السبت

1446-06-27

|

2024-12-28

(تنظيف المساجد وصيانتها)

اقتباسات من كتاب " فقه الصلاة" للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله)

الحلقة: السابعة و الخمسون

جمادى الآخرة 1444ه/ ديسمبر 2022م

إذا كان الإسلام نهى عن المغالاة في بناء المساجد وتشييدها، إلا أنه أوجب تنظيفها وتطهيرها وتطييبها وصيانتها وتنزيهها عن كلِّ ما يَشينها، أو يشوِّه جمالها، قال الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور:36]، أي أمر أن يُرفَع شأنُها، وتنزَّه أرضها وجدرانها عن القاذورات، وتُصان عن القبائح والمحرَّمات.

وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدُّور، وأن تنظَّف وتطيَّب.

وعن سَمُرة رضي الله عنه، أنه كتب إلى ابنه: أما بعد، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في دورنا، ونصلح صنعتها وتطهيرها.

وقد عظَّم النبي صلى الله عليه وسلم شأن مَن يكنس المسجد وينظِّفه، فصلَّى عليه بعد دفنه، وعاتب أصحابه إذ لم يعلموه بموته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن امرأة سوداء كانت تقُمُّ المسجد - أو شابًّا - ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها - أو عنه - فقالوا: مات. قال: "أفلا كنتم آذنتموني". قال: فكأنهم صغَّروا أمرها - أو أمره - فقال: "دلوني على قبره" فدلوه، فصلى عليها، ثم قال: "إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم".

وقد ذمَّ النبي صلى الله عليه وسلم من رأى أذى في المسجد ولم يرفعه أو يُزلْه، فعن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عُرضت عليَّ أعمال أمتي: حَسَنُها وسيئُها، فوجدت في محاسن أعمالها، الأذى يُماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن".

قال الإمام النووي رحمه الله: «هذا ظاهره أن هذا القُبح أو الذمَّ لا يختصُّ بصاحب النخاعة، بل يدخل فيه هو وكلُّ من رآها ولا يزيلها بدفن أو حكٍّ، أو نحوه».

ويجب أن يُصان المسجد عن الروائح الخبيثة، التي تؤذى المصلِّين والملائكة، لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزلنا - أو ليعتزل مسجدنا - وليقعد في بيته". وفي لفظ لمسلم: "فإن الملائكة تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنو آدم".

ويقاس على الثوم والبصل: كلُّ ما له رائحة كريهة يتأذَّى بها الناس، كالفجل والكرَّاث، والدخان، والثياب القذرة؛ لأن إيذاء الناس حرام، فلا ضرر ولا ضرار.

وينبغي للمسلم أن يتَّجنب كلَّ ما يؤذي إخوانه المصلين من جهته، أو يجلب عليهم ضررًا بوجه من الوجوه، فمن كان مصابًا بمرض تحصل به العدوى بسرعة مثل «الأنفلونزا» فأولى به أن يدع الجماعة في المسجد لهذا السبب، وله الأجر بنيته.

وينبغي صيانة المسجد عن البيع والشِّراء، وإنشاد الشِّعر، والتحلُّق يوم الجمعة، وإنشاد الضِّالة، لحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تناشد الأشعار في المسجد، وعن البيع والشِّراء فيه، وأن يتحلَّق النِّاس يوم الجمعة قبل الصَّلاة.

أما إنشاد الأشعار، فقال أهل العلم: لا بأس بإنشاد الشعر في المسجد إذا كان مدحًا للنبوَّة أو الإسلام، أو كان حكمة، أو في مكارم الأخلاق، أو الزهد ونحو ذلك من أنواع الخير، وأما ما فيه شيء مذموم كهجو أو غير ذلك فحرام. فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن عمر رضي الله عنه مرَّ بحسَّان رضي الله عنه وهو ينشد الشِّعر في المسجد، فلحظ إليه، فقال: قد كنتُ أنشدُ وفيه مَن هو خير منك. ثم التفتَ إلى أبي هريرة فقال: أنشدك الله، أسمعتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أجب عنِّي، اللهم أيِّده بروح القدس"؟ قال: اللهم نعم.

وأما البيع والشراء في المسجد، فيحرم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم مَن يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك". والحديث يدلُّ على تحريم البيع والشراء في المسجد، وزجر من يفعل بقول: لا أربح الله تجارتك.

والحكمة من النهي عن الجلوس في المسجد في حلقات قبل صلاة الجمعة، هي إتاحة الفرصة لجلوس الناس صفوفًا متراصِّين، ولأن الناس قد أُمروا بالتبكير إلى صلاة الجمعة، والقرب من الإمام، والتحلُّق قبل الصلاة يوهم غفلتهم عن الأمر الذي نُدبوا إليه، فإذا فرغوا من صلاة الجمعة فلا حرج ولا كراهة، في أن يتحلق الناس في المساجد.

وأما نشدان الضَّالة (وهي الشيء الضائع)، فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنه في المساجد تنزيهًا لها، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن سمع رجلًا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردَّها الله عليك. فإن المساجد لم تُبنَ لهذا".

هذه الحلقة مقتبسة من كتاب فقه الصلاة للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله) صص128-125


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022