"مقاصد الشريعة في الحكم الإسلامي (2)"
من كتاب الدولة الحديثة المسلمة دعائمها ووظائفها:
الحلقة: الثالثة والثلاثون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
صفر 1443 ه/ سبتمبر 2021م
جلب المصالح: المعروف بالحاجيات:
إن جلب المصالح مجاله واسع رحيب، فالشريعة فتحت أبواب الحلال على مصاريعها في جميع مناحي المعيشة وجعلت هذا الحلال أسلوب الحياة، تحرسه الدولة وتزيل العقبات من طريقه، فكل نوع من التكسب والإنتاج والصناعة والفن والثقافة لا يدخل في محرم إنما هو من حقوق الناس، ليس لأحد أن يحرّمه عليهم أو يحرمهم منه قال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ﴾ (البقرة، آية: 198).
وقد جاء الشرع المطهر بإباحة المصالح المتبادلة بين الفرد المجتمع على الوجه المشروع؛ ليستجلب كل مصلحته من الآخر، كالبيوع والإجارات والمساقاة والمضاربة وما يجري مجرى ذلك.
• ـ إحياء مكارم الأخلاق ومحاسن العادات بين الناس:
إن الرسول صلى الله عليه وسلم الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام قال: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق»( 1)، إن الدولة الإسلامية من واجبها أن تهيئ جواً تنشأ فيه مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال من الطهر والعفاف والنقاء، تحرسه شريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحميه شعيرة الحسبة، والدعوة إلى الله؛ لتكون أساساً للمعاملة بين الصغير والكبير، والغني والفقير، والولي والمولى والراعي، والرعية.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام قاموا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتنفيذ الحدود، والدعوة إلى مكارم الأخلاق، وتعليم الأمة أمر دينها وترتب على ذلك فوائد ومصالح عامة للأمة والأفراد والحكام والمحكومين ومن أهم هذه الفوائد:
ــ إقامة الملة:
والشريعة وحفظ العقيدة والدين لتكون كلمة الله هي العليا، قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا﴾(الحج، آية: 40).
إن الإنسان لابد له من أمر ونهي ودعوة، فمن لم يأمر بالخير ويدعو إليه أمر بالشر( 2).
ــ رفع العقوبات العامة:
قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ (الشورى، آية: 30) وقال أيضاً في الجواب عن سبب مصابهم يوم أحد ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ﴾ (آل عمران، آية: 165).
فالكفر والمعاصي بأنواعها سبب للمصائب والمهالك قال تعالى: ﴿فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ﴾ (هود، آية: 116).
وهذه إشارة تكشف عن سنة من سنن الله في الأمم، فإن الأمة التي يقع فيها الظلم والفساد فيجدان من ينهض لدفعهما هي أمم ناجية لا يأخذها الله بالعذاب والتدمير، فأما الأمم التي يظلم فيها الظالمون، ويفسد فيها المفسدون، فلا ينهض من يدفع الظلم والفساد، أو يكون فيها من يستنكر ذلك، ولكنه لا يبلغ أن يؤثر في الواقع الفاسد فهي أمم مهددة بالدمار والهلاك كما هي سنة الله تعالى ـ في خلقه، وبهذا تعلم أن دعاة الإصلاح المناهضون للطغيان والظلم والفساد هم صمام الأمان للأمم والشعوب، وهذا يبرز قيمة كفاح المكافحين للخير والصلاح الواقفين للظلم والفساد، إنهم لا يؤدون واجبهم لربهم، ولدينهم فحسب، إنما هم يحاولون بهذا دون أممهم وغضب الله واستحقاق النكال والضياع( 3).
ــ استنزال الرحمة:
من الله تعالى، لأن الطاعة والمعروف سبب للنعمة، قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾ (إبراهيم، آية: 7) والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نوع من أنواع العبودية.
ــ شدة ظهر المؤمن وتقويته
ورفع عزيمته وإرغام أنف المنافق؛ فإن المؤمن يقوى ويعتز حينما ينتشر الخير والصلاح ويُوحد الله لا يشرك به وتضمحل المنكرات على إثر ذلك بينما يخنس المنافق بذلك ويكون ذلك سبباً لغمه وضيق صدره وحسرته، لأنه لا يحب ظهور هذا الأمر ولا ذيوعه بين الخلق(4 ).
قال الثوري: إذا أمرت بالمعروف شددت ظهر المؤمن وإذا نهيت عن المنكر رغمت ألف المنافق(5 ).
ــ تحقيق وصف الخيرية في هذه الأمة:
قال تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ﴾ (آل عمران، آية: 110)، قال عمر رضي الله عنه في تفسير هذه الآية: من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤدِّ شرط فيها( 6).
ــ التجافي عن صفات المنافقين:
إن من اختص صفات المؤمنين القيام بهذا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ﴾ (التوبة، آية: 71)( 7).
• ـ مرونة القوانين:
مع التشريعات القطعية غير القابلة للتغيير والتعديل في ما يتعلق بحفظ الدين والنفوس، والأعراض والعقول والأموال وغير ذلك من الثوابت، فهناك بعد آخر في قانون الدولة يرحب بالتغير والرقي في كل حالات الزمان المتطورة وهو يشمل عدة أنواع.
مراجع المقال:
(1) مسند أحمد (2/ 381).
(2 ) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لخالد السبت، ص: 72.
(3 ) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خالد السبت، ص: 72.
(4 ) المصدر نفسه، ص: 77.
( 5) فقه النصر والتمكين، ص: 489.
( 6) المصدر نفسه، ص: 489.
( 7) فقه النصر والتمكين، ص: 489.
رابط كتاب الدولة الحديثة المسلمة من الموقع الرسمي للدكتور علي الصلابي: