تأملات في الآية الكريمة: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 55
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
محرم 1444ه / أغسطس 2022م
- {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} أي: وجهت عبادتي وطاعتي،(1) وقصدت بعبادتي توحيد الله تعالى؛ لأن من كان منقاداً إليه، فإنه يتوجه بوجهه إليه، فتوجيه الوجه كناية عن الطاعة والعبادة والتوحيد، وحقيقة الإخلاص لله هو التوجه إليه بالكلية عبر الوجه؛ لأنه أشرف عضو في الإنسان، وأراده كله بأن تكون نفسه وقلبه وحركته وسكونه في ذات الله تعالى ولأجل مرضاته، وهذه حقيقة التوحيد والإخلاص والتي حاج بها إبراهيم قومه.(2)
- {لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} أي: أبدع خلق السماوات والأرض وخلقهنّ على غير مثال سابق،(3) وهذا الوصف يقتضي توحيده سبحانه وتعالى وانفراده بالملك، فهذه السماوات والأرض محدثات مخلوقات دالة على أنه عزّ وجل مُنشئها.(4)
إنَّ مثل هذه الآيات لا تحتاج إلى شرح كبير، ذلك أن المعبود الذي يدعو إبراهيم - عليه السّلام - إلى عبادته يستحق وحده أن يُعبد بحق، ذلك أنه هو الذي فطر مخلوقات تكبر في عين الإنسان وهي السماوات والأرض، أي أنه أبدع الكون كلّه من عدم ودون سابق مثال، وهو بذلك القادر على تصريف ما في هذا الكون، يعلم فيه ما ظهر للناس وما بطن، وكلمة ملكوت تشير إلى ما وراء هذا الكون من عالم الغيب، هذا العالم الذي يطلع الله المصطفين من عباده على بعض ما فيه من الأسرار، إنَّه - سبحانه وتعالى - ربُّ كل شيء، ووسع كل شيء علماً.(5)
- {حَنِيفًا}: مائلاً عن كل الملل والعقائد المخالفة للتوحيد،(6) أي مائلاً عن الأديان الفاسدة إلى دين الإسلام وهو دين الحق.(7)
وحين يأتي الرسول مائلاً عن الفساد فهو يسير معتدلاً لأن الميل عن الفساد اعتدال واستقامة.(8
- {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}: فأنا لست في العبادة ممن يشرك بالله شيئاً من خلقه.(9)كان إبراهيم - عليه السّلام - واضحاً مع نفسه ومع أبيه وقومه، فلم يجاملهم في ديانته ولم يظهر لهم خلاف ما يختلج في قلبه، وحدّد بوضوح موقفه من معبودات قومه فصاح فيهم {يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} ]الأنعام:78[، هكذا بكل جرأة وقوة يعلن المفاصلة، وبكل دقة ووضوح وتأكيد يتبرأ منهم ومن آلهتهم التي يقدسونها، فالمخاطبون- بسهولة وبساطة- فهموا مقصده وحقيقة موقفه الذي لا غموض فيه ولا لبس حتى يتحقق الهدف من الحوار بصورة جليّة، نجده يزيد في إيضاحه ويجدد لهم وجهته ومعتقده: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ]الأنعام:79[، فهذا الإلحاح على أسلوب التوضيح والتأكيد والتجديد؛ كل ذلك من أجل أن يضمن وضوح غايته وسلامة رسالته، ونافذيتها في نفوس الآخرين.(10)
مراجع الحلقة الخامسة والخمسون:
(( التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (2/467).
(2) الإخلاص في القرآن الكريم، حمد الوهيبي، رسالة ماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود، 1433ه، ص130.
(3) التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (2/468).
(4) من لطائف التعبير القرآني حول سير الأنبياء والمرسلين، محمد فؤاد سندي، ص170.
(5) وإبراهيم الذي وفّى، د. فرحات بن علي الجّعبيري، المكتبة السعيدية للنشر، مسقط، سلطنة عُمان، ط2، 2014م ص78.
(6) التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (2/468).
(7) من لطائف التعبير القرآني حول سير الأنبياء والمرسلين، محمد فؤاد سندي، ص170.
(8 تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (6/3754).
(9) من لطائف التعبير القرآني حول سير الأنبياء والمرسلين، محمد فؤاد سندي، ص170.
(10) صناعة الحوار، حمد عبد الله السيف، ص288.
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي