(التسبيح عند الركوع والسجود من سنن الصلاة)
اقتباسات من كتاب "فقه الصلاة" للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله)
الحلقة: الواحدة والسبعون
شعبان 1444ه/ مارس 2023م
وهو سنة عند الجمهور، وكيفية ذلك أن يقول إذا استقر راكعًا: سبحان ربي العظيم، وأن يقول إذا استقر ساجدًا: سبحان ربي الأعلى.
فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: لما نزلت {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:74]؛ قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في ركوعكم". فلما نزلت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] قال: "اجعلوها في سجودكم". وعن حذيفة رضي الله عنه قال: صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فكان يقول في ركوعه: "سبحان ربي العظيم". وفي سجوده: "سبحان ربي الأعلى".
والذي عليه الجمهور أنّ أقل ما يجزئ في الركوع والسجود تسبيحة واحدة، وينبغي ألَّا ينقص التسبيح في الركوع والسجود عن ثلاث تسبيحات.
وقال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم، يستحبون ألا ينقص الرجل في الركوع والسجود عن ثلاث تسبيحات، وروي عن ابن المبارك أنه قال: أستحب للإمام أن يسبح خمس تسبيحات لكي يدرك من خلفه ثلاث تسبيحات. وهكذا قال إسحاق بن إبراهيم.
ومن السنة أن يأتي في سجوده بشيء من الأذكار والأدعية التي كان يدعو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها:
ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي". يتأوَّل القرآن. تعني بذلك ما جاء في سورة النصر: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:1-3].
وعنها رضي الله عنها قالت: كان صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: "سبُّوح قدُّوس، ربُّ الملائكة والروح".
وفي حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم قال في ركوعه وسجوده: "سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة".
وعن علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع قال: "اللهم لك ركعتُ، وبك آمنتُ، ولك أسلمتُ، خشع لك سمعي وبصري ومخِّي وعظمي وعصبي".
النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود واستحباب الدعاء في السجود:
نُهِيَ النبي صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، فقال: "ألا وإني نُهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، وأما الركوع، فعظِّموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود، فاجتهدوا في الدعاء، فقمنٌ أن يستجاب لكم". والنهي للنبي صلى الله عليه وسلم نهي لأمته.
وعن علي رضي الله عنه: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن وأنا راكع أو ساجد.
والدعاء في السجود مطلوب، لقوله صلى الله عليه وسلم: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء". ما لم يكن المصلي إمامًا فيثقل على من خلفه، أو مأمومًا فيخالف إمامه.
وقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية كثيرة، منها:
ما رواه علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد يقول: "اللهم لك سجدتُ، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه فصوره، فأحسن صُوَره، فشق سمعه وبصره: فتبارك الله أحسن الخالقين".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما يصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التهجد، قال: ثم خرج إلى الصلاة، فصلى، وجعل يقول في صلاته أو في سجوده: "اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، وعن يميني نورًا، وعن يساري نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورًا، وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، واجعلني نورًا". قال شعبة: أو قال: "اجعل لي نورًا".
وعن عائشة: أنها فقدت النبي صلى الله عليه وسلم من مضجعه، فلمسته بيدها، فوقعت عليه وهو ساجد، وهو يقول: "رب، أعط نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها".
وعن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: "اللهم اغفر لي ذنبي كله، دِقَّه وجِلَّه، وأوله وآخره، وعلانيته وسِرَّه".
وعن عائشة قالت: فقدتُ النبي صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلة، فلمستُه في المسجد (تعني: التمستُه)، فإذا هو ساجد، وقدماه منصوبتان، وهو يقول: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسك".
وعنها أنها فقدته صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فظنَّت أنه ذهب إلى بعض نسائه، فتحسَّسته، فإذا هو راكع أو ساجد يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت". فقالت: بأبي أنت وأمي، إني لفي شأن، وإنكَ لفي شأن آخر.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول وهو ساجد: "اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني. اللهم اغفر لي جِدِّي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وأنت على كل شيء قدير".
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب فقه الصلاة للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله) صص179-175