كأنك تراه (4)
الحلقة الثالثة عشر من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
ربيع الأول 1443 هــ / أكتوبر 2021
العفوية بلا تكلُّف:
ومَن يقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يلاحظ البساطة والعفوية المباشرة، يقول له ربه سبحانه: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾ [ص: 86].
فليس في سيرته صلى الله عليه وسلم تكلف ولا تعسف ولا صعوبة.
ولكن حين تقرأ سيرة بعض العلماء أو العظماء، تجد أن هؤلاء قد يُلْزِمون أنفسهم بألوان من التعامل أو ببرامج معينة، يشعر الإنسان عند قراءتها أنه عاجز عن تطبيقها والاقتداء بها؛ لكن حين تقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تشعر بأنها قريبة منك، وأن بمقدورك أن تقتدي به صلى الله عليه وسلم.
لقد قرأتُ سير كثير من العلماء، كالأئمة الأربعة، وغيرهم من أئمة الإسلام، بل ومن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين، فوجدتُ أن كثيرًا من العلماء لهم منزلة وعظمة في جوانب معينة، لكن حينما تقرأ سيرة هذا العالِم تشعر بأن بينك وبينها برزخًا وصعوبة، وأنك لن تستطيع أن تحاكيه أو تقلده في كثير من الأمور.
لكن حينما تقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تجدها قريبة منك، سهلة التناول والتطبيق، وتجد أن كل إنسان يستطيع أن يقتدي بهذه السيرة، فهي ليست خاصة بفئة معينة، أو طبقة خاصة من طبقات المجتمع.
السيرة للجميع:
فالحاكم يجد في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أُنموذج العدل والإنصاف والتواضع، وحفظ الحقوق والأموال، ورد المظالم لأهلها، ووضع الأمور في نصابها.
والعالم يجد في سيرته صلى الله عليه وسلم طريقة نشر العلم وتوصيله إلى الناس.
والداعية يجد في سيرته صلى الله عليه وسلم كيفية الصبر على ما يلاقيه، وكيفية إيصال رسالته وصوته إلى الآخرين.
والأب يجد في سيرته صلى الله عليه وسلم كيفية التعامل مع الأولاد، ومراعاة مستواهم وظروفهم.
والزوج يجد في سيرته صلى الله عليه وسلم كيفية التعامل مع الزوجة، والصبر على ما قد يصدر منها.
وهكذا الزوجة- أيضًا- تجد في سيرته صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته، وتعليمه لنسائه، ومعاملة نسائه معه صلى الله عليه وسلم ما يعينها في التعامل مع زوجها.
وهكذا.. فالغني والفقير، والصحيح والمريض، والمقيم والمسافر، والمنتصر والمهزوم، يجد بغيته في سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد تقلَّبت به صلى الله عليه وسلم الأحوال كلها، وذاق منها الكثير، وكان في كل الأحوال أُنموذجًا للعبد الرسول المطيع لربه، الذي يرى من نفسه قدوة لغيره صلى الله عليه وسلم.
إن هذا النبي الأمي صلى الله عليه وسلم هو نعمة من الله تبارك وتعالى ورحمة، كما قال الله تعالى:﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].
فلم يكن رحمة للمسلمين فحسب، ولا رحمة لفئة معينة كالعرب- مثلًا- فحسب، بل هو رحمة للعالمين بكل ما جاء به من الحق والهدى والنور، ولقد حقنت دماء، وحفظت حقوق، وقامت مصالح عظيمة للبشرية، كلها بفضل الله تبارك وتعالى، ثم بفضل بعثة هذا النبي الأمي الكريم صلى الله عليه وسلم.
بناة الحضارة:
إن هذه الأمة الأمية، التي لم تكن تقرأ ولا تكتب ولا تحسب، أقامت حضارة من أعظم الحضارات في التاريخ، وأخذت حضارات الأمم السابقة وهذبتها، وأعادت صياغتها، ثم أنتجتها للبشرية، فشهدت البشرية فتوحات عظيمة لم تكن فتوحات إمبراطورية، تعتمد على القسوة والتعسف والظلم، وإنما كانت تعتمد على الرحمة.. لقد كانت تفتح القلوب قبل أن تفتح البلاد.
رَسُولَ العُلَى وَالفَضْلِ وَالخَيْرِ وَالهُدَى *** لِكُلِّ سطُورِ المَجْدِ اِسْمُكَ مُبْـتَـدَا
وَلِي فِي مَـعَـانـيـكَ الحِسَـانِ تَــأَمُّـلٌ *** سَمِـعْـتُ به قَلْبِي يَقُـولُ مُـحَـمَّـدَا
وَيَـهْـتَـزُّ للـذِّكْــرَى حَنِـينًا وَحُـرْقَــةً *** فَيَهْتَاجُه الشَّوْقُ الَّذِي جَاوَزَ المَدَى
وَيَغْمُـرُه فَـيْـضٌ مِــنَ الـوَجْدِ سَـابِـغٌ *** يَضُـوعُ بِــه قَلْبِي أَرِيـجًـا مُـوَرِّدَا
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي