الثلاثاء

1446-11-01

|

2025-4-29

وظائف الدولة العربية الموحدة عند ابن باديس

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج2):

الحلقة: 173

بقلم: د.علي محمد الصلابي

محرم 1443 ه/ أغسطس 2021م

إذا رجعنا إلى تفسير ابن باديس المسمى بمجالس التذكير، وتفسيره للأحاديث في هدى النبوة، ومقالاته في العروبة والوطنية ؛ تراه يحدد وظائف الدولة العربية الموحدة والأهداف العامة للدولة ؛ من حفظ للنظام، وتحقيق للحرية والعدالة والاستقلال، وحفظ للأموال وتحقيق للأمن والأمان، وتنمية للقوى الابتكارية للفرد، وتحقيق للتقدم والحضارة. ويمكن تفصيل هذه الوظائف كالتالي:
1 ـ امتلاك وسائل القوة لتحقيق العدل:
وفي ذلك يقول ابن باديس: لا بد لكل أمة تسود وتقوى من بطش، ولكن البطش فيه ما هو حق بأن يكون انتصافاً وقصاصاً وإقامة لقسطاس العدل بين الناس، وفيه ما هو بطش الجبارين المنهي عنه، وقد دعت الآيات والأحاديث العديدة إلى امتلاك وسائل القوة والسيادة لبناء الدولة القوية التي ستمتلك البحار وتغزو الأمصار الكبار، وينبه القرآن والحديث إلى ذلك لتستعد الأمة لهذا الهدف وتأخذ له طريقه ولتتوصل إليه بأسبابه إذ لا يكون إلا بأسباب الملك ولا تكون قوة إلا بأسباب السيادة.
2 ـ السعي لتحقيق الأمن والسلام الاجتماعي:
ففي ظل الأمن تكون الحياة المطمئنة للجميع، فلا يخاف الفرد حاضراً أو مستقبلاً، وإنه في ظل هذا الأمان الذي توفره الدولة القوية يتحقق الابتكار المنتج، بخلق الفرص التي تكفل ممارسة تطبيق هذا الابتكار بما يعود على المجتمع بالنفع.
ولتحقيق ذلك لا بد من السعي لامتلاك وسائل السيادة وتشجيع الابتكار الفردي والجماعي، وتحقيق ما يسمى بالرقابة المركزية في إطار عام محدد هو العنصر الديني، لأن الإيمان بوصفه أهم عناصر قوة الدولة هو سياج الأمان والشكر والفضيلة والعدل.. والدولة بدون هذه الوسائل وتوفيرها هي مجتمع فوضوي، وكل مدينة لم تحصن بهؤلاء فمصيرها الخراب.
3 ـ حفظ الأموال باحترام الملكية:
فتلك وظيفة الدولة التي أشار إليها القرآن في آيات عديدة وفي قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً *وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً *} [الإسراء : 34 ـ 35].
ففي ذلك إشارة إلى أهمية المحافظة على المال كملكية خاصة وعامل من عوامل البناء والقوة للفرد والدولة، وهو داخل في نسيج القوى الأخرى اللازمة لتنفيذ الأعمال كالقوة الذاتية والقوة الدينية والقوة العقلية وغيرها.
4 ـ المحافظة على التراث ومكوناته:
إن ابن باديس كانت مواقفه كمصلح وصاحب حكمة واضحة في الدعوة إلى الإصلاح الشامل، وتخليص المجتمع العربي من التقاليد الزائفة والأفكار البالية التي غرستها عهود الاستعباد والإقطاع والجهل، ولهذا فالإنسان العربي في حاجة ماسة إلى أفكار وتقاليد جديدة تتفق وظروفه الجديدة، وليساير التقدم العلمي، وأن ذلك لا يتعارض مع ضرورة التمسك بالتراث الإسلامي الصحيح والمحافظة عليه لأن ذلك من أهم مقومات الشخصية العربية، فالدين بتراثه له الدور الفعال في جمع شمل هذه الأمة ونهضتها، وحتى يحيا الإنسان العربي بإسلامه الذاتي والوراثي وما به من أحكام وعقائد وقيم وأخلاق ؛ يحيا حياة فكر وعمل.
5 ـ السعي لتحقيق الحرية والاستقلال والمحافظة عليهما:
لأن الوجود الحقيقي للدولة لا يكون إلا بحريتها واستقلالها والمحافظة عليها ومقاومة أعدائها، ولكي تتحقق هذه الوظيفة في الدولة العربية الموحدة رأى ابن باديس ضرورة تحرر واستقلال جميع الشعوب العربية، وأن تقاوم الدول العربية كل مستعمر وكل عامل من عوامل التخلف والجهل والرجعية، لأن الشعب الحر هو مصدر القوة الدائمة والمحرك الطبيعي لكل إصلاح، وأن الحرية والاستقلال شرط كل تقدم وكل بناء، وهي الشرط الضروري لإتمام الإتحاد بين أي قطر عربي واخر إلى جانب عوامل الوحدة الأدبية والاجتماعية، وهي شرط ضروري لقيام الدولة ونجاح سياستها، لأن السياسة الدولية هي من شأن الأمم المستقلة وأن الحرية والاستقلال لا يكونا إلا من خلال موقف سياسي يتمكن من حل العديد من المشكلات، ويواجه كل القوى التي تحد من حرية الفرد والمجموع.
ولأن هذه الحرية وظيفة وغاية ووسيلة ؛ كان موقف ابن باديس العملي من أجل حرية وطنه واستقلاله، ورفضه لدعوات الاندماج والفرنسة والاستسلام، ودعوته إلى جميع أشكال الحرية، فكانت دعوته لحرية الدين والتعليم وحرية الصحافة، كما كانت دعوته إلى تحرير فلسطين ومساعدة اللاجئين، ورفض التقسيم لذلك القطر العربي الشقيق الذي ضمنت له العهود والمواثيق الدولية حفظ كيانه واستقلاله، مقرراً أن ذلك التقسيم هو اعتداء على جميع الشعوب العربية والإسلامية، وأن بناء الدولة العربية الموحدة ضرورة، وأنها لو قامت لما كان هناك وجود للاستعمار في الشرق، ولما كانت هناك مشكلة فلسطيني.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022