(جوانب من الإعجاز الإنبائي والتاريخي والعلمي في قصة ابراهيم عليه السلام)
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 57
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
محرم 1444ه / أغسطس 2022م
أ- التمييز الدقيق بين كل من الكوكب والقمر والشمس، في زمن لم يكن لأحد من المخلوقين القدرة على هذا التميز خاصة في الجزيرة العربية، وكانت غالبية أهلها من الأميين.
ب- التأكيد على أن أفول (أي: غياب) أي جرمٍ سماوي هو دليل على أنه حادث، وكل حادث من هذه الجمادات هو مخلوق مسخّر، ومن ثم فهو لا يمكن أن يكون مؤلّهاً كما فعل الضّالون من قوم إبراهيم ومن قبل زمانه ومن بعده، وهذا استنتاج إنبائي وعلمي رصين؛ وذلك لأن حدوث الكون يحتّم فناءه كما يؤكد حدوث جميع المخلوقات، وحتمية فنائها والحادث الفاني محتاج إلى خالق أزليّ باقٍ منزّه فوق كل صفات خلقه من مثل حدود كل من المكان والزمان والمادة والطاقة التي تحدد كافة المخلوقين من الجمادات والأحياء: من النبات، والحيوان، والإنسان، والملائكة، والجن حتى يكون الخالق مغايراً لخلقة مغايرة كاملة.
ج- الإشارة إلى أنّ الله تعالى هو خالق الخلق ومبدع الوجود على غير مثال سابق؛ لأنه هو الذي "فطر السماوات والأرض"، والعلوم المكتسبة تحتّم وجود مرجعيّة عليا للكون الذي نعيش فيه، وتعترف بضرورة مغايرة صفات المخلوقين فرادى ومجتمعين.
د- إعطاء النموذج العلمي للتعرّف على الخالق سبحانه وتعالى من خلال التأمل في بديع خلقه، من مثل ملكوت السماوات والأرض؛ وذلك لأن الإبداع في الخلق هو من أوضح الأدلة على الخالق سبحانه وتعالى، والكون بكلّ ما فيه من موجودات وظواهرها، وحركات منضبطة انضباطاً شديداً، يشهد بضرورة وجود خالق عظيم له من صفات الألوهية والربوبية والوحدانية والخالقيّة، ما مكّنه من إبداع كل ذلك.
ه- الإشارة إلى أنّ الإيمان بالله تعالى مزروع في الجبلّة الإنسانية، وأن الإنسان محتاج إلى إيقاظ هذا الإيمان الفطري بالتأمل العاقل في خلق الله تعالى وبالاستماع إلى وحي السماء، ما دامت فطرة الإنسان سليمة استطاعت أن تستَشِف دلائل الإيمان بالإله الواحد الأحد الفرد الصمد، المنزّه في أسمائه وصفاته وأفعاله عن جميع خلقه، وعن كل وصف لا يليق بجلاله، وذلك من خلال تأمل الإنسان في إتقان خلقه هو، وفي إحكام خلق الكون الفسيح من حوله.
و- إنَّ الشرك بالله تعالى هو من نقائض الإيمان به، وهو من القصور في فهم مدلول الألوهية، خاصّة أنّ المتأمل في الكون يرى وحدة البناء التي تشمله في ثنائية ظاهرة مما يشهد لخالقه بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه.
ز- ضرورة النظر في الكون للتعرف على شيء من بديع صنع الله فيه؛ تأكيداً على الإيمان بالخالق العظيم عن طريق الإدراك الحسيّ والوعي الملموس، وهذا الإيمان الحسّي هو دعم للإيمان الفطري الذي غرسه الله تعالى في جبلّة كل مخلوق، ثم علّمه لأبينا آدم - عليه السّلام - لحظة خلقه، وبعد ذلك أنزله على سلسلة طويلة من الأنبياء والمرسلين وأكملَه وأتَمه، وحفظه في القرآن الكريم، وفي سنة خاتم الأنبياء والمرسلين صلّى الله عليه وسلّم وبارك عليه وعليهم أجمعين، ولو قام كل إنسان عاقل بذلك ما بقيَ على وجه الأرض كافر أو مشرك أو متردد في اعتقاده، أو متشكك في الإيمان بالله عزّ وجل.(1)
هذه هي بعض جوانب الإعجاز العلميّ والإنبائيّ والتاريخيّ فيما بيّنه القرآن الكريم عن عبد من عباد الله هو إبراهيم - عليه السّلام - الذي نشأ في بيئة وثنيّة تعبد الأصنام والأوثان، كما تعبد النجوم والكواكب وتعبد ملوكها من دون الله سبحانه وتعالى، وتعرض الآيات موقف الفطرة السليمة عند إبراهيم - عليه السّلام - واستدراجه لقومه إلى توحيد الله عزّ وجل وإفراده بالعبادة، وتشهد الوقائع التاريخية والحقائق العلمية كلها التي جاءت في الآيات ]75-79[ من سورة الأنعام للقرآن الكريم بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية، بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله صلّى الله عليه وسلّم، وحفظه لعهده الذي قطعه على ذاته العليّة في نفس لغة وحيِّه (اللغة العربية)، وتعهّد الله بهذا الحفظ تعهداً مطلقاً حتى يبقى القرآن الكريم حجة الله البالغة على جميع خلقه إلى يوم الدين.(2)
مراجع الحلقة السابعة والخمسون:
( ) من آيات الإعجاز الإنبائي والتاريخي، د. زغلول النجار، (1/320).
(2) المرجع نفسه (1/320).
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي