(في مسألة بناء المسجد على الأرض المغصوبة)
اقتباسات من كتاب " فقه الصلاة" للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله)
الحلقة: الستون
جمادى الآخرة 1444ه/ يناير 2023م
يجب عند بناء المسجد: أن تكون الأرض التي يبنى عليها غير مغصوبة ولا مستولى عليها بطريقة غير شرعية، من طرق أكل المال بالباطل.
وقد ذهب بعض الأئمة إلى أن الأرض المغصوبة لا تصح الصلاة فيها، وتقع باطلة، وعلى المصلي أن يعيد الصلاة في مكان آخر غير مغصوب. وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة.
وذهب الآخرون- من الحنفية والمالكية والشافعية- إلى أن المصلي يأثم بالصلاة في الأرض المغصوبة، وإن لم تبطل صلاته.
وحجة الجمهور على صحة الصلاة: انعقاد الإجماع قبل مخالفة الإمام أحمد، قال الغزالي في «المستصفى»: هذه المسألة قطعية ليست اجتهادية، والمصيب فيها واحد؛ لأن من صحَّح الصلاة أخذه من الإجماع، وهو قطعي، ومن أبطلها أخذه من التضادِّ الذي بين القُربة والمعصية، ويدَّعي كون ذلك محالًا بالعقل، فالمسألة قطعية، ومن صحَّحها يقول: هو عاص من وجه، متقرِّب من وجه، ولا استحالة في ذلك، إنما الاستحالة في أن يكون متقرِّبًا من الوجه الذي هو عاص به.
قال الإمام الشيرازي في « المهذب»: «لا يجوز أن يصلِّي في أرض مغصوبة؛ لأن اللُّبث فيها يحرم في غير الصلاة، فلأن يحرم في الصلاة أولى. فإن صلَّى فيها صحت صلاته؛ لأن المنع لا يختص بالصلاة، فلم يمنع صحتها».
ونقل الإمام النووي اختلاف أصحابه من الشافعية: هل في هذه الصلاة ثواب أو لا؟ فمنهم من قال: يسقط بها الفرض ولا ثواب فيها، ومنهم من قال: هو مثاب على فعله، عاص بمقامه.
وهذا الخلاف بين الأئمة يدلنا على ضرورة أن يقوم المسجد في أرض طيبة مملوكة للباني، أو تبرع له بها مَن يملكها، ومن ذلك أن يكون من الموات، أو من أراضي الدولة، وتعطيه إذنًا بالبناء فيها، أو نحو ذلك.
وذلك لأن شريعة الإسلام تحترم حقوق الأفراد، ومنها حق الملكية، فمن ثبتت ملكيته لشيء بطريقة مشروعة، فلا يجوز أن يُغتصب ملكه ظلمًا، لأي سبب ولو كان لإقامة مسجد به، إلا أن تطيب نفسه به ببيع أو هبة، وإلا كان هذا من كبائر الإثم عند الله تعالى.
ولا مانع أن يساهم في شراء أرض المسجد أو بنائه بأموال أصلها محرَّم، ولكن تطهَّر منها صاحبها، كأن تكون فوائد تجمعت له لدى بنوك ربوية، أو مالًا حراما أو فيه شبهة ورثه من أبيه أو جده ولا يعلم صاحبه... أو نحو ذلك، فهذا المال حرام على من كسبه أن يستفيد منه، ولكنه حلال للفقراء ولجهات الخير، ومنها المساجد ونحوها، وقد صدرت الفتوى بذلك من المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي.
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب فقه الصلاة للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله) صص132-131