الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

تأملات في الآية الكريمة {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 59

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

محرم 1444ه / أغسطس 2022م

إنَّ حال هؤلاء الذين ساروا وراء الأوهام عجب، يخوفون نبي الله تعالى من أن يصيبه سوء من أحجارهم التي لا تضر ولا تنفع كما هو مُشاهَد بالحس ومُدرَك بالعقل، ومع ذلك لا يخافون أن ينزل بهم مقت من الله تعالى الذي يملك الوجود كله آلهتهم وغيرها، ولذا قال تعالى على لسان إبراهيم - عليه السّلام -:

- {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا}:الاستفهام هنا للتعجّب من المفارقة التي كانت منهم، وهي مفارقة عجيبة يخوفون إبراهيم من أن تصيبه آلهتهم بسوء، ومع ذلك لا يخافون هم من إشراكهم بالله ما لم ينزّل به سلطاناً، والعجب من ناحيتين:

 أولاهما: أنَّ أصنامهم لا تملك نفعاً ولا ضراً، والله تعالى يملك كل شيء، يملك النفع والضرّ والاتّقاد من أسباب الضرر.

 وثانيتهما: أنّهم يخوفون إبراهيم - عليه السّلام - ولا سبب للتخويف، ولا يخافون، وقد توافر سبب الخوف.

- {مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا}:قالوا: السلطان هو الحجة، والتعبير عن الحجة هنا بالسلطان، إشارة أولاً إلى أنّه لا دليل يسوّغ عبادتها، وثانياً أنّها لا قوة لها، ولا سلطان لها، حتى تصيب بسوء أو بنعمة، إنما هي أوهامكم التي جعلت لها تلك الصفة، وقدر رتّب الله تعالى عن هذه الحال أن قال: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.

- {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}: الفاء هنا فاء الإفصاح، الذي يفصح عن هذا الشرط المقدر، أي إذا كنتم تلجؤون إلى من لا يضرُّ ولا ينفع، وتحسبون أنه يمس من لا يعتقد به، وإبراهيم يلجأ إلى الله تعالى الذي يملك كل شيء، فأي الفريقين أحقّ بأن يكون في أمن لا خوف فيه.

أهو الذي يلجأ إلى الله القادر على كل شيء أن الذي يلجأ في عبادته إلى أصنام لا تضر ولا تنفع؟ وعلّق سبحانه وتعالى الحكم على العلم؛ لا حكم بغير علم. (1)

ولذا قال سبحانه: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي: إن كنتم تدركون الأمور على وجهها، ولا تسيطر عليكم الاوهام التي تضل ولا تهدى، وقال في أداة التعليق الذي تفيد الشك في العلم، لا اليقين فيه، وإنه لا ريب الحكم واضح بيّن، وهم الذين يعبدون الله وحده ولا يلجؤون إلا إليه في خوفهم.(2)

ولذا قال تعالى في بيان الفريق الآمن: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} ]الأنعام:82[.

 

مراجع الحلقة التاسعة والخمسون:

(1 ) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (5/2569).

(2) المرجع نفسه (5/2569).

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

http://alsallabi.com/uploads/books/16228097650.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022