الأحد

1446-05-15

|

2024-11-17

يتصل فتح الأندلس، في كثير من جوانبه، بسياسة الفتوح في المغرب، وإن الأسباب التي دفعت المسلمين إلى عبور المضيق لها علاقة بالأوضاع التي عاش في ظلها السكان قبل الفتح، وهي دينية وجغرافية وسياسية وشخصية.

عبور طارق بن زياد والانتصارات الأولى

إن نجاح طريف بن مالك في بعثته التي استطلع فيها أوضاع الاندلس شجع موسى بن نصير على المضي في خطته للفتح، وبعد انتهاء الاستعدادات وإتمام التجهيزات، أعد قوة عسكرية مؤلفة من سبعة آلاف مقاتل معظمهم من البربر والموالي، في حين تقدر بعض المراجع الغربية عدد جيش المسلمين بين 1,700 و12,000 مقاتل.

أرسل طارق بن زياد قوة عسكرية بقيادة عبد الملك بن أبي عامر، ففتحت مدينة قرطاجنة، ثم توجهت جنوبا وفتحت مدينة الجزيرة الخضراء الواقعة قبالة جبل طارق. فوجئ "لذريق" بنزول المسلمين في بلاده، فأسرع إلى طليطلة لحشد طاقات المملكة، وأرسل قوة عسكرية على وجه السرعة بقيادة ابن أخته "بنشيو" للتصدي لهم، فاشتبك معهم في قتال خفيف انتهى بمقتله وانتصار المسلمين، وجرت المعركة بالقرب من الجزيرة الخضراء، وفر من نجا من جنوده باتجاه الشمال ليخبروا "لذريق" بما جرى، وبفداحة الخطر القادم من الجنوب.

فتح المسلمون مدينة شذونة بعد انتهاء المعركة، ثم توجهوا نحو مدينة استجة الواقعة على الطريق المؤدي إلى قرطبة، ولما وصل إليها طارق بن زياد ضرب الحصار عليها، وبعد مرور عدة أشهر من الحصار أدرك حاكم المدينة صعوبة الاستمرار في المقاومة فاستسلم

معركة وادي لكة

طلب "لذريق" من جميع الأشراف والنبلاء والإقطاعيين أن يحشدوا المقاتلين، حتى اجتمع لديه في وقت قصير ما بين أربعين إلى مائة ألف مقاتل، كانت وجهة "لذريق" مدينة قرطبة للمحافظة عليها نظرا لأهمية موقعها، فوصل إلى ضواحيها ثم تابع زحفه باتجاه الجنوب، فأرسل طارق بن زياد إلى موسى بن نصير يشرح له الموقف ويطلب منه الإمدادات، فأمده بخمسة آلاف مقاتل بقيادة طريف بن مالك، فاستأنف طارق بن زياد زحفه باتجاه الشمال.

تقابل الجمعان يوم الأحد 28 رمضان 92هـ، واشتبكا في قتال عنيف استمر سبعة أيام، ولما تراءى الجيشان ثبت طارق في مكانه، وتكبد "لذريق" الكثير من القتلى والجرحى خلال المعركة، وفر من نجا من جنوده إلى الداخل نحو المعاقل والحصون، ثم إلى سلسلة جبال سلمنقة ليعيد تنظيم صفوف قواته، تكبد المسلمون ثلاثة آلاف قتيل، وحاز المسلمون على جميع ما كان في معسكر القوط من العدة والمتاع والمؤن والأموال.

فتح إستجة

فتح المسلمون مدينة شذونة بعد انتهاء المعركة، ثم توجهوا نحو مدينة استجة الواقعة على الطريق المؤدي إلى قرطبة، ولما وصل إليها طارق بن زياد ضرب الحصار عليها، وبعد مرور عدة أشهر من الحصار أدرك حاكم المدينة صعوبة الاستمرار في المقاومة فاستسلم، ودخل المسلمون المدينة وفرضوا الجزية على سكانها بعد تأمينهم على حياتهم ودينهم وكنائسهم، وهربت فلول القوط إلى مدن أخرى.

فتح قرطبة

أضحى الطريق مفتوحا أمام طارق بن زياد للزحف إلى قرطبة، غير أنه عدل عن خطته وقرر التوجه نحو طليطلة عاصمة القوط بسبب ما استجد فيها من أحداث، ففصل طارق بي زياد فرقة عسكرية تقدر بسبعمائة فارس، بقيادة مغيث الرومي، وأرسلهم إلى قرطبة لفتحها.

عسكر مغيث الرومي في قرية شقندة على بعد ثلاثة أميال من قرطبة، وأرسل الجواسيس للوقوف على أوضاعها، فعلم بأن النبلاء غادروا المدينة ولم يبق فيها سوى الضعفاء وحامية عسكرية تقّر بأربعمائة مقاتل بقيادة حاكم المدينة، فزحف إليها وضرب حصارا عليها واقتحمها، وفرت حاميتها إلى كنيسة تقع في غربي المدينة وتحصنت فيها، فضرب مغيث الرومي الحصار عليها، واستمر الحصار مدة ثلاثة أشهر تضايق المحاصرون واضطروا إلى إخلائها والاحتماء بجبل قرطبة، فلما شاهد أفراد الحامية ما حل بقائدهم استسلموا، فقتلهم مغيث الرومي، وأبقى على حياة القائد ليسلمه إلى الخليفة، أما مصير السكان، فإن مغيث الرومي أمنهم على حياتهم وممتلكاتهم ودينهم.

فتح طليطلة

عبر طارق بن زياد نهر الوادي الكبير، وتقدم نحو الشمال، وكانت المدينة خالية ممن يحميها أو يدافع عنها، فقد فرت منها حاميتها مع كبار رجال الدولة، عندما علموا بتقدم المسلمين باتجاه مدينتهم وعدم قدرتهم على الصمود والمقاومة، فدخلها طارق بن زياد من دون قتال، وترك فيها حامية عسكرية وغادرها باتجاه الشمال لتعقب فلول الهاربين.

عبور موسى بن نصير

استخلف موسى بن نصير ابنه عبد الله على القيروان ثم غادرها على رأس جيش يقدر بثمانية عشر ألف مقاتل معظمهم من القبائل العربية اليمنية والقيسية والشامية، ونهض موسى بن نصير من القيروان في شهر رجب من سنة 93هـ، فعبر مضيق جبل طارق وعسكر في الجزيرة الخضراء في رمضان 93هـ لعدة أيام حيث وزع المهمات العسكرية على قادته.

كان أهل ماردة يخرجون لقتال المسلمين نهارا ثم يلجأون إلى المدينة ليلا، فضرب المسلمون الحصار على المدينة بضعة أشهر، وهو أطول حصار عرفه المسلمون في الأندلس

فتح قرمونة

سار المسلمون إلى مدينة قرمونة المشهورة بحصانتها، لذا استخدم موسى بن نصير الحيلة في فتحها، فأرسل بعض الجند على هيئة المنهزمين ومعهم السلاح، فأظهروا لحاميتها أنهم أصدقاء جاؤوا فرارا من المسلمين، فسمح لهم أفراد الحامية بالدخول، وما أن حل الليل حتى هاجم هؤلاء الحراس، وفتحوا أبواب المدينة للجيش الإسلامي الذي دخلها وسيطر عليها.

فتح إشبيلية

تقدمت القوات الإسلامية بعد ذلك إلى إشبيلية التي تعد من أكبر مدن القوط بعد طليطلة، ومصدر الخطر المباشر على القوات الإسلامية التي كانت تحت قيادة طارق بن زياد في الداخل، وضربوا عليها حصارا مركزا استمر بضعة أشهر، دافع خلالها القوط عن مدينتهم بضراوة، ولم تسقط المدينة إلا بعد أن تلقى موسى بن نصير مساعدات من الداخل، وفرت حاميتها إلى مدينة باجة المجاورة وانضمت إلى جموع القوط بها، وشكلت المدينة، بفعل أهمية موقعها، إحدى القواعد الدفاعية الكبرى للمسلمين في الأندلس.

حصار ماردة وفتحها

واصل المسلمون تقدمهم حتى ماردة الواقعة في شمال غربي الأندلس، وكانت ماردة هذه آخر العواصم القديمة الأربع للقوط بعد طليطلة وإشبيلية وقرطبة، وكانت حصينة جدا، مضى إليها موسى بن نصير فقاتله أهلها قتالا شديدا، وكان أهل ماردة يخرجون لقتال المسلمين نهارا ثم يلجأون إلى المدينة ليلا، فضرب المسلمون الحصار على المدينة بضعة أشهر، وهو أطول حصار عرفه المسلمون في الأندلس، وشدد موسى الحصار على المدينة حتى يئس أهلها من الصمود في وجه المسلمين فأرسلوا وفدا إلى موسى بن نصير للتفاوض بشأن الاستسلام، فقبل أهل ماردة بذلك ووقع على الاتفاق، وفي يوم 1 شوال 94هـ، فتح السكان أبواب مدينتهم إلى المسلمين، فدخلوها ونشروا راية السلام.

فتح شمال أيبيريا

كانت مدينة سرقسطة أول هدف للحملة، فاقتربت منها القوات الإسلامية، فبعث إليهم موسى بن نصير من أمنهم وأعطاهم عهده، فطابت نفوسهم، وفتحوا أبواب مدينتهم للمسلمين، وبسيطرة المسلمين على إقليم سرقسطة طويت صفحة التاريخ القوطي في الأندلس. غادر موسى بن نصير مدينة سرقسطة متوجها إلى إقليم جليقية لفتحه، واصطحب معه طارق بن زياد، وسار طارق بن زياد على رأس قسم من الجيش كطليعة، فتقدم باتجاه مدينة أماية وفتحها ثم فتح مدينة بارد، ودخل القسم الجنوبي من إقليم أشتوريس وفتح مدينته الرئيسية أستورقة، وأقام موسى بن نصير عدة أيام في حصن لوغو، وعين طارق بن زياد على قيادتها، أما هو فكان عليه اقتحام إقليم جليقية الواقع إلى الغرب من أشتوريس، تقدم طارق بن زياد إلى أقصى شمال أشتوريس وجال هناك ففتح بلادها ولاذ الأهالي بالصلح والسلم وبذل الجزية، ومن هناك واصل تقدمه شرقا في بلاد البشكنش، وفي تلك الأثناء اقتحم موسى بن نصير جليقية وفتحها، وأتاه، وهو فيها، رسول من الخليفة الوليد بن عبد الملك يأمره بالتوقف فورا عن الفتوح والعودة إلى دمشق.

فتوحات عبد العزيز بن موسى

لم يمكث عبد العزيز بن موسى طويلا في إشبيلية، فخرج على رأس جيش يرافقه دليل من رجال يليان باتجاه الأقاليم الغربية، ففتح يابرة الواقعة بالقرب من لشبونة، وشنترين الواقعة على نهر تاجة، وأستورقة المجاورة لجليقية، وتوقف عند حدود هذه المقاطعة الجبلية، ففتح مدن رية ومالقة وغيرها من القرى التابعة لها، وسيطر على كامل مقاطعة رية، وفر معظم المدافعين القوط والإفرنج إلى الجبال للاحتماء بها، وأخضح إلبيرة، وترك فيها حامية عسكرية مشتركة من المسلمين واليهود، ثم توجه نحو مرسية في الشرق ووطد الحكم الإسلامي فيها وأخضعها رسميا للإدارة الأموية.

وبذلك استكملت عمليات الفتوح في عهد عبد العزيز بن موسى، ولم يبق خارج نطاق السيطرة الإسلامية سوى بضعة جيوب، وطويت صفحة العهد القوطي نهائيا في البلاد، وافتتحت صفحة العهد الإسلامي فيها.

 

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022