الثلاثاء

1446-11-01

|

2025-4-29

 اهتمام بن باديس بعوامل ضعف الدولة وإنهيار الحضارة

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج2):
الحلقة: 175
بقلم: د.علي محمد الصلابي
محرم 1443 ه/ سبتمبر 2021

يقول ابن باديس: رأينا كما يرى كل مبصر ما نحن فيه معشر المسلمين من انحطاط في الخلق وفساد في العقيدة، وجمود في الفكر وقعود عن العمل، وانحلال في الوحدة وتعاكس في الوجهة وافتراق في السير ؛ حتى خارت النفوس القوية، وفترت العزائم المتقدمة، وماتت الهمم الوثابة، ودفنت الأمال في صدور الرجال، واستوى القنوط القاتل واليأس المميت، فأحاطت بنا الويلات من كل جهة وانصبت علينا المصائب من كل جهة.
ويضيف ابن باديس إلى هذه العوامل الشخصية والعامة مجموعة من العوامل الأخلاقية والاجتماعية والسياسية والتي كانت سبباً مباشراً في ضعف الدولة العربية، والإسلامية منذ الخلافة الراشدة وحتى مطلع القرن العشرين، وهذه العوامل هي:
1 ـ العوامل الأخلاقية:
ويعددها ابن باديس في كل ما يؤدي إلى فساد الطبع وفساد النفس الإنسانية والنظر إلى المصالح الخاصة دون المصالح العامة، وكل ما يؤدي إلى فساد الخلق وسوء السلوك، ويصف ابن باديس خطر هذه العوامل على الفرد والمجموع فيقول: إن الغرور والتكبر من أسباب الهلاك للأمة فتضعف وتضعف لذلك أمته، وليس أضر على الأمة من زهو أبنائها وطفرتهم والتغرير بنفوسهم، والغرور والتكبر من فساد أحوالهم، يكون بفساد عقائدهم وأخلاقهم وذلك عنوان ذهابهم واضمحلالهم.
وعلى عكس الغرور والتكبر فإن الشعور بالذل والمهانة يحدث نفس الأثر الضار على الفرد والمجموع، لأن هذا الشعور مع تأصيل الجهل من أهم عوامل الهدم، لأنه يقتل الشعور بالعزة والشرف من النفوس، والجاهل يمكن أن تعلمه والجاهل يمكن أن تهذبه، ولكن الذليل الذي ينشأ على الذل يعسر أو يتعذر أن تغرس في نفسه الذليلة المهينة عزةً وإباءً وشهامةً تلحقه بالرجال.
وكما وصف ابن باديس عوامل الهدم الخلقية يصف لنا كيفية التغلب عليها فيقول: أما مواجهة ذلك فيكون بأن يحل محل الإفتراق الوفاقُ والتواصلُ، وأن يشعر كل فرد من الأفراد بما ينفع الأمة ويقويها، وأن يهتم بمصالح الأمة ويضعها في المكانة الأولى من الاعتبار والاهتمام، ولا بد من ترك العجب والغرور فذلك سبيل الإنسان إلى الكمال والتقدم، لأن الإنسان بطبيعته مجبول على محبة الكمال وكراهة النقص، وتلك الجبلة مما يسهل تربية النفوس وإصلاحها بالتخلص من الرذائل والتحلي بالفضائل.
2 ـ العوامل الاجتماعية:
والتي تتمثل في سوء التعليم وإهمال الفرد وانتشار البدع والنزعات المذهبية والطائفية، وغيرها من عوامل الافتراق والتفكك الاجتماعي.. وهي العوامل التي يصفها ابن باديس بأنها العامل القتَّال في عظام الأمة، وأن مقاومته لا تكون إلا بنشر ما يغذي العقول، ويحمي الأخلاق، ويقّوم فاسد العادات، ويحارب البدع التي أدخلت على الدين، وكانت سبباً في النزاعات العصبية والعرقية، وانتشار مختلف السلبيات الاجتماعية التي كان يغذيها المستعمر.
ويضيف ابن باديس إلى هذه العوامل كل ما يؤدي إلى الظلم والفساد لأن انتشار الظلم في الدولة هو سبب هلاكها المبين بدليل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ *} [هود : 117].
وقوله تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ *} [الأنبياء : 11].
فأفادت الآيات أن سبب الهلاك والعذاب هو الظلم والفساد والعنود والتمرد عن أمر الله ورسله والكفر بأنعم الله.
3 ـ العوامل السياسية:
وبعد أن بين ابن باديس عوامل ضعف الدولة وانهيارها بوجه عام ؛ بدأ يحذر من خطر تلك العوامل السياسية لأنها من أخطر عوامل هدم الدولة بدلاً من كونها عوامل للبناء، ومشيراً إلى أخطار سوء استخدام السلطة من الحاكم واعتماده على القوة الغاشمة، حين يلجأ إلى استنزال الوسائل الغير أخلاقية وما ينتج عن سوء سياسته من فساد وإباحية، واستخدامه للقوة ظناً منه أنها للسلام والعدل، في الوقت الذي لا يعلم أنه السبب المباشر في انتشار المظالم، ودعوة الأنانية، وتفكك الأمة، وظهور اختلافات الرأي والانقسام، وكان هذا الخطر وراء مواقف ابن باديس الحاسمة في نبذ ومواجهة كل أنواع الصراع السياسي الهدام، وخاصة أن الوضع السياسي العام في العالم العربي هو العقبة الأكبر في سبيل تحقيق كل إصلاح أو تغيير أو بناء.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022