الأحد

1446-12-12

|

2025-6-8

عظمة في اعتدال:

الحلقة الخامسة من كتاب

مع المصطفى صلى الله عليه وسلم

بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)

صفر 1443 هــ / أكتوبر 2021

وإنك لتقرأ سيرة عَلَمٍ من الأعلام فتندهش من جوانب العظمة في شخصيته، فإذا تأملت صلاحيتها للأسوة علمت أنها تصلح لهذا العَلَم في صفته وطبعه وتكوينه، ولكنها لا تصلح لغيره.

ولقد يرى الإنسان في أحوال السالفين من الجَلَد على العبادة، أو على العلم، أو على الزهد ما يشعر أنه أبعد ما يكون عن تحقيقه حتى يقول لنفسه:

لَا تَعْرِضَنَّ لِذِكْرِنَا مَعْ ذِكْرِهِمْ *** لَيْسَ الصَّحِيحُ إِذَا مَشَى كَالمُقْعَدِ

فإذا قرأ سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحس بقرب التناول وسهولة المأخذ، وواقعية الاتباع.

حتى لقد وقع من بعض أصحابه ما وقع فقال لهم: «وَاللهِ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي».

وقال: «اكْلَفُوا مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ».

وقال: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ». زاد في رواية: «وَالقَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا».

ولهذا كان خير ما يُرَبَّى عليه السالكون مدارسة سيرته وهديه، وتقليب النظر فيها، وإدمان مطالعتها، واستحضار معناها وسرها، وأخذها بكليتها دون اجتزاء أو اعتساف.

 النموذج العملي للوحي:

إن الله عز وتعالى لم يجعل لأحد وراءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المنصب الشريف: منصب القدوة والأسوة؛ لأنه جمع هَدْىَ السابقين الذين أُمر أن يقتدي بهم (فبهداهم اقتده) [الأنعام: 90] إلى ما خصَّه الله تعالى وخيَّره به من صفات الكمال ونعوت الجمال، ولهذا قال سبحانه: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا) [الأحزاب: 21].

إن حياته صلى الله عليه وسلم وحياة خلفائه الراشدين هي المذكرة التفسيرية والترجمة العِلْمية العَمَلِية لنصوص الشريعة.

ومن الخير أن تظل هذه السيرة بواقعيتها وصدقها محفوظة من تزيُّد الرواة، ومبالغات النقلة التي ربما حولتها إلى ملحمة أسطورية تعتمد على الخوارق والمعجزات، وبهذا يتخفف الناس من مقاربتها واتباعها ليكتفوا بقراءتها مع هزِّ الرؤوس وسكب الدموع وقُشَعْرِيرة البدن.

إنَّ الآيات التي تأتي مع الأنبياء حق، لكنها الاستثناء الذي يؤكِّد القاعدة، والقاعدة هي الجريان مع السنن الكونية كما هي.

رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم

http://alsallabi.com/books/view/506

كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي

http://alsallabi.com/books/7


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022