الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

أمسك عليك لسانك (3)

الحلقة 112 من كتاب

مع المصطفى صلى الله عليه وسلم

بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)

رجب 1443 هــ / فبراير 2022

- التعبد بالسب:

إذًا: لو أن شخصًا مات وهو لم يذكر فرعون أو هامان أو قارون بسوء إلا أن يقرأ كتاب الله تعالى لم يضره، ولو أن شخصًا قضى قدرًا كبيرًا من عمره في سب فرعون ولعنه، فإنه لا يكتب له بذلك أجر، فالسب واللعن ليس مما يؤجر عليه العبد، وإن كان المؤمن يعلم من نصوص القرآن والسنة أن هؤلاء على ضلال وكفر وشرك، لكن ليس المقصود الاشتغال بأعراض الناس.

إن هذا المعنى مهم وعظيم، فقد ابتُلي الكثير من الناس اليوم بالوقيعة في الآخرين، ووجدوا مادة دسمة في النيل من الأعراض، وبعضهم قد يخرج ذلك إخراجًا شرعيًّا دينيًّا، فيظهر بأنه في سبيل محاربة البدعة، أو محاربة الانحراف، أو تحليل التاريخ.

إن هذا الكلام والقيل والقال يزيد المسلمين تفرقًا وشتاتًا واختلافًا، ويوغر الصدور، ويجعل الكثير من الناس يشتغل بعيب الآخرين بدلًا من أن يشتغل بتكميل نفسه وبنائها.

لقد كان الذين يتكلمون في الجرح والتعديل في السنة النبوية رجالًا بمواصفات خاصة، يتكلم أبو حاتم.. أبو زرعة.. البخاري.. أحمد بن حنبل.. يحيى بن معين.. علي بن المديني.. وأمثالهم من الأعلام العظام، أما آحاد الناس إذا تكلموا فإنه لا يسمع لهم ولا يلتفت إليهم، فهم بحاجة إلى من يزكيهم، فلا يؤخذ منهم تزكية ولا تعديل ولا تجريح، وإنما هذا يضرهم؛ بضياع أعمالهم، وأعمارهم، وقسوة قلوبهم، وظلمة ضمائرهم من كثرة القيل والقال.

جاء في «صحيح مسلم»، وغيره، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال يومًا لأصحابه: «أَتَدْرُونَ مَن الْمُفْلِسُ؟». قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع- يعني: ما عنده شيء- فقال: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا؛ فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ».

إذًا: «لَا تَسُبُّوا الْأمْوَاتَ فَتُؤْذُوا الأحْياءَ». وهذا فيه إشارة إلى أنه حتى الأموات الذين هم كفار لا حاجة لسبهم، ولذلك لما نزل قول الله تعالى: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ۝ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ۝ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ۝﴾ [المسد: 1-3].

وجاء ذمه والإشارة إلى عذابه وسوء خاتمته في القرآن الكريم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الصحابة أن يسترسلوا في الحديث عنه وأن يقتصروا على قراءة القرآن، وقال: «لَا يُؤْذَيَنَّ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ»؛ لأن بعض بنيه قد أسلموا، فكان يؤلمهم أن يتم حديث مفصل عما قاله أو فعله مما لا حاجة إلى استدعائه، فيكفي أن يقرأ الإنسان كلام الله سبحانه وتعالى ويتعبد بتلاوته ويؤجر على ذلك، ثم يقف عند هذا القدر.

رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم

http://alsallabi.com/books/view/506

كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي

http://alsallabi.com/books/7


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022