الأحد

1446-12-12

|

2025-6-8

يوم الطائف.... البلاء العظيم (1)

الحلقة التاسعة عشر من كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم

بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)

ربيع الأول 1443 هــ / أكتوبر 2021

البلاء العظيم:

يَا شَــرِيدًا مَــلَأَ الدُّنْــيَـا اسْمُــهُ * وَغَــدَا لَـحْنًا عَلَى كُلِّ الشِّفاهْ

وَغَـــدَتْ سِيــــرَتُـــهُ أُنْشُــودَةً * يَـتَـلَـقَّـاهَــا رُواةٌ عَـــنْ رُوَاهْ

لَيْتَ شعرِي هَلْ دَرَى مَنْ طَارَدُوا * عَابِدُو الــلاتِ وأتبـاعُ مَنَــاهْ

هَلْ دَرَى مَنْ طَــارَدَتْـــهُ أُمَّــــةٌ * هُبَلٌ مَعْبُودُها شَاهَـتْ وَشَــاهْ

طَــارَدَتْ فِي الغَــارِ مَنْ بَوَّأهَــا * سُؤْدُدًا لَمْ يَبْلُـغِ النَّجْــمُ مَـدَاهْ

طَارَدَتْ فِي الْبَيْـدِ مِـنْ شَــادَ لَهَا * دِينَهُ فِي الْأرْضِ جَاهًا أيّ جَاهْ

سُـؤْدُدًا عَالِــي الـذُّرَى مَا شـادَهُ * قَيْصَرٌ يومًا وَلَا كِسْــرَى بَـنَـاهْ

دخل النبي صلى الله عليه وسلم يومًا على عائشة رضي الله عنها، وجلس إليها باسطًا حديث الزوج إلى زوجه، يحكي لها ذكريات قديمة.. فسألته عائشة رضي الله عنها عن ذكريات حصلت له بعد معركة بدر وأحد وغيرها، فقالت: يا رسول الله، لقد كان يوم أحد يومًا عسيرًا، قُتل فيه مَن قُتل، وجُرح مَن جُرح- حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم شُجَّ وجهه وكُسرت رَباعِيَّته- فهل أتى عليك يوم أشد من هذا اليوم؟ قال: «نَعَمْ يَا عَائشةُ، لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ثَلاثَةِ إخوةٍ مِنْ رُؤساءِ ثَقِيفٍ، وَهُمْ: عَبْدُ يَالِيلَ بنُ عَبْدِ كُلالٍ، ومسعودٌ وحبيبٌ أبناءُ عَمْرِو بنِ عُمَيْرٍ».

هؤلاء ثلاثة نفر من أكابر قوم ثقيف، جلس إليهم صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الله وإلى نصرة الإسلام، فقال أحدهم: أما وجد الله أحدًا يرسله غيرك؟! وقال الآخر: أنا أمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك. وقال الثالث: والله لا أكلمك أبدًا، إن كنت رسولًا لأنت أعظم خطرًا من أن أرد عليك. فخرج صلى الله عليه وسلم من عندهم مهمومًا.

يقول صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «فَانْطَلَقْتُ وَأنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي». ليس همه الدنيا، ولا المتاع، ولا السلطان، وإنما همه الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى والتبليغ، وأن يتقبل منه الناس، وهذه آية الداعية الصادق، كما قال له ربه سبحانه:﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ [الكهف: 6].

فانطلق صلى الله عليه وسلم وهو مهموم، فلم يفق إلا وهو في قرن الثعالب، لقد طغى الحزن عليه وخالطه مخالطة شديدة، فلم يفق إلا في ذلك المكان، وكانت إفاقته مرهونة بسحابة فوق رأسه صلى الله عليه وسلم فيها جبريل عليه السلام، يسلِّم عليه ويقول له: «إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رُدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْـجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ. قَالَ: فَنَادَانِي مَلَكُ الْـجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ الله قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْـجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ، فَمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ».

وهذه الحادثة تدل على أن هذا الأمر- وهو محاربة الدين- ليس مرتبطًا فقط بقصة الطائف، وإنما هو مرتبط برحلة طويلة من العناد والتكذيب والكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم.

إذًا: هي سلسلة طويلة وتاريخ قديم من التكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم والعناد، ومحاولة تشويه صورة الدعوة بكل قول بذيء، وإيذاء النبي صلى الله عليه وسلم بكل فعل قبيح، حتى وإن لم يكن معروفًا عند العرب، فقد كان العرب قوم كرم وخلق، إلا أنهم لما هاجر الصحابة إلى الحبشة أرسلت قريش إلى الحبشة رجالًا يحذرونهم من النبي صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه، ويطلبون من ملك الحبشة أن يطرد من هاجر إليه من المسلمين، وأن يردهم إلى أهلهم، فهم أعلم وأدرى بهم.

رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم

http://alsallabi.com/books/view/506

كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي

http://alsallabi.com/books/7


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022