الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

(مواقف ابن باديس تجاه قضايا العالم الإسلامي)

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج2):

الحلقة: 166

بقلم: د.علي محمد الصلابي

محرم 1443ه/ أغسطس 2021م

كان للشيخ عبد الحميد بن باديس أثر كبير في تحطيم الأسوار التي بنتها فرنسا حول الجزائر، فكانت أول ضربة معول في هذا السور رحلة الشيخ عبد الحميد تلميذاً إلى تونس، وهناك اتصل بعلماء الزيتونة تلميذاً لا كالتلاميذ، يتلقى علم ما في الكتب والمجلدات لينال شهادة، بل تلقى عنهم زيادة على ما في الكتب ما عرفوه من أحوال العالم الإسلامي وما يموج فيه من تيارات فكرية، وحركات إسلامية تحاول النهوض به وإقالته من عثاره.

أ ـ تونس:

وأصبح متعلقاً بتونس عندما كان مقيماً بها وبعد رجوعه، وكانت له عدة أدوار لدعم الإخوة التونسيين في نضالهم، فقد كان من الذين درسوا على يديه بتونس: الشاعر التونسي الطاهر جواد الذي شهد له ابن باديس في دفتره المدرسي بالمواظبة والفهم والأدب، فربما كان لهذه الملاحظة دورها في تفجير طاقات هذا الشاب الذي قدر له أن يقوم بدور مشهود في التاريخ النضالي والعمالي التونسي.

كما نادى ابن باديس بضرورة توحد أقطار افريقيا الشمالية من أجل التحرر. فعندما زار تونس سنة 1937م للمشاركة في ذكرى وفاة البشير صفر اعتذر عن اختيار الجمعيتين المنظمتين «جمعية الطلبة الجزائريين والجمعية الودادية الجزائرية بتونس» وأن الحديث عن الجزائر دون المغرب العربي قائلاً: لأنني أومن بأن هذا الشمال الإفريقي لا ينهض إلا بتضامننا مع بعضنا البعض، كما نادى أيضاً بالاحتفاظ بالذاتية العربية الإسلامية في الشمال الإفريقي كله، والإعلان بوحدة أقطاره في الحاضر والمستقبل.. مثلما هي ثابتة في الماضي.

وأوردت المخابرات الفرنسية أن ابن باديس زار تونس ما بين 22 و29 أوت 1938م وأجرى محادثات مطولة مع الشيخ الثعالبي حول الأوضاع السياسية في شمال إفريقيا، واتفق الإثنان على تمثيل تونس والجزائر في مؤتمر حزب الوفد المصري الذي كان سيعقد في أكتوبر أو نوفمبر من نفس السنة.

كما كان ابن باديس أحد الشهود التاريخيين لقضية الوفاق، وقد ورد اسمه في الكلمة الحاسمة، وكان حريصاً على متابعة هذه القضية التي أرقته وشغلت صفحات متوالية من جريدة الشهاب، انطلاقاً من وحدة الشعور بمحنة المغرب العربي، وقد سمي الشقاق في تونس «بالفتنة الملعونة»، واستلهمت الشهاب مقالها بهذه الافتتاحية «الله ـ الله في وطنكم أيها التونسيون، فالرعاة يتنازعون والذئب على الباب، ولئن أكله الذئب وأنتم عصبة إنا إذاً لخاسرون» وإعادة جريدة الإرادة التونسية نشر المقال تحت عنوان: صوت علماء الجزائر ورأيهم في فتنة الشقاق في تونس.

ب ـ موقف ابن باديس من ثورة الريف في المغرب الأقصى:

ساند الإمام ابن باديس الثورة في المغرب الأقصى وذكر موقف الأمير عبد الكريم الخطابي: أن الأمير صرّح كما يصرّح دائماً أنه لا طمع له غير استقلال بلاده في حدودها الطبيعة. وبعد أن ذكر الصلح المعروض من طرف الإسبان توسطاً عن فرنسا قال: وهل بعد هذا نقول أن الصلح قريب؟ كلا إن استقلال الريف المجهول في الأوراق تحت النفوذ الإسباني لا تطيب به نفوس الماليين والعسكريين من الإسبان، فهم يراوغون ويخالفون وخصوصاً على حساب غيرهم ـ ويتمسكون بكل سبب لإبقاء الريف تحت نفوذهم رسمياً، ولو كان ملكه فعلياً أبعد عنهم من العيون.

ونجد ابن باديس يمدح الأمير عبد الكريم الخطابي ونضاله وشجاعته بقوله: وفي مقابل هذا نجد الأمير عبد الكريم رجلاً سياسياً كبيراً.. يعتقد أن اسبانيا لا قيمة لها أمامه، وقد بطش بها بطشة كبرى بالأمس.

ولم تغب عن ابن باديس مشاركته الفكرية والروحية لإخوانه المغاربة، ففي الشهاب ذكر التطهير البربري.

حيث كتب يقول: لقد دأب إخواننا المغاربة على إحياء هذه الذكرى المؤلمة كل يوم 16 ماي ـ مايو 1930م، ثم توجه إليهم ببيان موقف علماء الجزائر ومشاركتهم ومساندتهم لإخوانهم المغاربة في هذه القضية، وينصح لهم بعد ذلك بمواصلة الجهاد: وإننا لنشارك قلباً وقالباً شقيقتنا المغربية في هذا الحداد الوطني الديني، ونرفع أصواتنا إلى جانبها بالاحتجاج العميق والاستياء البالغ. ثم نقول لإخواننا رجال المغرب الأحرار إن هذه المظلمة لا تزول عنهم إلا بفضل جهادهم ونضالهم واستماتتهم في سبيل كلمة الحق، ولن يُكتب لهم الفوز إلا بالتضامن وجمع الكلمة وتوحيد الصفوف.

ج ـ ليبيا:

كانت فظائع الاستعمار الإيطالي في ليبيا دافعاً لابن باديس أن يظهر مشاركة الشعب الجزائري لإخوانه المسلمين فيما تعرضوا له من محن، فكتب ابن باديس يقول: فجمعية العلماء المسلمين الجزائريين تلبي هذا النداء الصادر من القطر الشقيق المظلوم وترفع صوتها بالاحتجاج والاستنكار ضد ما ارتكبته إيطاليا من الظلم الفادح الذي أنزلته على طرابس العربية المسلمة، فأصابت به كل قلب عربي وكل مسلم، وتنذرها بأن الضمير الإسلامي والعربي قد استيقظ من نومه.

ولما توالت الهجرات الليبية الجماعية إلى الأقطار المجاورة خلال سنة 1931م، حيث تناقلت الصحف التونسية والجزائرية أخبار تلك الهجرات الجماعية للأسر الليبية التي وصلت إلى الجزائر وهي في حالة يرثى لها، وقد تأسفت صحيفة الشهاب الجزائرية التي يصدرها الشيخ عبد الحميد بن باديس من قسنطينة لوضعية أولئك اللاجئين الطرابلسيين الذين وصلوا إلى التراب الجزائري قائلة: أما الذين قدموا إلى الجنوب الجزائري من هؤلاء اللاجئين البائسين فيبلغ عددهم نحو السبعة الاف على حافة فقر وبؤس، لا يمكن أن يستطيع قلم وصفها، وقد جمع لهم إخواننا أهل بسكرة الأبرار إعانة من بينهم.

كما نددت الصحيفة في عدد لاحق بالسياسة الاستعمارية الإيطالية الفاشستية التي ينتهجها الطليان الفاشست في طرابلس الغرب وبرقة قائلة: إيطاليا القاسية الدموية ماذا فعلت في ربع قرن بنصف مليون من المسلمين؟ أجدر بكِ أن تقضي أمام محكمة التاريخ وضمير الإنسانية لتجيبي جواب المجرمين عن هذا السؤال.

كما احتج ابن باديس باعتباره رئيساً لجمعية علماء المسلمين الجزائريين على التصرفات الإيطالية تجاه الطرابلسيين لدى رئيس جمعية حقوق الإنسان الفرنسية قائلاً: الرئيس قيرنوط ـ نهج لونيفرسيتي رقم 10 باريس: إن الأمة الإسلامية الجزائرية لفي أقسى التأثر مما لحق بإخوانهم الطرابلسيين الذين ذهبوا ضحايا التوحش الفظيع، وهي تريد أن تيسر ذلك أن ترى تدخل جمعيتكم الأليق لمصلحة هؤلاء المنكوبين.

وتعتبر هذه البرقية صرخة احتجاج في وجه إحدى المنظمات العالمية التي تنادي بحقوق الإنسان في أوروبا، في وقت لم يكن فيه أقل صدى في العالم الغربي للاحتجاجات التي أطلق صرختها الليبيون، وناصرهم في ذلك أشقائهم العرب وإخوانهم المسلمين. وهكذا كان موقف الشيخ عبد الحميد بن باديس من الفظائع الإيطالية في طرابلس الغرب وبرقة موقفاً شاملاً واضحاً وصريحاً يتسم بالحدة والصرامة والشجاعة، فلم يفرق بين ما ارتكبته إيطاليا بحق الليبيين وبين ما ارتكبته فرنسا بحق الجزائريين، فكلا الاستعمارين الإيطالي والفرنسي من جهة نظره وجهان لعملة واحدة.

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:

الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى

alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF

الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf

الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf

كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022