الخميس

1446-10-26

|

2025-4-24

"مقاصد الشريعة في الحكم الإسلامي: مرونة القوانين (3)"

من كتاب الدولة الحديثة المسلمة دعائمها ووظائفها:

الحلقة: الرابعة والثلاثون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

صفر 1443 ه/ سبتمبر 2021م

مرونة القوانين:

مع التشريعات القطعية غير القابلة للتغيير والتعديل في ما يتعلق بحفظ الدين والنفوس، والأعراض والعقول والأموال وغير ذلك من الثوابت، فهناك بعد آخر في قانون الدولة يرحب بالتغير والرقي في كل حالات الزمان المتطورة وهو يشمل عدة أنواع:

ــ تعبير الأحكام أو تأويلها أو تفسيرها:

هو المحاولة لفهم ألفاظ جاء بها حكم من أحكام الشريعة وتحديد معناها وغايتها وهو باب واسع جداً في الفقه الإسلامي فالذين لهم عقول ثاقبة وقلوب واعية وعيون نافذة إذا ما يتدبرون الكتاب والسنة، يجدون أمامهم مجالاً واسعاً للتغييرات المختلفة حتى في أحكامها القطعية الصريحة، فكل منهم يرجح ـ على حسب فهمه وبصيرته ـ تعبيراً من هذه التعبيرات على غيره محتاجاً بالدلائل والقرائن، وهذا الاختلاف في تعبير الأحكام ما زال له وجود بين أصحاب الفقه والعلم من الأمة منذ أول أمرها ولابدّ له أن يبقى مفتوحاً في المستقبل أيضاً.

ــ القياس:

وهو تطبيق حكم ثبت من الشارع في قضية على قضية أخرى تماثلها، أي بقياسها عليها.

ــ الاجتهاد:

وهو فهم قواعد الشريعة وأصولها العامة، وتطبيقها في قضايا جديدة لا توجد لها النظائر والأشباه في الشريعة.

ــ الاستحسان:

وهو وضع ضوابط وقوانين جديدة في دائرة المباحث غير المحدودة على حسب الحاجات بحيث تتفق إلى أكبر درجة مع روح نظام الإسلام الشامل.

فهذه الأمور إذا تدبرتم ما فيها من الإمكانات، فهي دليل بأن القانون الإسلامي لا يضيق نطاقه في حين من الأحيان عن تلبية حاجات التمدن الإنساني المتزايدة المتجددة والوفاء بمطالب أحواله المتطورة( ).

إن من اللازم لتفسير وتوضيح الأحكام أن يكون المرء متمكناً من لغة الشريعة وأسرارها محيطاً بالحالات التي فرضت فيها أحكامها متضلعاً من علم القرآن ومعرفة أسلوبه الخاص في البيان وأن تكون له نظرة واسعة في ذخائر الحديث، فمن اللازم للقياس أن يكون للمرء من الحس القانوني اللطيف ما يقدر معه عند قياس مسألة على أخرى أن يفهم وجوه المماثلة بينهما فهما تامان وإلا فإنه لا يكاد يسلم من الخطأ في تطبيق حكم إحداهما على الأخرى ومن اللازم للاجتهاد أن تكون للمرء بصيرة نافذة في أحكام الشريعة وفهم جيد لشؤون الحياة من الوجهة الإسلامية الخالصة ومن اللازم للاستحسان أن يكون للمرء إلمام تام بطبيعة الإسلام وروح نظامه حتى لا يقترح في دائرة المباحاث إلا بقوانين وضوابط تصلح بحق للانسجام في مجموعة هذا النظام وفوق كل هذه الكفاءات الفكرية والثقافية لابدّ لكل من يتولى هذا الأمر الجليل من شيء آخر في المحال بدونه أن ينال القانون الإسلامي شيئاً من الرقي والتقدم على الخطوط الصحيحة هو أن يكون على جانب عظيم من عزيمة اتباع الإسلام والمسؤولية أمام الله تبارك وتعالى؛ وليس هذا الأمر بالذي يصلح ليتولاه أناس غافلون عن الله والآخرة لا يطمحون بأبصارهم إلا إلى الأغراض والمنافع الدنيوية ممن قد تركوا عظمة وروعة الإسلام وأشربوا في قلوبهم حب حضارة غير حضارته، لا يمكن بحال أن يرزق الإسلام شيئاً من الرقي والتقدم على أيدي أمثال هؤلاء بل لا يكاد يرجى منهم إلا تشويه وجهه وتحريف كلماته( ).

والطريق لإدخال الدولة الحديثة للمرجعية الإسلامية هو أن يعلن المجلس التأسيسي في تلك الدولة "أي البرلمان".

ــ أن الشريعة الإسلامية مصدر جميع القوانين في الدولة.

ــ وأن كل قانون من قوانين تلك الدولة الجارية يلغى ويبطل إن كان معارضاً للشريعة الإسلامية، وأنه لا ينفذ في البلاد في المستقبل قانون يعارض الشريعة.

ومن خطوات المهمة التي قام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بيان مرجعية الدولة العليا أن زمام الدولة كان بأيدي يعرفون الإسلام ويريدون من أعماق قلوبهم ولذلك دخلوا في نواحي الحياة بكل ما يملكون من وسائل.

وإذا أردنا لحياتنا أن تسير على القوانين الربانية وتخضع لها لابد أن ينتقل زمام أمر هذه الدول بطريق الانتخابات البرلمانية والرئاسية إلى أيدى رجال يعرفون الإسلام ويؤمنون به ويتقربون إلى الله بذلك ويقيمون برسم نهج لإصلاح مختلف نواحي الحياة الاجتماعية إصلاحاً شاملاً ويستعينوا لهذا الغرض بكل ما للدولة من أسباب ووسائل فنغير نظام التعليم ونبذل قوى الإعلام والدعاية والنشر والخطابة والفضائيات في إصلاح الأفكار، وتطوير العقول، والأوضاع والمناهج الاجتماعية والمدنية كلها، وتطهير مصالح الحكومة ودوائر الشرطة والسجن والمحاكم والجيش ومؤسسات الدولة من الفساد والرشاوي والعمل على البناء الصحيح والسديد وفق فقه بناء الدول الحديثة الناجحة، بالمعايير الربانية ولا شك أن وسائل الدولة والجهاز الحكومي وإدارته إذ وقعت في أيدي أمينة ذات خبرة وكفاءة وقوة وأمانة قادرة على بناء دولة حديثة والارتقاء بالشعب مع منظومة من القوانين منظمة ومتزنة في عقدين من الزمان ولكي تنفذ القوانين المستمدة من القرآن والسنة في الناس يظهر دور القضاء في ذلك.

انظر كتاب الدولة الحديثة المسلمة لمؤلفه الدكتور علي محمد الصلابي:

http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book157.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022