الخميس

1446-04-14

|

2024-10-17

البعد التنظيمي عند ابن السنوسي من خلال مؤسسة الزوايا(2)

بقلم: د. علي محمّد الصلابي

الحلقة الحادية عشر

صفر 1441 ه/ أكتوبر 2019

أولا: أراضي الزاوية:
كانت أراضي الزاوية موقوفة عليها فلا تباع ولاتشترى وتبقى مرتبطة بالزاوية. ويتم وقفها عادة بعد امتلاكها الذي يكون عن طرق مختلفة، منها الهبة والتبرع ومنها الشراء ومنها احياء الأراضي البور، وإصلاح الآبار الخربة، ومنها نزعُ المواقع المتنازع عليها بين الأفراد والجماعات برضا المتخاصمين وتحويلها للزاوية وقد ذكر المؤرخ الدجاني احدى الرسائل التاريخية تبين كيف تتحول الأرض المحيطة بالزاوية إلى وقف. والوثيقة هي عبارة عن رسالة بعث بها أحد الإخوان إلى أحد علماء طرابلس يحدثه فيها عن بعض مسائل تتعلق بالحركة، ويرد فيها " وأيضاً نخبركم أنه في محل ببرقة يقال له أجدابية قصرين معلومات، والعرب الذين بجوار ذلك هم المغاربة وزوية راغبين في الاستاذ أن ينشئ لهم زاوية هناك، وكتبوا حجج في إعطاء تلك الأرض ومهدوا إلى كل المشايخ وأرسلوا منهم واحد مخصوص إلى حضرات جنابة رضي الله عنه ( يعني ابن السنوسي ) والقصد لايتعدى على الأرض، وتاريخ الرسالة 15 محرم 1276م أي قبل وفاة ابن السنوسي بشهر، فالأرض في هذه المثل أعطيت للزاوية هبة وتبرعاً من مشايخ القبيلتين ثم صدر فيها مرسوم بتحويلها إلى وقف. وكانت مساحة أراضي الزاوية كبيرة نسبياً وتصل أحياناً إلى "2500" هكتار بعضها مزروع والبعض الآخر يترك للرعي. وقد ذكر ريتشارد أن مجموع أراضي الزاوية في برقة يبلغ نصف مليون هكتار.
ويقوم بزراعة الأرض سكان الزاوية تحت إشراف شيخها ويساعدهم في الزرع والحصاد رجال القبيلة، وقد ذكر شكيب أرسلان أن من عادة سكان الزوايا أن يتبرع كل فرد من أفراد القبيلة بحراثة يوم وحصاد يوم ودراسة يوم في أرض الزاوية، ولذلك يسهل العمران بدون نفقة كبيرة.
وكانت الزوايا مختلفة من حيث الكبر وعدد السكان، وذلك بحسب أهميتها، وكان يبلغ عدد السكان في أصغر الزوايا حوالي الخمسين بما في ذلك الأطفال والنساء، ويصل العدد في زوايا أخرى إلى المئة، أما الزوايا الكبيرة، كالجغبوب فيتجاوز الألف، ولم تكن "الزاوية" مقصورة في تنظيماتها على هذا العدد من سكانها وإنما على القبيلة التي تقيم في منطقتها، فسلطاتها تسيَّر شؤون أفراد القبيلة الذي يبلغ عددهم أضعاف عدد سكان الزاوية.
ثانياً: موارد الزاوية:
تتكون موارد الزاوية المالية من الزراعة وتربية المواشي والهبات الخيرية والزكاة الشرعية. وقد كانت الهبات الخيرية تقدّم من أهالي القبيلة. كما كانت الزاوية تجبي الزكاة من القبيلة رسمياً، بعد أن أعفت السلطات العثمانية الزوايا من الضرائب، وأعطت لها حق جباية الزكاة، وكانت "الزاوية" تنفق بعض هذه الموارد على احتياجاتها وفق نظام معروف فيها، أما مايتبقى فيبعث إلى المركز الرئيسي حيث يتصرف فيه رئيس النظام.
ثالثاً: التعليمات الخاصة بنظام الزوايا:
كانت هناك تعليمات وأعراف وعادات تلتزم الزوايا بتطبيقها، ومن ذلك ماذكره الأشهب من أن شيخ الزاوية لايتزوج إلا بعد استشارة رئيس النظام وأخذ موافقته وتكون الزاوية ملزمة بنفقات هذا الزواج والإنفاق على الزوجة وأولادها. أما في حالة ما إذا تزوج الشيخ بأخرى فنفقات ذلك على حسابه الخاص، كذلك حدد بدقة مايأخذه شيخ الزاوية سنوياً:
1- يتألف كساء شيخ الزاوية سنوياً من عشر بدل وتتكون البدلة من (قميص وسروال وغطاء الرأس وحذاء ) شريطة أن لايكون منها حرير أو جوخ، وكذلك حرامين صيفي ومثلهما شتوي وبرنس، ولشيخ الزاوية الحق في شراء سلاحه وفرسه الخاصين به من أجود الأنواع وله أيضاً مهر ونفقات زوجة واحدة، وإذا ما أراد أن يتزوج مثنى أو ثلاث أو رباع فيكون ذلك على نفقته الخاصة.
2- لشيخ الزاوية الحق في تعيين معلم الصبيان والمنادي للصلاة (المؤذن) وعدد من الخدم والعمال حسب مقتضيات الضرورة وتكون نفقاتهم وأجورهم من موارد الزاوية.
3- من واجبات شيخ الزاوية إحضار الطعام الكافئ لعشرة أشخاص يومياً في موعدي الغذاء والعشاء وذلك باسم الضيوف المحتمل مجيئهم للزاوية، فإن نقص هذا العدد فعلى شيخ الزاوية أن يكمل العدد من الفقراء ومجاوري الزاوية، وإذا تجاوز الضيوف هذا العدد فعليه إحضار مايكفي في وقته، ولايتجاوز الطعام نوعاً واحداً إلا في الحالات الخاصة.
4- إذا تجاوز عدد الضيوف خمسة أشخاص ورأى الشيخ أن ينحر لهم فله ذلك.
5- لشيخ الزاوية الحق في أن يختص بالعشر من محصولات الزاوية وذلك للإنفاق منها في حالاته الخاصة، وفيما يترتب عليه لأقاربه الذين لاحق لهم من موارد الزاوية.
6- على الشيخ أن يحتفظ بما يكفي لنفقاتها سنوياً من مجموع الواردات وإرسال الباقي منها إلى المركز الرئيسي.
7- لاحق لشيخ الزاوية أن يضيف أقاربه على حساب الزاوية، وتفادياً لضيق ذات يده فقد منح عشر الواردات، وسمح له بامتلاك المواشي وتعاطي الزراعة لحسابه الخاص كي يواجه بذلك نفقاته الخاصة التي لاحق له في أخذها من أموال الزاوية. وله الحق في أن ينحر لنفسه وزوجته الأولى وأولاده منها شاتين أسبوعياً.
8- للعمال وخدم الزاوية الحق في أكل اللحم كل يوم جمعة من الأسبوع.
9- لكل زاوية حدود تفصل بينها وبين الزاوية المتاخمة لها، ولايجوز لشيخ الزاوية أن يتعدى هذه الحدود.
10- على شيوخ الزوايا أن يجتمعوا سنوياً ( كلهم أو بعضهم ) إذا مارأوا وجوب ذلك، وعليهم أن يتشاوروا في تحديد موعد الاجتماع ومكانه إن لم يكن أحد شيوخ الزوايا هو الداعي لعقد الاجتماع.
11- إذا التجأ شخص او أشخاص الى احدى الزوايا لسبب مافعلى الزواية والحالة هذه حمايته والسعي لإزالة السبب الذي دفعه للألتجاء بموجب نصوص الشريعة أو مايتفق عليه من العرف والتقاليد المتبعة.
12- تتكون موارد الزاوية من الزراعة وتنمية المواشي والهبات الخيرية الزكاة الشرعية.
رابعاً: اسماء بعض الزوايا التي انشأها ابن السنوسي:
1- زاوية أبي قبيس بمكة المكرمة وهي أولى الزوايا السنوسية على الاطلاق، تم تأسيسها عام 1242هـ وكان أول شيخ لها العلامة عبدالله التواتي، ومن بين من تولى مشيختها السادة: مصطفى الغماري ، حامد غانم المكاوي، علي حامد، الشارف حامد، الصادق السنوسي حامد.
2- زاوية المدينة المنورة ، تم إنشاؤها عام 1266هـ وكان أول شيخ لها هو العلامة محمد الشفيع، ومن بين من تولى مشيختها ، العلامة مصطفى الغماري، ومحمد عبدالله الزوي، عبدالسلام فركاش .
3- زاوية جدة (الحجاز) .
4- زاوية الطائف (الحجاز).
5- زاوية منى (الحجاز) .
6- زاوية بدر (الحجاز).
7- زاوية البيضاء (برقة) أنشأت عام 1257هـ وهي أول مركز رئيسي في ليبيا وكان أول شيخ لها هو العلامة محمد بن حمد الفيلالي ومن بين من تولى مشيختها الأعلام؛ عمران بن بركة الفيتوري، حسين الغرياني ، محمد بن ابراهيم الغماري، العلمي الغماري، محمد العلمي الغماري.
8- زاوية مارة (برقة) وكان أول شيخ لها هو العلامة عمر الأشهب، وكان من بين من تولى مشيختها ؛ أحمد علي أبو سيف ، احمد ابن ادريس الأشهب، عبدالله أبويوسف.
9- زاوية درنة (برقة) وكان أول شيخ لها هو العلامة عمر الأشهب ، ومن بين من تولى مشيختها؛ مفتاح خوجة، السنوسي الغرياني عبدالرحمن العجال.
10- زاوية الجوف (واحة الكفرة) كان ابن السنوسي قد عهد ببنائها الى المشايخ الحاج مصطفى ابوشايدة، الحاج محمد أبو حليقة، عقيلة الحليق وذلك عقب إجلاء قبائل التبو البربرية بضغط من قبائل زوية، العربية، وكانت الكفرة يومذاك مأوى للدعارة واللصوص ومعقل حصين لقطاع الطريق، وكان يتناوب غزوها ثلاثة قبائل كل منها يدعي ملكيتها وهي : قبائل الجهمة من مصر، وقبائل التبو من شمال السودان، وقبائل زوية من برقة وبذلك فقد كونت خطراً على السابلة وقوافل التجارة الى أن أنشئت بها زواية السنوسية ؛ فأصبحت دار أمن وسلام ومشرق الهداية والعرفان، وفي وصفها قال العلامة محمد عبدالله السني من قصيدة عصماء امتدح بها محمد المهدي السنوسي:
طابت وطاب بها المأوى لذي شجن
دار السلامة للاسلام مهتجر
تأوي الوفود لها من كل ناحية
مأوى الحجيج اذا ماجاء يعتمر
وكان أول شيخ لها هو عمر أبو حواء الفضيل، ومن بين من تولى مشيختها عبدالهادي الفضيل ثم محمد عمر الفضيل .
11- زاوية قفنطة (برقة) وكان أول شيخ لها هو المختار ابن عمور وبقيت مشيختها في عقبه.
12- زاوية شحات (برقة) أنشئت عام 1261هـ وكان أول شيخ لها هو العلامة مصطفى الدردفي ، ومن بين من تولى مشيختها، محمد الدردفي ، رافع بدر فركاش، مصطفى محمد الدردفي.
13- زاوية العرقوب (برقة) وكان أول شيخ لها هو محمد الجبالي.
14- زاوية مسوس (برقة) وكان أول من تولاها بالوكالة الشيخ فهيد العاقوري، وكان أول شيخ لها هو أحمد علي أبوسيف وفي سنة 1271هـ تولى مشيختها العلامة عمر الأشهب الى سنة 1297هـ حيث توفاه الله فتولى مشيختها ابنه السيد السنوسي الأشهب وبعد وفاته سنة 1332هـ تولى مشيختها ابنه محمد يحيى، وفي سنة 1367هـ تولى مشيختها محمد عثمان ابو عريقيب.
15- زاوية الطيلمون (برقة) كان أول شيخ لها هو مصطفى المحجوب ثم العلامة علي المحجوب، فالسيد أحمد محمد المحجوب.
16- زاوية القصور (برقة) كان أول شيخ لها هو العلامة محمد المبخوت التواتي، ثم محمد مقرب حدوث، فالشهيد الكبير عمر المختار.
17- زاوية المرج (برقة كان أول شيخ لها هو أحمد بن سعد، فالسيد علي العابدي ، فالعلامة محمد السكوري، فالعلامة محمد ابن عبدالله التواتي، فعمران السكوري، فأبنه أحمد.
18- زاوية بنغازي (برقة) وكان أول من تولى مشيختها هوالعلامة عبدالله التواتي ، فالعلامة عبدالرحيم بن أحمد المحجوب، وكان من تولى مشيختها السادة: محمد ابو القاسم العيساوي، فالسيد صالح العوامي، فالعلامة احمد ابو القاسم العيساوي.
19- زاوية مرزق (فزان) كان أول شيخ لها هو العلامة أحمد ابو القاسم التواتي.
20- زاوية واو (فزان) وكان أول شيخ لها هو العلامة أحمد ابو القاسم التواتي ، ومن بين من تولى مشيختها بالوكالة العلامة، محمد بن الشفيع ثم أسندت مشيختها الى محمد علي بن عمر الأشهب ، فأبنه نجم الدين.
21- زاوية زويلة (فزان) كانت تحت اشراف العلامة احمد ابوالقاسم التواتي.
22- زاوية هون (واحة الجفرة) كان أول من تولى مشيختها احمد بن علي بن عبيد.
23- زاوية مزدة (طرابلس) كان أول شيخ لها هو العلامة عبدالله السني، وقد بقيت مشيختها في عقبه.
24- زاوية طبقة (طرابلس) وكان أول شيخ لها هو العلامة محمد الازهري وبقيت مشيختها في عقبه.
25- زاوية العزيات (برقة) أنشئت سنة 1270هـ وكان من بين من تولى مشيختها عمر جالو.
26- زاوية المخيلي (برقة) وكان أول شيخ لها هو العلامة الحسين الحلافي وتعاقب ورثته على مشيختها.
27- زاوية تازربو (واحات الكفرة) وكان من بين من تولى مشيختها العلامة محمد المدني.
28- زاوية ربيانة (واحات الكفرة) وكان أول شيخ لها هو حسين بازامه وبقيت مشيختها في عقبه.
29- زاوية دريانة (برقة) وكان أول شيخ لها هو العلامة ابراهيم الغماري فابنه السيد الحسن، فالسيد محمد الحسن الغماري.
30- زاوية سيوه (مصر) كان اول شيخ لها هو العلامة احمد ابوالقاسم التواتي .
31- زاوية الزيتون (سيوه) تابعة لمشيخة احمدابوالقاسم التواتي.
32- سوكنة (واحات الحضرة).
33- زاوية الرجبان (طرابلس) وكان أول شيخ لها هو العلامة ابو القاسم العيساوي وبقيت مشيختها في عقبه.
34- زاوية الواحات البحرية (مصر) وكان أول شيخ لها هوالعلامة محمد السكوري.
35- زاوية الداخلة (مصر) وكان أول شيخ لها هو العلامة حسين الموهوب الدرسي.
36- زاوية حوش عيسى (مصر).
37- زاوية الفيوم (مصر).
38- تونين غدامس (طرابلس) وكان أول شيخ لها هو الشريف الغدامسي.
39- زاوية طلميثة (برقة) وكان من بين من تولى مشيختها محمد الكليلي.
40- زاوية توكره (برقة) وكان من بين من تولى مشيختها ، عبدالله الجيلاني ، عبدالله عمر الفضيل، يونس الموهوب.
41- زاوية أم ركبة (برقة) وكان من بين من تولى مشيختها ، علي ابن عبدالله.
42- زاوية الفايدية (برقة) وكان أول شيخ لها هو العلامة اسماعيل الفزاني وبقيت مشيختها في عقبه.
43- زاوية ترت (برقة) وكان أول شيخ لها هو عبدالقادر الغزالي وبقيت مشيختها في عقبه.
44- زاوية أم الرخم (مصر).
45- زاوية النجيلة (مصر).
46- زاوية الحقنة (مصر)
47- زاوية دفنه (برقة) وكان أول شيخ لها هو العلامة حسين الغرياني وبقيت مشيختها في عقبه.
48- زاوية ام الرزم (برقة) كان أول شيخ لها هوا لمرتضى فركاش فأبنه المرتضى الثاني، فالأمين فركاش، فمحمد الأمين فركاش.
49- زاوية مصراته (طرابلس) وكان أول شيخ لها خليفة شنيشح.
50- زاوية زليتن (طرابلس).
51- زاوية زلة (طرابلس).
52- زاوية الجريد (تونس) وكان أول شيخ لها هو العلامة محمد ابن الصادق.
هذه بعض المراكز الاصلاحية التي تمكنت من ذكرها في زمن ابن السنوسي ولا ازعم أني استطعت حصرها كلها، وهذا يدلنا على انتشار الحركة وتوسعها واقبال الناس عليها، وقوة نظامها ، وحسن إدراتها.
إن القدرة التنظيمية عند ابن السنوسي تظهر للباحث في ركيزتها الأولى ألا وهي نظام الزوايا، حيث طور نظام الزوايا المتعارف عليه في الشمال الأفريقي.
إن ديننا الاسلامي حثنا على النظام في كل شيء، فلابد إذاً من تعويد النفس وضبطها على النظام ، فالمسلم لايتربى تربية منظمة، إلا إذا كان في جماعة منظمة ذات ارتباط ونظام ودقة في كل شيء وفي كل أمر ، كما أن هذه الجماعة لها هدف جماعي ، يتحقق بتعاون الفرد وأخوانه في بوتقة الطاعة والنظام.
ويلاحظ الباحث أن جل الزوايا ترتكز في الصحارى، وهذا يرجع الى اهتمام ابن السنوسي بالبوادي ، لأنه اراد أن يعمل بحرية بعيداً عن متناول يد السلطة ، فأوغل في الأماكن، ولأنه رأى في أهل البادية تربة خصبة يزرع فيها أفكاره الاصلاحية ووجد فيهم نفوساً متهيئة لحمل الدعوة ، كما كانوا أكثر استجابة واندفاعاً من غيرهم لحمل تعاليم الحركة، لذلك وقع اختيار ابن السنوسي على برقة كمركز لنشاطه حيث كانت تقطنها عدة قبائل بدوية تحمست للدعوة الإسلامية وكانت مؤسسات الحركة تناسب البادية واحتياجات أهلها، فأوجد الزاوية السنوسية ونظمها لتكفي حاجات المحيطين بها التعليمية والقضائية، والاقتصادية، والسياسية، والتربوية، ولذلك نجحت الحركة في البوادي، ولم تنتشر الدعوة في المدن، فأهل المدن لم يكونوا بحاجة إلى مؤسسات الحركة، فعندهم المؤسسات الحكومية التي تؤدي لهم الخدمات التعليمية والقضائية والاقتصادية، والسياسية، ولذلك نلاحظ أن الزوايا التي أسست في المدن لم تكن تقوم بوظائفها، كما تقوم بها زوايا البادية، كما أنه كان دورها كحلقة وصل بين الحركة في البادية والحضر، كزوايا بنغازي، ودرنة، وطرابلس.
إن الاهتمام بدعوة القبائل مهم جداً، وحصر الدعوة في المدن وطبقات معينة من المجتمع يتنافى مع أصول دعوة الإسلام الخالدة ولذلك لابد بالاهتمام بالبدو والأرياف وكل طبقات المجتمع لتوصيلها دعوة الله تعالى.
(........ كثيراً ما حصرت الدعوة الإسلامية الحديثة في المدن حتى إن بعض العاملين في الحقل الإسلامي لا يعرفون شيئاً عن قرى مدينتهم ولا عن ريفها ولا عن القبائل البدوية الموجودة حولها إن كانت وهذا إخلال بواجب شرعي.. ).
( إن التخطيط للعمل الإسلامي للريف والقبائل البدوية مهماً جداً وأعظم شيء نخدم به في هذا المجال هو العثور على ناس من أهل القرى ومن البدو ويدرسون الدراسة الشرعية الإسلامية ليرجعوا إلى أهليهم دعاة، وإنه لأجر كبير أن يتولى بعض أغنياء المسلمين الإنفاق على أمثال هؤلاء، فهذا النوع من التخطيط يحقق قوله تعالى : ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: 122].
ومن التخطيط الذي ينبغي أن يسعى إليه أن توجد العلاقات وصدقات بين أهل المدينة وأهل الريف بحيث تكون زيارات متبادلة ينزل فيها عند أخيه الحضري وينزل الحضري فيها عند أخيه الريفي والأصل في هذا الحديث الشريف " زاهر باديتنا ونحن حاضرته ".
إن زهراً الأشجعي صحابي جليل كان رسول صلى الله عليه وسلم يحبه ويمازحه وهو من أهل البادية، وعندما يأتي للمدينة على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم ينزل عنده.
لقد تحدث الدعاة عن ضرورة الإهتمام بالأرياف والقبائل والمقصود من الحديث أن أهل البادية أصحاب فطرة سليمة، ومحبة للدين عظيمة ويحتاجون للإرشاد والتوجيه، والتعليم، والتربية، ثم ينتظر منهم بعد ذلك خير عظيم في مجالات عديدة، وهذا ماحدث مع ابن السنوسي عندما اهتم بالقبائل والبوادي.

للاطلاع على النسخة الأصلية للكتاب راجع الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022