الخميس

1446-04-14

|

2024-10-17

ما يستفاد من سيرة الصديق... الخلاصات والإستنتاجات ج٢

بقلم: د. علي محمد الصلابي

الحلقة الثالثة والخمسون

-الخلافة الإِسلاميَّة هي المنهج الَّذي اختارته الأمَّة الإِسلاميَّة، وأجمعت عليه طريقةً، وأسلوباً للحكم، تنظم من خلاله أمورها، وترعى مصالحها، وقد ارتبطت نشأة الخلافة بحاجة الأمَّة لها، واقتناعها بها، ومن ثمَّ كان إِسراعُ المسلمين في اختيار خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالخلافة هي نظام حكم المسلمين، وقد استمدَّت أصولها من دستور المسلمين من القران الكريم، ومن سنَّة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وقد تحدَّث الفقهاء عن أسس الخلافة الإِسلاميَّة، فقالوا بالشُّورى، والبيعة، وهما أصلان قد أشير إِليهما في القران الكريم.
- تحدَّث العلامة أبو الحسن النَّدوي عن شروط خلافة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ومتطلَّباتها، وقد أثبت بالأدلَّة والحجج من خلال سيرة الصِّدِّيق بأنَّ أبا بكرٍ كانت شروط خلافة النبي صلى الله عليه وسلم متحقِّقةً فيه.
-بعد البيعة العامَّة للصِّدِّيق ألقى خطبةً على الأمَّة تعتبر من عيون الخطب الإِسلاميَّة على إِيجازها، فقد بيَّن فيها منهجه لقيادة الدَّولة، وقرَّر فيها قواعد العدل والرَّحمة في التعامل بين الحاكم والمحكوم، وركَّز على أنَّ طاعة ولي الأمر مترتبةٌ على طاعة الله ورسوله، ونصَّ على الجهاد في سبيل الله؛ لأهمِّيته في إِعزاز الأمَّة، وعلى اجتناب الفاحشة؛ لأهمِّية ذلك في حماية المجتمع من الانهيار، والفساد.
-أراد الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ أن ينفِّذ السِّياسة الَّتي رسمها لدولته، واتَّخذ من الصَّحابة الكرام أعواناً يساعدونه على ذلك، فجعل أبا عبيدة بن الجرَّاح أمين هذه الأمَّة (وزير المالية)، فأسند إِليه شؤون بيت المال، وتولَّى عمر بن الخطاب القضاء (وزارة العدل)، وباشر الصِّدِّيق القضاء بنفسه أيضاً، وتولَّى زيد بن ثابت الكتابة (وزير البريد والمواصلات)، وأحياناً يكتب له من يكون حاضراً من الصَّحابة، كعليِّ بن أبي طالبٍ، أو عثمان بن عفَّان رضي الله عنهم. وأطلق المسلمون على الصِّدِّيق لقب خليفة رسول الله، ورأى الصَّحابة ضرورة تفريغ الصِّدِّيق لمنصب الخلافة، وتكفَّلت الأمَّة بنفقاته الخاصَّة.
-عاش الصِّدِّيق بين المسلمين كخليفة لرسول الله، فكان لا يترك فرصةً تمرُّ إِلا علَّم النَّاس، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، فكانت مواقفه تشعُّ على مَنْ حوله من الرَّعيَّة بالهدى، والإِيمان، والأخلاق.
- يعتبر عهد الصِّدِّيق بداية العهد الراشديِّ؛ الَّذي تتجلَّى أهمِّيته بصلته بالعهد النَّبويِّ، وقربه منه، فكان العهد الرَّاشدي عامَّةً، والجانب القضائيُّ خاصَّةً امتداداً للقضاء في العهد النَّبويِّ، مع المحافظة الكاملة والتّامة على جميع ما ثبت في العهد النبويِّ، وتطبيقه بحذافيره، وتنفيذه بنصِّه، ومعناه.
-كان أبو بكر يستعمل الولاة في البلدان المختلفة، ويعهد إِليهم بالولاية العامَّة في الإدارة، والحكم، والإِمامة، وجباية الصَّدقات، وسائر أنواع الولايات، وكان ينظر إِلى حسن اختيار الرَّسول للأمراء والولاة على البلدان، فيقتدي به في هذا العمل، ولهذا نجده قد أقرَّ جميع عمَّال الرَّسول الَّذين توفَّى الرسول صلى الله عليه وسلم وهم على ولايتهم، ولم يعزل أحداً منهم إلا ليعيِّنه في مكانٍ اخر أكثر أهمِّيَّةً من موقعه الأوَّل، وجرضاه كما حدث لعمرو بن العاص، وكانت مسؤوليَّات الولاة في عهد أبي بكر الصِّدِّيق بالدرجة الأولى امتداداً لصلاحيتهم في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ، خصوصاً الولاة الذين سبق تعيينهم أيَّام الرَّسول صلى الله عليه وسلم .
- وردت أخبارٌ كثيرةٌ في شأن تأخُّر عليٍّ عن مبايعة الصِّدِّيق ـ رضي الله عنهما ـ وكذا تأخَّر الزُّبير بن العوَّام، وجُلُّ هذه الأخبار ليس بصحيحٍ إِلا ما رواه ابن عباسٍ ـ رضي الله عنهما ـ قال: إِنَّ عليّاً، والزُّبير، ومن كان معهما تخلَّفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله، فقد كان انشغال جماعةٍ من المهاجرين وعلى رأسهم عليُّ بن أبي طالبٍ بأمر جهاز رسول الله، من تغسيلٍ، وتكفينٍ، وقد بايع الزُّبير ابن العوَّام، وعليُّ بن أبي طالب رضي الله عنهما أبا بكرٍ في اليوم التَّالي لوفاة الرَّسول، وهو يوم الثلاثاء .
-عندما سئل الصِّدِّيق عن ميراث رسول الله، قال للسَّيدة فاطمة، والعبَّاس عمِّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : سمعت رسول الله يقول: «لا نورث؛ ما تركنا صدقةٌ، وإِنَّما يأكل ال محمَّدٍ من هذا المال» وفي روايةٍ: قال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ: لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إِلا عملت به، فإِنِّي أخشى إِن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ. ومن الثَّابت تاريخيّاً: أنَّ أبا بكر دام أيَّام خلافته يعطي أهل البيت حقَّهم في فيء رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، ومن أموال فدك، وخمس خيبر، إِلا أنَّه لم ينفذ فيها أحكام الميراث عملاً بما سمعه من رسول الله.
- بيَّن الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ في خطبته طبيعة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنَّه ليس خليفةً عن الله، بل عن رسوله صلى الله عليه وسلم وأنَّه بشرٌ غير معصومٍ لا يطيق ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيقه بنبوَّته، ورسالته، فهو في سياسته متَّبعٌ، وليس بمبتدعٍ.
-من الدُّروس، والعبر في بعث جيش أسامة ـ رضي الله عنه ـ: أنَّ الأحوال تتغيَّر، وتتبدَّل، والشَّدائد لا تشغل أهل الإِيمان عن أمر الدِّين، والمسيرة الدَّعوية لا ترتبط بأحدٍ، ووجوب اتِّباع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وحدوث الخلاف بين المؤمنين، وردّه إِلى الكتاب والسُّنَّة، وجعل الدَّعوة مقرونةً بالعمل، ومكانة الشباب في خدمة الإِسلام، وروعة الآداب الإِسلاميَّة في الجهاد، وتحقيق جيش أسامة لأهدافه، فقد ضعفت جبهة الردَّة في الشَّمال، وأصبحت من أضعف الجبهات.
-إنَّ الردَّة الَّتي قامت بها القبائل العربيَّة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لها أسبابٌ، منها: هول الصَّدمة بموت رسول الله، ورقَّة الدِّين، والسُّقْم في فهم نصوصه، والحنين إِلى الجاهليَّة ومقارفة موبقاتها، والتفلة من النِّظام، والخروج على السُّلطة الشَّرعيَّة، والعصبيَّة القبليَّة، والطَّمع في الملك، والتكسُّب بالدِّين، والشُّحُّ بالمال، والتَّحاسد، والمؤثرات الأجنبيَّة كدور اليهود، والنَّصارى، والمجوس.
-وأمَّا أصناف الردَّة: فمنهم من ترك الإِسلام جملةً وتفصيلاً، وعاد إِلى الوثنيَّة، وعبادة الأصنام، ومنهم من ادَّعى النُّبوَّة، ومنهم من عاد إِلى ترك الصَّلاة، ومنهم من بقي يعترف بالإِسلام، ويقيم الصَّلاة، ولكنَّه امتنع عن أداء الزَّكاة، ومنهم من شَمِتَ بموت الرَّسول صلى الله عليه وسلم ، وعاد أدراجه يمارس عاداته الجاهليَّة، ومنهم من تحيَّر وتردد وانتظر على من تكون الدَّبرة، وكلُّ ذلك وضَّحه علماء الفقه، والسِّير.
-كان موقف الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ من المرتدِّين لا هوادة فيه، ولا مساومة فيه، ولا تنازل، ويرجع إِليه الفضل الأكبر ـ بعد الله تعالى ـ في سلامة هذا الدِّين، وبقائه على نقائه، وصفائه، وأصالته، وقد أقرَّ الجميع، وشهد التَّاريخ بأنَّ أبا بكرٍ قد وقف في مواجهة الردَّة الطَّاغية، ومحاولة نقض عرا الإِسلام عروةً عروةً موقف الأنبياء والرُّسل في عصورهم، وهذه خلافة النُّبوَّة الَّتي أدَّى أبو بكر حقَّها، واستحقَّ بها ثناء المسلمين ودعاءهم إِلى أن يرث الله الأرض وأهلها.
-إِنَّ من الحقائق الأساسيَّة حول هذه الفتنة: أنَّها لم تكن شاملةً لكلِّ النَّاس كشمولها الجغرافي، بل إِنَّ هناك قادةً، وقبائل، وجماعاتٍ، وأفراداً تمسَّكوا بدينهم في كلِّ منطقة.
-في حروب الردَّة باليمن ظهرت صورتان مختلفتان للنِّساء؛ صورة المرأة الطَّاهرة العفيفة؛ الَّتي تقف مع الإِسلام، وتحارب الرَّذيلة، وتقف مع المسلمين لكبح جماح شياطين الإِنس والجنِّ مثل(ازاد) الفارسيَّة زوج شهر بن باذان، وابنة عم فيروز الفارسي، وصورة أخرى كالحةٌ مظلمةٌ، وهي ما قامت به بعض بنات اليمن من يهود وَمَنْ لفَّ لفهن في حضرموت، فقد طرن فرحاً بموت رسول الله، فأقمن الليالي الحمراء مع المُجَّان والفسَّاق يشجعن على الرَّذيلة، ويزرين بالفضيلة، فقد رقص الشَّيطان فيها معهنَّ، وأتباعه طرباً لنكوص النَّاس عن الإِسلام، والدَّعوة إِلى التمرُّد عليه، وحرب أهله .
-كان بعض أهل اليمن لهم مواقف عظيمةٌ في الثَّبات على الحقِّ، والدَّعوة إِلى الإِسلام، وتحذير قومهم من خطورة الردَّة، ومن هؤلاء كان مران بن ذي عمير الهمدانيُّ أحد ملوك اليمن، وعبد الله بن مالك الأرحبية، وكان من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وشرحبيل بن السِّمْط، وابنه في بني معاوية مِنْ كندة.

للاطلاع على النسخة الأصلية للكتاب راجع الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي، وهذا الرابط:
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book01(1).pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022