الثلاثاء

1446-11-01

|

2025-4-29

(في مسألة أصول الولاية في الإسلام عند ابن باديس)

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج2):

الحلقة: 176

بقلم: د. علي محمد الصلابي

محرم 1443 ه/ سبتمبر 2021م


قال ابن باديس: لما بويع لأبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ بالخلافة رقى المنبر فخطب في الناس خطبة اشتملت على أصول الولاية العامة في الإسلام، مما لم تحققه بعض الأمم إلا من عهد قريب على اضطراب منها فيه، وهذا نص الخطبة: أيها الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فسددوني.
أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم.
ألا أن أقواكم عندي الضعيف حتى اخذ الحق له، وأضعفكم عندي القوي حتى اخذ الحق منه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الأصل الأول:
لا حق لأحد في ولاية أمر من أمور الأمة إلا بتولية الأمة، فالأمة هي صاحبة الحق والسلطة في الولاية والعزل، فلا يتولى أحد أمرها إلا برضاها، فلا يورث شيء من الولايات ولا يستحق الاعتبار الشخصي، وهذا الأصل مأخوذ من قوله: «وليت عليكم» أي قد ولاني غيري وهو أنتم.
الأصل الثاني:
الذي يتولى أمراً من أمور الأمة هو أكفؤها فيه لا خيرها في سلوكه، فإذا كان شخصان اشتركا في الخيرية والكفاءة وكان أحدهما أرجح في الخيرية والاخر أرجح في الكفاءة لذلك الأمر، قدم الأرجح في الكفاءة على الأرجح في الخيرية، ولا شك أن الكفاءة تختلف باختلاف الأمور والمواطن، فقد يكون الشخص أكفأ في أمر وفي موطن لاتصافه بما يناسب ذلك الأمر، ويفيد في ذلك الموطن، وإن لم يكن كذلك في غيره ؛ فيستحق التقديم فيه دون سواه، وعلى هذا الأصل ولى النبي صلى الله عليه واله وسلم عمرو بن العاص غزاة ذات السلاسل وأمدَّه بأبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجراح فكانوا تحت ولايته وكلهم خير منه، وعليه عقد لواء أسامة بن زيد على جيش فيه أبو بكر وعمر، وهذا الأصل مأخوذ من قوله «ولست بخيركم».
الأصل الثالث:
لا يكون أحد بمجرد ولايته أمراً من أمور الأمة خيراً من الأمة، وإنما تنال الخيرية بالسلوك والأعمال، فأبو بكر إذا كان خيرهم فليس ذلك لمجرد ولايته عليهم، بل ذلك لأعماله ومواقفه، وهذا الأصل مأخوذ أيضاً من قوله: ولست بخيركم، حيث نفى الخير عند ثبوت الولاية.
الأصل الرابع:
حق الأمة في مراقبة أولي الأمر، لأنها مصدر سلطتهم وصاحبة النظر في ولايتهم وعزلهم.
الأصل الخامس:
حق الوالي على الأمة فيما تبذله له من عون إذا رأت استقامته، فيجب عليها أن تتضامن معه وتؤيده إذ هي شريكة معه في المسؤولية، وهذا ـ كالذي قبله ـ مأخوذ من قوله: «إذا رأيتوني على حق فأعينوني».
الأصل السادس:
حق الوالي على الأمة في نصحه وإرشاده ودلالته على الحق إذا ضل عنه، ونقويمه على الطريق إذا زاغ في سلوكه. وهذا مأخوذ في قوله: «وإذا رأيتموني على باطل فسددوني».
الأصل السابع:
حق الأمة في مناقشة أولي الأمر ومحاسبتهم على أعمالهم وحملهم على ما تراه هي لا ما يرونه هم، فالكلمة الأخيرة لها لا لهم، وهذا كله من مقتضى تسديدهم وتقويمهم عندما تقتنع بأنهم على باطل ولم يستطيعوا أن يقنعوها أنهم على حق، وهذا مأخوذ ـ أيضاً ـ من قوله: «وأن رأيتموني على باطل فسددوني».
الأصل الثامن:
على من تولى أمراً من أمور الأمة أن يبين لها الخطة التي يسير عليها ليكونوا على بصيرة ويكون سائراً في تلك الخطة عن رضى الأمة، إذ ليس له أن يسير بهم على ما يرضيه، وإنما عليه أن يسير بهم فيما يرضيهم، وهذا مأخوذ من قوله: أطيعوني ما أطعت الله فيكم «خطته هي طاعة الله» وقد عرفوا ما هي طاعة الله في الإسلام.
الأصل التاسع:
لا تحكم الأمة إلا بالقانون الذي رضيته لنفسها وعرفت فيه فائدتها، وما الولاة إلا منفذون لإرادتها فهي تطيع القانون لأنه قانونها، لا لأن سلطة أخرى لفرد، وكائنة من كانت تلك الجماعة فتشعر بأنها حرة في تصرفاتها وأنها تسير نفسها بنفسها وأنها ليست ملكاً لغيرها من الناس لا الأفراد ولا الجماعة ولا الأمم ويشعر هذه الشعور كل فرد من أفرادها، إذ هذه الحرية والسيادة حق طبيعي وشرعي لها ولكل فرد من أفرادها، وهذا الأصل مأخوذ من قوله: «أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم»، فهم لا يطيعونه هو لذاته وإنما يطيعون الله باتباع الشرع الذي وضعه لهم ورضوا به لأنفسهم، وإنما هو مكلف منهم بتنفيذه عليه وعليهم، فلهذا إذا عصى وخالف لم تبق له طاعة عليهم.
الأصل العاشر:
الناس كلهم أمام القانون سواء لا فرق بين قويهم وضعفيهم فيطبق على القوي دون رهبة لقوته، وعلى الضعيف دون رقة لضعفه.
الأصل الحادي عشر:
صون الحقوق في حقوق الأفراد وحقوق الجماعات، فلا يضيع حق ضعيف لضعفه ولا يذهب قوي بحق أحد لقوته عليه.
الأصل الثاني عشر:
حفظ التوازن بين طبقات الأمة عند صون الحقوق، فيؤخذ الحق من القوي دون أن يقسى عليه لقوته فيتعدى عليه حتى يضعف وينكسر، ويعطى الضعيف حقه دون أن يدلل لضعفه فيطغى عليه، وينقلب معتدياً على غيره، وهذا الأصل واللذان قبله مأخوذة من قوله: ألا إن أقواكم عندي الضعيف حتى اخذ الحق له، وأضعفكم عندي القوي حتى اخذ الحق منه.
الأصل الثالث عشر:
شعور الراعي والرعية بالمسؤولية المشتركة بينهما في صلاح المجتمع، وشعورهما ـ دائماً ـ بالتقصير في القيام بها ليستمرا على العمل بجد واجتهاد، فيتوجهان بطلب المغفرة من الله الرقيب عليهما، وهذا مأخوذ من قوله: «أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم».
هذا ما قاله ونفذه أول خليفة في الإسلام منذ أربعة عشر قرناً، فأين منه الأمم المتمدنة اليوم؟ فهل كان أبو بكر ينطق بهذا من تفكيره الخاص وفيض نفسه الشخصي؟ كلا، بل كان يستمد ذلك من الإسلام ويخاطب المسلمين يوم ذاك بما علموه وما لا يخضعون إلا له ولا ينقادون إلا به، وهل كانت هذه الأصول معروفة عند الأمم فضلاً عن العمل بها؟ كلا، بل كانت الأمم غارقة في ظلمات من الجهل والانحطاط ترسف في قيود الذل والاستعباد تحت نير الملك ونير الكهنوت، فما كانت هذه الأصول ـ والله إذن ـ من وضع البشر وإنما كانت من أمر الله الحكيم الخبير ـ نسأله ـ جل جلاله ـ أن يتداركنا ويتدارك البشرية كلها بالتوفيق للرجوع إلى هذه الأصول التي لا نجاة من تعاسة العالم اليوم إلا بها.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022