه وتواكب التغير والرقي والنماء إلى أبد الدهر وتلبي القوانين المستمدة من الشريعة الحاجات والمطالب المدنية المتصاعدة في كل عصر وفي كل مصر.
ومن القوانين ما هي قطعية لا يقبل التغيير منها:
ــ الأحكام الصريحة القطعية الواردة في القرآن والحديث الثابتة كحرمة الخمر، والربا، والميسر وحدود السرقة والزنا والقذف وأنصبة الوراثة من تركة الميت.
ــ القواعد العامة الواردة في القرآن والأحاديث الثابتة كحرمة كل مسكر، وحرمة كل بيع لا يتم فيه تبادل المنفعة بين الجانبين على تراضٍ منهما، وقوامية الرجال على النساء.
ــ الأحكام المقررة في القرآن والسنة لنجد بها حريتنا في الأعمال ولا نتجاوزها، كحد أربع نساء لتعدد الزوجات، وحد ثلاث مرات للطلاق، وحد ثلث المال للوصية.
فهذا الجزء القطعي غير القابل للتغيير هي من أجزاء قانون الإسلام، وهو الذي يعين في حقيقة الأمر حدود مدنية الإسلام وصورتها الممتازة المخصوصة ومن المحال أن يشار إلى مدينة الإسلام وصورتها الممتازة المخصوصة ومن المحال أن يشار إلى مدنية في الدنيا تستطيع البقاء والمحافظة على ذاتيتها ومقوماتها واستقلالها بدون أن يكون فيها عنصر لا يقبل التزحزح والتغيير وكل مدنية ليس فيها عنصر كهذا وكل شيء فيها قابل للنسخ والتغيير والتعديل، فما هي بمدنية مستقلة أصلاً وإنما هي مادة مذابة يمكن في كل وقت أن تفرغ في كل قالب وتشكل بشكله( ).
ولي دراسة مستقبيلة بإذن الله تعالى موسعة عن دولة القانون في الإسلام وفق مشروع فكري نهضوي، يتحدث عن الدستور والمواطنة، والمساواة والحريات، وحقوق الإنسان ...الخ
إن غاية التشريع الإسلامي هي إسعاد الناس وإصلاحهم وتيسير أمرهم في رفع الحرج عنهم.
ــ قال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا * يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾ (النساء، آية: 26 ـ 28).
إذن فإصلاح دنيا الناس أساس وتطبيق أحكام الحدود والقصاص وغيره والإجراءات الوقائية إنما هو محافظة على ذلك الإصلاح، حتى لا يعكر صفوه بفتنة محارب عدواني أو شهواني زانٍ، أو لص سارق، وملحد مارق. إن من أهداف التشريعات والقوانين إنزال منهج الإسلام في دنيا الناس والذي يدور حول مصالح ثلاث:
• ـ درء المفاسد المعروف عند أهل الأصول بالضروريات.
• ـ جلب المصالح المعروف عندهم بالحاجيات.
• ـ الجري على مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات.
المعروف عند الأصوليين بالتحسينات والتتميمات( )، وبإقامة التشريعات الربانية والقوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية تتحقق هذه المصالح وبالتالي تصلح أحوال الدنيا وتستقيم على منهج الله، ومن ثم يكون ذلك صلاحاً لآخرة الناس أيضاً.
مراجع المقال:
الموافقات للشاطبي (2/ 8 ـ 16).
الدولة الحديثة المسلمة، د. علي الصلابي، 224 - 225.
رابط كتاب الدولة الحديثة المسلمة:
من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي: