يوم الطائف... دروس عظيمة (3)
الحلقة الحادية والعشرون من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
ربيع الأول 1443 هــ / أكتوبر 2021
وفي هذه القصة إشارات:
أولًا: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هداية قومه وإن لم يؤمنوا به، ولكنه تطلع أن يخرج الله من أصلابهم من يعبده ويوحده ولا يشرك به شيئًا.
ثانيًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرض أن يقع مثل هذا الأمر؛ بل طلب من الله تعالى أن يمهلهم وينظرهم، وهذا يدل على فضل النبي صلى الله عليه وسلم على إخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإن منهم مَن استدعى العذاب على قومه بعدما أيس منهم، كما قال نوح عليه السلام: ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح: 26].
ثالثًا: أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ونبوته قائمة على الرحمة؛ ولذلك رحم هؤلاء القوم وخشي عليهم الموت على الكفر والشرك.
رابعًا: فيه إشارة إلى الصبر الذي جُبل عليه النبي صلى الله عليه وسلم، على رغم هذه المرارة المتواصلة والأذى والحرب الذي ربما لو وقع علينا جزء قليل منه لفقدنا سيطرتنا على أعصابنا وأنفسنا، وخرجنا عن طورنا، وطلبنا أن تنهار الأمور كلها بعضها على بعض، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كانت عنده سكينة وهدوء وصبر حتى في أحلك المواقف وأشدها.
خامسًا: أن الأحقادَ لا تَعْمُرُ في قلبه صلى الله عليه وسلم، فلو لم تسأله عائشة رضي الله عنها لما علمنا عن خبر الطائف وشدة ذاك اليوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سادسًا: أن في رد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ». إشارة إلى أن هذا الدين قائم على القناعة العقلية والقبول الاختياري، فهؤلاء القوم قبلوا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بعد زوال ملكهم وزوال ما يعيقهم، فرأوا الحق واضحًا، كما قال الله سبحانه:﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت: 53]. فآمنوا بالله سبحانه وتعالى، واتبعوا رسوله صلى الله عليه وسلم، ومنهم مَن قُتل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم مَن قاتل دفاعًا عنه صلى الله عليه وسلم.
بل نجد شجعان قريش أمثال خالد بن الوليد، وعكرمة بن أبي جهل، وأبي سفيان ممن حاربوا النبي صلى الله عليه وسلم وقاوموا دعوته، قد أصبحوا قادة وسادة وأئمة وعلماء، فعجل لهم الله تعالى بالخير والفرج، وليس من أصلابهم، بل منهم أنفسهم عن طريق الاقتناع، فوصل الأمر إلى نصابه ومستقره، ولهذا بعث النبي صلى الله عليه وسلم بحجج وآيات، وكانت أعظم آياته صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم الباقي والخالد، فقد كان أعظم دلالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وصدق الرسالة والنبوة، وفيه من الآيات والمعجزات الكثيرة ما يؤمن على مثله البشر، من حيث كون المعجزات غير مرتبطة بحياة النبي صلى الله عليه وسلم فقط، بل يشارك فيها الذين يأتون بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ويشاركون في مثل هذا المعنى.
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي