الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

تفسيرات العلماء للآية الكريمة: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 60

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

محرم 1444ه / أغسطس 2022م

1. قول الإمام الطبري:

هذا فصل القضاء من الله بين إبراهيم خليله - عليه السّلام-، وبين ما حاجّه من قومه من أهل الشرك بالله، إذ قال لهم إبراهيم - عليه السّلام -: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، فقال الله تعالى فاصلاً بينه وبينهم: الذين صدقوا الله، وأخلصوا له العبادة، ولم يخلطوا عبادتهم إياه، وتصديقهم له بظلم، يعني: بشرك، ولم يشركوا في عبادته شيئاً، ثم جعلوا عبادتهم لله خالصاً، أحقّ بالأمن من عقابه، مكروه عبادته من الذين يشركون في عبادتهم إياه الأوثان والأصنام، فإنّهم الخائفون من عقابه مكروه عبادتهم، أما في عاجل الدنيا فإنهم وجِلون من سُخط الله بهم، وأما في الآخرة فإنهم الموقنون بأليم عذاب.(1)

2. قول ابن عاشور:

هذه الجملة من حكاية كلام إبراهيم- عليه السّلام - على ما ذهب إليه جمهور المفسّرين، فيكون جواباً منه في قوله: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ} ]الأنعام:81[، تولّى جواب استفهامه بنفسه، ولم ينتظر جوابهم لكون الجواب ممّا لا يسع المسؤول إلّا أن يجيب بمثله، وهو تبكيت لهم. قال ابن عباس: كما يسأل العالم، ويُجيب نفسه بنفسه، أي بقوله: فإن قلتَ قلتُ، وقد تقدمت نظائره في هذه السورة.(2)

وقيل ليس ذلك من حكاية كلام إبراهيم، وقد انتهى قول إبراهيم عند قوله {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ]الأنعام:81[، بل هو كلام مستأنف من الله تعالى لابتداء حكم، فتكون الجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً تصديقاً لقول إبراهيم- عليه السّلام -، وقيل هو حكاية لكلام صدر من قوم إبراهيم جواباً عن سؤال إبراهيم: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ} ]الأنعام:81[، ولا يصحّ لأنّ الشأن في ذلك أن يقال قال الذين آمنوا... إلخ، ولأنَّه لو كان من قول قومه لما استمرّ بهم الضلال والمكابرة إلى حدّ أن ألقَوا إبراهيم في النّار.(3)

3. قول الشنقيطي:

المراد بالظلم هنا الشرك، كما ثبت عن النبي - صلّى الله عليه وسلّم- في صحيح البخاري وغيره من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقد بيَّنه قوله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}، وقوله تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ]البقرة:254[. وقوله تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} ]يونس:106[.(4)

4. قول السعدي:

قال الله تعالى فاصلاً بين الفريقين: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا}، أي يخلطوا {إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} الأمن من المخاوف والعذاب والشقاء والهداية إلى الصراط، فإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم مطلقاً لا يشرك ولا بمعاصي، حصل لهم الأمن التام والهداية التامة، وإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بالشرك وحده، ولكنهم يعملون السيئات، حصل لهم أصل الهداية وأصل الأمن، وإن لم يحصل لهم كمالها، ومفهوم الآية الكريمة: أنَّ الذي لم يحصل لهم الأمران، لم يحصل لهم هداية ولا أمن، بل حظّهم الضلال والشقاء.(5)

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت الآية: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شقّ ذلك على الناس وقالوا: يا رسول فأيّنا لا يظلم نفسه؟ قال: إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ]لقمان:13[، إنّما هو الشرك.(6)

5. قول ابن قيم الجوزية:

الخوف دائماً مع الشرك والأمن دائماً مع التوحيد، قال تعالى حكاية عن خليله إبراهيم أنه قال في محاجته لقوله: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ]الأنعام:81[، فحكم الله بين الفريقين بحكم، فقال: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}.

وقد صحّ عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - تفسير الظلم فيها بالشرك وقال: ألم تسمعوا قول العبد الصالح {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}، فالتوحيد من أقوى أسباب الأمن من المخاوف، والشرك من أعظم أسباب حصول المخاوف، ولذلك من خاف شيئاً غير الله سُلّط عليه، وكان خوفه منه سبب تسليطه عليه، ولو خاف الله دونه ولم يخفه، لكان عدم خوفه منه وتوكله على الله من أعظم أسباب نجاته منه، وكذلك من رجا شيئاً غير الله حُرم ما رجاه منه، وكان رجاؤه غير الله من أقوى أسباب حرمانه، فإذا رجا الله وحده كان توحيد رجائه أقوى أسباب الفوز به أو بنظيره أو بما هو أنفع له منه، والله الموفّق للصواب،(7) إنَّ الذين آمنوا وأخلصوا أنفسهم لله، لا يخلطون بهذا الإيمان شركاً في عبادة ولا طاعة ولا اتجاه، هؤلاء لهم الأمن، وهؤلاء هم المهتدون.(8

 

مراجع الحلقة الستون:

(1) تفسير الطبري "جامع البيان في تأويل القرآن"، (7/254).

(2) التدبر والبيان في تفسير القرآن بصحيح السنن، محمد بن عبد الرحمن المغراوي، (10/310).

(3) تفسير التحرير والتنوير "تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد"، محمد الطاهر بن عاشور،(7/331-332).

(4) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين الشنقيطي، (2/201-202).

(5) تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، ص487.

(6) صحيح البخاري، رقم (4629)، (8/373).

(7) مفتاح دار السعادة، ابن قيم الجوزية، 1997م، (3/387-388).

(8) في ظلال القرآن، سيد قطب، (2/1142).

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

http://alsallabi.com/uploads/books/16228097650.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022