منهجية التدرّج في دعوة خليل الله إبراهيم (عليه السلام)
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 56
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
11 محرم 1444ه / 9 أغسطس 2022م
نستخلص من الآيات الكريمة التي عرضت قصة ابراهيم عليه السلام، المنهج الدعوي المتدرّج الذي اتّبعه مع قومه عبدة الكواكب، فقد تدرج بهم من الكواكب إلى القمر، ثم إلى الشمس التي هي أكبرهم، ويؤكد الرازي: إنَّ الأخذ من الأدوَن فالأدوَن مترقّياً إلى الأعلى فالأعلى له نوع تأثير في التقرير والبيان، والتأكيد لا يحصل من غيره، فكان هذا الوجه أولى.
وقد مرّت منهجية إبراهيم - عليه السّلام - بمراحل وتدرّج مع قومه، ومن ذلك:
أ- مجاراة الخصم:
استمال إبراهيم قومه وأخذ بقلوبهم وأشعرهم أنه غير متحامل عليهم، ويُسمى هذا الأسلوب "مجاراة الخصم"، وقد استطاع أن يصل بقومه على زيف عبادة الكواكب والقمر والشمس، لكنها جميعها تتصف بالأفول، فالآلهة التي مصيرها الأفول متغيرة من حال إلى حال متنقلة من مكان إلى مكان فلا تستحق أن تُعبَد.
ب- تشكيك قومه في معتقداتهم:
استطاع إبراهيم - عليه السّلام - أن يشكك قومه في معتقداتهم المتعلّقة بعبادة النجوم والكواكب من خلال تلك الأسئلة المثيرة للعقل وشككهم في صلاحية الكواكب والنجوم للربوبية، وهيّأ قومه لما عزم عليه من التصريح بأن له رباً غير الكواكب، ثم عرّض بقومه أنهم ضالّون وهيأهم قبل المصارحة للعلم بأنهم ضالّون، وأدخل في نفوسهم الشك مرة أخرى في معتقدهم أن يكون ضلالاً ويكونون قوماً ضالّين، وبعد أفول الشمي قال لهم {إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} وهذا إقناع لهم بأن لا يحاولوا موافقته إياهم على ضلالهم؛ لأنه لما انتفى استحقاق الربوبية عن أعظم الكواكب التي عبدوها انتفى عما دونها.
ج- الاستدلال المنطقي:
استدلّ إبراهيم - عليه السّلام - بأفول الكواكب والقمر والشمس على أنه لا يجوز أن تكون أرباباً مستحقة؛ لأن يشتغل المرء بعبادتها وشكرها، وتدلّ غيبوبة الكوكب والقمر والشمس على كونها عاجزة عن الخلق والإيجاد وعدم استحقاق الإلهية؛ لأنَّ شأن الإله أن يكون دائم المراقبة، لتدبير شؤون عباده، وقد بدأ معهم في المناظرة بالسهل، ثم تدرّج، من الكواكب إلى القمر إلى الشمس، والنتيجة واحدة، فإن الموافقة في العبارة، على طريق الإلزام على الخصم من أبلغ الحجج، وأوضح المناهج.
د- إعلان الوصول إلى النتيجة:
وصل إبراهيم - عليه السّلام - بقومه من خلال الحجة المستنبطة من أحوال هذه الموجودات جميعاً، وأن أفولها دلّ على وجود خالق لها ووصل بهم إلى النتيجة الحتمية، وهي: البراءة من الشرك وأن يعبد خالق السماوات والأرض فقال: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ]الأنعام:79[.
مراجع الحلقة السادسة والخمسون:
( ) منهجية التدرج في دعوة إبراهيم عليه السلام، د. أمينة محمد، ص274.
(2) المرجع نفسه، ص273.
(3) منهجية التدرج في دعوة إبراهيم عليه السلام، د. أمينة محمد، ص273.
(4) المرجع السابق، ص274.
(5) المرجع نفسه، ص275.
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي