الخميس

1446-04-14

|

2024-10-17

ما يستفاد من سيرة الصديق... الخلاصات والإستنتاجات ٣

بقلم: د. علي محمد الصلابي

الحلقة الرابعة والخمسون

- بعد حروب الردَّة تجمَّعت اليمن تحت قيادةٍ مركزية عاصمتها المدينة المنوَّرة، وقسم اليمن إِلى أقسامٍ إِداريَّةٍ لا وحدات قبليَّةٍ، فقد قُسِّم إِلى ثلاثة أقسامٍ إِداريَّة: صنعاء، والجند، وحضرموت، ولم تعد العصبيَّة القبليَّة أساساً في الزَّعامة، أو في التَّولية، ولم تعد القبليَّة سوى وحدةٍ عسكريَّةٍ لا سياسيَّةٍ، وأصبحت المقاييس المعتبرة هي المقاييس الإِيمانيَّة: التَّقوى، والإِخلاص، والعمل الصَّالح.
-كان لهزيمة طليحة الأسدي في معركة بزاخة أثرٌ كبيرٌ في رجوع كثيرٍ من القبائل إِلى حظيرة الإِسلام، فقد أقبلت بنو عامر بعد هزيمة بزاخة يقولون: ندخل فيما خرجنا منه، فبايعهم خالدٌ على ما بايع عليه أهل بزاخة من أسدٍ، وغطفان، وطيء.
- إِنَّ مقتل مالك بن نويرة بسبب كبره وتردُّده، فقد بقي للجاهلية في نفسه نصيبٌ، ولذلك ماطل في التبعيَّة للقائم بأمر الإِسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي تأدية حقِّ بيت مال المسلمين عليه المتمثِّل بالزَّكاة.
- قام الصِّدِّيق بالتَّحقيق في مقتل ابن نويرة، وانتهى إِلى براءة ساحة خالدٍ من تهمة قتل مالك بن نويرة، فقد كان الصِّدِّيق في هذا الشَّأن أكثر اطلاعاً على حقائق الأمور، وأبعد نظراً في تصريفها، من بقيَّة الصَّحابة؛ لأنَّه الخليفة، وإِليه تصل الأخبار.
- إنَّ من كمال الصِّدِّيق توليته لخالدٍ، واستعانته به؛ لأنَّه كان شديداً؛ ليعتدل به أمره، ويخلط الشِّدَّة باللِّين، فإِنَّ مجرَّد اللِّين يفسد، ومجرَّد الشدة يفسد، فكان يقوم باستشارة عمر، وباستنابة خالدٍ، وهذا من كماله الَّذي صار به خليفة رسول الله.
- كان للمثنَّى بن حارثة دورٌ كبيرٌ في إِخماد فتنة البحرين، والوقوف بقوَّاته بجانب العلاء بن الحضرمي، وقد سار بجنوده من البحرين شمالاً، ووضع يده على القطيف وهجر حتَّى بلغ مصبَّ دجلة، وقضى في سيره على قوات الفرس وعمَّالهم، وقد كانت أخباره تصل إِلى الصِّدِّيق، وسأل عنه أصحابه، فقال له قيس بن عاصم المنقريُّ: هذا رجل غير خامل الذِّكر، ولا مجهول النَّسب، ولا ذليل العماد، هذا المثنَّى بن حارثة الشَّيبانيُّ.
-تعتبر هزيمة بني حنيفة في اليمامة أمام جيوش خالد قاصمة الظَّهر لحركة الردَّة، وكان من ضمن شهداء المسلمين في حرب اليمامة كثيرٌ من حفظة القران، وقد نتج عن ذلك أن قام أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ بمشورة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بجمع القران من الرِّقاع، والعظام، والسَّعف، ومن صدور الرِّجال، وأسند الصِّدِّيق هذا العمل العظيم، والمشروع الحضاريَّ الضَّخم إِلى الصَّحابيِّ الجليل زيد بن ثابتٍ الأنصاري رضي الله عنه.
- تحقَّقت شروط التَّمكين ولوازمه كلُّها في عهد الصِّدِّيق، والخلفاء الرَّاشدين من بعده، وكان للصِّدِّيق الفضل بعد الله في تذكير الأمَّة بهذه الشروط، ولذلك رفض طلب الأعراب في وضع الزكاة عنهم وأصَرَّ على بعث جيش أسامة، والتزم بالشَّرع كاملاً، ولم يتنازل عن صغيرةٍ، ولا كبيرة.
- كان إِعداد الصِّدِّيق في حروب الردَّة شاملاً معنويّاً، فجيَّش الجيوش، وعقد الألوية، واختار القادة لحروب الردَّة، وراسل المرتدِّين، وحرَّض الصَّحابة على قتالهم، وجمع السلاح، والخيل والإِبل، وجهَّز الغزاة، وحارب البدع، والجهل، والهوى، وحكَّم الشَّريعة، وأخذ بأصول الوحدة، والاتِّحاد، والاجتماع، وأخذ بمبدأ التَّفرُّغ، وساهم في إِحياء مبدأ التخصُّص، فخالد لقيادة الجيوش، وزيد بن ثابت لجمع القران، وأبو برزة الأسلمي للمراسلات الحربيَّة، واهتم بالجانب الأمنيِّ، والإِعلاميِّ، وغير ذلك من الأسباب.
-تظهر اثار تحكيم شرع الله في عصر الصِّدِّيق في تمكين الله للصَّحابة، فقد حرصوا على إِقامة شعائر الله على أنفسهم، وأهليهم، وأخلصوا لله في تحاكمهم إِلى شرعه، فالله ـ سبحانه، وتعالى ـ قوَّاهم، وشدَّ أزرهم، ونصرهم على المرتدِّين، ورزقهم الأمن، والاستقرار.
-كان الجهاد الَّذي خاضه الصَّحابة في حروب الردَّة إِعداداً ربَّانيّاً للفتوحات الإِسلاميَّة، حيث تميَّزت الرَّايات، وظهرت القدرات، وتفجَّرت الطَّاقات، واكتشفت قيادات ميدانيَّة، وتفنَّن القادة في الأساليب، والخطط الحربيَّة، وبرزت مؤهِّلات الجنديَّة الصَّادقة المطيعة، والمنضبطة الواعية؛ الَّتي تقاتل؛ وهي تعلم على ماذا تقاتل، وتقدِّم كلَّ شيء؛ وهي تعلم من أجل ماذا تضحِّي وتبذل، ولذا كان الأداء فائقاً، والتَّفاني عظيماً.
-توحَّدت شبه الجزيرة العربيَّة بفضل الله ثمَّ جهاد الصَّحابة مع الصِّدِّيق تحت راية الإِسلام لأوَّل مرة في تاريخها بزوال الرؤوس، أو انتظامها ضمن المدِّ الإِسلامي، وبسطت عاصمة الإِسلام ـ المدينة ـ هيمنتها على ربوع الجزيرة، وأصبحت الأمَّة تسير وراء زعيمٍ واحدٍ، بمبدأ واحد، بفكرةٍ واحدة، فكان الانتصار انتصاراً للدَّعوة الإِسلاميَّة ولوحدة الأمَّة بتضامنها وتغلُّبها على عوامل التفكُّك، والعصبيَّة، كما كانت برهاناً على أنَّ الدَّولة الإِسلاميَّة بقيادة الصِّدِّيق قادرةٌ على التغلُّب على أعنف الأزمات.
- أثبتت أحداث التَّاريخ: أنَّ أيَّة محاولةٍ للتمرُّد على دين الإِسلام سواءٌ أقام بها فردٌ، أم جماعةٌ، أم دولةٌ إِنَّما هي محاولةٌ يائسة، مالها الإِخفاق الذَّريع، والخيبة الشَّنيعة؛ لأنَّ التَّمرُّد إِنَّما هو تمرُّدٌ على أمر الله المتمثِّل بكتابه؛ الذي تكفَّل بحفظه، وحفظ جماعةٍ تلتفُّ حوله، وتقيمه في نفوسها وواقعها مدى الدَّهر، وبحكمه القاضي بالعاقبة للمتَّقين، وبالمنِّ على المستضعفين أن يديل لهم من الظَّالمين.
- ما إِن انتهت حروب الردَّة، واستقرَّت الأمور في الجزيرة العربيَّة؛ الَّتي كانت ميداناً لها، حتَّى شرع الصِّدِّيق في تنفيذ خطَّة الفتوحات، الَّتي وضع معالمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجيَّش الجيوش لفتح العراق، والشَّام.
- إِنَّ الأوامر الَّتي وجَّهها الصِّدِّيق إِلى قادة فتوح العراق (خالدٍ، وعياضٍ) تشير إِلى الحسِّ الاستراتيجيِّ المتقدِّم؛ الَّذي كان يملكه الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ فقد أعطى جملة تعليماتٍ عسكريَّة استراتيجيةٍ منها وتكتيكية، فحدَّد لكلٍّ من القائِدَيْن المسلِمَيْن جغرافياً منطقةً للدُّخول إِلى العراق، كأنَّما هو يمارس القيادة من غرفة العمليَّات بالحجاز، وقد بُسطت أمامَه خارطة العراق بكلِّ تضاريسها، ومسالكها.
- خاض خالدٌ في العراق عدَّة معارك كانت السَّبب في فتح العراق، كمعركة ذات السَّلاسل، ومعركة المذار، والولجة، وأُلَّيس، وفتح الحيرة، والأنبار، وعين التَّمر، ودومة الجندل، ووقعة الحصيد، ووقعة الفراض.
- عزم الصِّدِّيق على فتح الشَّام، فاستشار كبار الصَّحابة، ثمَّ استنفر أهل اليمن للجهاد، وعقد الألوية للقادة، وأرسل أربعة جيوش لبلاد الشَّام، وكان قادة الجيوش كلاًّ من يزيد بن أبي سفيان، وأبي عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة.
- كانت الجيوش المكلَّفة بفتح الشَّام تلاقي صعوبةً في تنفيذ المهمَّات الموكلة إِليها، فقد كانت تواجه جيوش الإمبراطوريَّة الرومانيَّة الَّتي تمتاز بقوَّتها، وكثرة عددها، فراسلوا الصِّدِّيق، وأعلموه بوضعهم الحرج، فأمر الصِّدِّيق الجيوش بالانسحاب إِلى اليرموك، والتَّجمُّع هناك، وأمر خالداً بالسَّير بنصف جيش العراق نحو جبهات الشَّام وأمره بقيادة الجيوش هناك.
-استطاع خالد بن الوليد أن يحقِّق انتصاراتٍ عظيمةً على جيوش الشَّام، من أهمِّها معركة أجنادين، واليرموك.

للاطلاع على النسخة الأصلية للكتاب راجع الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي، وهذا الرابط:
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book01(1).pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022