(الجهر بالقراءة في موضعه والإسرار في موضعه من سنن الصلاة)
اقتباسات من كتاب "فقه الصلاة" للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله)
الحلقة: السبعون
شعبان 1444ه/ فبراير 2023م
ويسن للمصلي أن يقرأ جهرًا في الصلاة الجهرية، ويُسِر بالقراءة في الصلاة السرية، والمواضع التي يسنّ فيها الجهر بالقراءة هي: ركعتا الفجر، والركعتان الأوليان من صلاتي المغرب والعشاء، وصلاة الجمعة، والعيدين، وخسوف القمر، وصلاة الاستسقاء، والتراويح، ووتر رمضان، كل ذلك بالنسبة للإمام والمنفرد فقط، ويسنّ الإسرار فيما عدا ذلك، والدليل على ذلك ما تواتر من السنة العملية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة سلفًا وخلفًا على ذلك.
أما الإمام فقد أوجب الحنفية عليه أن يجهر فيما يجهر فيه ويسر فيما يسر فيه، وهو سنة عند غيرهم.
حكم التعوذ عند آيات العذاب والسؤال عند آيات الرحمة:
ويباح للإمام والمنفرد أن يتعوَّذا عند آيات الوعيد، وأن يسألا عند آيات الرحمة، لحديث حذيفة رضي الله عنه يصف قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل: يقرأ مترسِّلًا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مرَّ بتعوُّذ تعوَّذ. وفي رواية النسائي: لا يمر بآية تخويف أو تعظيم لله عز وجل إلا ذكره.
وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه صلَّى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يقول في ركوعه: "سبحان ربي العظيم". وفي سجوده: "سبحان ربي الأعلى". وما أتى على آية رحمة إلا وقف وسأل، وما أتى على آية عذاب إلا وقف وتعوَّذ.
ومع ذلك اختلف العلماء في موضع هذه الأحاديث على أقوال:
الأول: ذهب الأحناف إلى أنه مندوب للمنفرد فقط، دون الإمام والمأموم، فهو بدعة في حقهما.
قال الكاساني: «وأما الإمام في الفرائض فيكره له ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله في المكتوبات، وكذا الأئمة بعده إلى يومنا هذا، فكان من المحدثات؛ ولأنه يُثْقِل على القوم، وذلك مكروه، ولكن لا تفسد صلاته؛ لأنه يزيد في خشوعه، والخشوع زينة الصلاة، وكذا المأموم يستمع وينصت، لقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204]».
وقال ابن عابدين: «منع الإمام منه في التراويح؛ لئلا يُثقل على المأمومين، ومنع المأمومين منه؛ لأن وظيفتهم الاستماع للقرآن، وحصر حديث حذيفة بالصورة التي مثله، وهي اقتداء واحد أو اثنين بإمام».
الثاني: أنه مندوب في النافلة دون الفريضة؛ لأن الحديث فيها، وهو قول ابن قدامة من الحنابلة، قال: «ويستحب للمصلي نافلة إذا مرَّت به آية رحمة أن يسألها، أو آية عذاب أن يستعيذ منها؛ لما روى حذيفة... ولا يستحب ذلك في الفريضة؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في فريضة، مع كثرة من وصف قراءته فيها».
الثالث: كراهيته في الفريضة، ومشروعيته في النافلة. وهو مذهب المالكية، ففي مختصر خليل: «وكُرِها بفرض [يعني البسملة والتعوذ]: كدعاء قبل قراءة وبعد فاتحة وأثناءها وأثناء سورة».
وفي شرحه قال الخرشي: «يعني: أنه يكره في هذه المواضع الدعاء، كما تكره البسملة والتعوذ في الفرض، لكن قوله: «وأثناءها وأثناء سورة» هو في الفرض، وأما في النفل فجائز».
وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى: «إن سمع مأموم ذكره عليه الصلاة والسلام فصلَّى عليه، أو ذكر الجنة فسألها، أو النار فاستعاذ منها، فلا بأس، ويخفيه، ولا يكثر»((.
الرابع: استحباب ذلك مطلقا في الفرض والنفل، للإمام والمأموم والمنفرد، وهو قول الشافعية وبعض الحنابلة.
قال النووي رحمه الله تعالى: «قال الشافعي وأصحابنا: يسنُّ للقارئ في الصلاة وخارجها إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى الرحمة... ويستحب ذلك للإمام والمأموم والمنفرد... لأنه دعاء، فاستووا فيه كالتأمين».
وقال الحجاوي من الحنابلة: «وله السؤال والتعوُّذ في فرض ونفل، عند آية رحمة أو عذاب».
وهذا القول هو قول الظاهرية، قال ابن حزم رحمه الله تعالى: «ونستحب لكل مصلٍّ إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ بالله عز وجل من النار».
والذي نرى أنه أعدل الأقوال، والموافق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، أنه يستحب ذلك في النافلة، ويباح في الفريضة بلا استحباب، والسنة تركه.
تكبيرات الانتقال:
وهي سنة بلا خلاف، وهو أن يكبِّر المصلي عند الشروع في الركوع، وعند الشروع في السجود، وعند الرفع منه، وعند القيام.
أمّا عند الرفع من الركوع، فالسنة أن يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد. لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبِّر حين يقوم، ويكبِّر حين يركع، ثم يقول: "سمع الله لمن حمده". حين يقيم صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: "ربنا ولك الحمد". ثم يكبِّر حين يهوي للسجود، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها، ويكبِّر حين يقوم من الثِّنْتين بعد الجلوس".
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب فقه الصلاة للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله) صص176-171