الإثنين

1446-08-11

|

2025-2-10

التمكين والشهود الحضاري الإسلامي (37)

"حدُّ القذف وأهمِّيته في المحافظة على أعراض المسلمين"

بقلم: د. علي محمد الصَّلابي

كان المجتمع الإسلاميُّ يتربَّى من خلال الأحداث، فعندما وقعت حادثة الإفك أراد المولى - عزَّ وجلَّ - أن يشرِّع بعض الأحكام الَّتي تسهم في المحافظة على أعراض المؤمنين، ولذلك نزلت سورة النُّور، الَّتي تحدَّثت عن حكم الزَّاني والزَّانية، وعن قبح فاحشة الزِّنى، وعمَّا يجب على الحاكم أن يفعله إذا ما رمى أحد الزَّوجين صاحبه، وعن العقوبة الَّتي أوجبها الله على الَّذين يرمون المحصنات، ثمَّ لم يأتوا بأربعة شهداء، إلى غير ذلك من الأحكام (آل عابد، ص 1/357).

إنَّ الإسلام حرم الزِّنى، وأوجب العقوبة على فاعله، وقد حرَّم أيضاً كل الأسباب المسبِّبة له، وكلَّ الطُّرق الموصلة إليه؛ ومنها إشاعة الفاحشة، والقذف بها؛ لتنزيه المجتمع من أن تسري فيه ألفاظ الفاحشة، والحديث عنها؛ لأنَّ كثرة الحديث عن فاحشة الزِّنى وسهولة قولها في كلِّ وقتٍ يهون أمرها لدى سامعيها، ويجرِّئ ضعفاء النُّفوس على ارتكابها، لهذا حرَّمت الشَّريعة الإسلاميَّة القذف بالزِّنى، وأوجبت على من قذف عفيفاً، أو عفيفةً، طاهراً، أو طاهرةً، بريئاً، أو بريئةً من الزِّنى، حدَّ القذف، وهو الجلد ثمانون جلدةً، وعدم قبول شهادته إلا بعد توبته توبةً صادقةً نصوحاً (الزاحم، 1991، ص 117).

هذا وقد أقام رسول الله (ﷺ) حدَّ القذف على مِسْطحٍ، وحسَّانَ، وحمنةَ، وروى محمَّد بن إسحاق، وغيره: أنَّ النَّبيَّ (ﷺ) جلد في الإفك رجلين، وامرأة: مسطحاً، وحسَّاناً، وحمنة. وذكره التِّرمذيُّ. [الترمذي (3181)، ولم يُصرِّح بذكر الأسماء، وقد صرَّح بها أبو داود (4475)].

قال القرطبيُّ: والمشهور من الأخبار، والمعروف عند العلماء: أن الَّذي حُدَّ حسانُ، ومسطحٌ، وحمنةُ، ولم يُسْمَع بحدٍّ لعبد الله بن أُبَيٍّ (القرطبي، 1965، ص 12/197-201)، وقد وردت آثار ضعيفةٌ تدل على أنَّ عبد الله بن أُبَيٍّ أقيم عليه الحدُّ، ولكنَّها كلَّها ضعيفةٌ لا تقوم بها حجَّة (القريبي، 1402ه، ص 242).

وقد ذكر ابن القيِّم وجه الحكمة في عدم حدِّ عبد الله بن أبيٍّ، فقال:

أ - قيل: لأنَّ الحدود تخفيفٌ عن أهلها، وكفارةٌ، والخبيث ليس أهلاً لذلك، وقد وعده الله بالعذاب العظيم في الآخرة، ويكفيه عن الحدِّ.

ب - وقيل: كان يستوشي الحديث، ويجمعه، ويحكيه، ويخرجه في قوالب من لا ينسب إليه.

جـ وقيل: الحدُّ لا يثبت إلا ببيِّنةٍ، أو إقرارٍ، وهو لم يقرَّ بالقذف، ولا شهد به عليه أحدٌ، فإنَّه كان يذكره بين أصحابه، ولم يشهدوا عليه، ولم يكن يذكره بين المؤمنين.

د - وقيل: بل ترك حدَّه لمصلحةٍ هي أعظم من إقامته عليه، كما ترك قتله مع ظهور نفاقه، وتكلُّمه بما يوجب قتله مراراً، وهي تأليف قومه، وعدم تنفيرهم من الإسلام.

ثمَّ قال - في ختام كلامه -: ولعلَّه ترك لهذه الوجوه كلِّها.

المراجع:

1. آل عابد، محمد بكر، حديث القرآن عن غزوات الرَّسول (ﷺ)، دار الغرب الإسلاميِّ، الطَّبعة الأولى.

2. الزّاحم، محمد عبدالله، (1991)، آثار تطبيق الشَّريعة، دار المنار، الطَّبعة الأولى، 1412 هـ 1991 م.

3. الصلابي، علي محمد، (2021)، السيرة النبوية، ج 2، ط11، دار ابن كثير، 2021، ص 155-170.

4. القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري، (1965)، تفسير القرطبيِّ، دار إحياء التُّراث العربيِّ، بيروت - لبنان، 1965 م.

5. القريبي، إبراهيم، (1402ه)، مرويات غزوة بني المصطلق، طبع المجلس العلمي بالجامعة الإسلاميَّة - المدينة المنورة، الطَّبعة الأولى، عام 1402


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022