الجمعة

1446-04-15

|

2024-10-18

ما يستفاد من سيرة الشيخ محمد المهدي السنوسي؛ الخلاصات والإستنتاجات (ج١)

بقلم: الدكتور علي محمّد الصلابي

الحلقة التاسعة

صفر1441ه/ أكتوبر 2019

• ولد محمد المهدي السنوسي في الجبل الأخضر في ليبية في شهر ذي القعدة عام (1260 هـ)، الموافق نوفمبر (1844 م).
• كانت فرحة الإخوان، وابن السنوسي بمولد محمد المهدي عظيمة.
• لما ولد الابن الثاني لمحمد بن علي السنوسي عام (1262 هـ/1846 م)، كتب عمران بن بركة لشيخه يهنئه بالمولود الثاني، ويسأله عن اسم الوليد الثاني، رد له الجواب بتسمية الشريف قائلاً له: «إننا لا نحيد بأسماء أبنائنا عن أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يختلفون في الألقاب والكنى، فكما سميت الأول محمداً المهدي ليحوز أنواع الهداية، فسمِّ هذا محمداً الشريف ليحوز أنواع الشرف».
• أسند ابن السنوسي تربية أولاده للإخوان، وكان المسؤول الأول الشيخ العلامة عمران بن بركة.
• وبعد أن حفظ محمد المهدي القران الكريم طلبه والده للمجيء للحجاز، وصحبه العلامة محمد بن إبراهيم الغماري، وهناك عهد به والده إلى نخبة من العلماء لتربيته وتلقينه العلوم تحت إشرافه المباشر.
• رجع محمد المهدي إلى الجغبوب بصحبة العلامة عبد الرحيم المحبوب، وواصل محمد المهدي تعليمه العالي في معهد الجغبوب، وأشرف على تعليمه وتربيته والده ابن السنوسي وكبار الإخوان.
• تميَّز محمد المهدي منذ طفولته بالذكاء، وحسن الخلق، والصفات الرفيعة، والأخلاق الحميدة.
• تزوج محمد المهدي في حياة والده وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره بفاطمة ابنة عمران بن بركة، وذلك عام (1275 هـ/1858 م)، وقد أنجبت للمهدي عدة أولاد، وتوفيت في حياته سنة (1891م).
• بعد وفاة ابن السنوسي خفَّ كبار العلماء والشيوخ في الحركة السنوسية إلى مبايعة محمد المهدي.
• كوَّن محمد المهدي السنوسي مجلساً أعلى من كبار الإخوان، يتكون من العلامة عمران بن بركة، وأحمد الريفي، وعلي عبد المولى، وفالح الطاهري، وعبد الرحيم المحبوب، ومحمد المدني التلمساني، ومحمد بن الحسن البسكري.
• كان المجلس الأعلى للحركة يمثل قمة الهرم الذي قاعدته الزوايا، وكان يضم كبار رؤساء الزوايا في برقة، وطرابلس، ومصر، والحجاز، والسودان، وشمال إفريقية، وكان يجتمع سنوياً في الجغبوب للنظر في أهم أمور الحركة.
• من الملاحظ أن مبدأ التفرغ كان موجوداً في الحركة لقناعة الحركة السنوسية أن الأعمال العظيمة تحتاج إلى أوقات كبيرة، وجهود ضخمة وهمم عالية، ولذلك سلكت الحركة السنوسية مسلك تفريغ بعض القيادات، ووفرت المال اللازم لهذا الهدف، ووفرت كل ما يحتاجه الأفراد المتفرغون حتى يستطيع المتفرغون أن يبذلوا ما في وسعهم من أجل الدعوة ونشرها بين الناس.
• اهتم محمد المهدي بتطوير العاصمة السنوسية، فحفلت الجغبوب بالنشاط العلمي، والزراعي، وانتظم سير العمل في معهد الجغبوب، ووزع تلاميذ المدارس القرانية على أقسام، ورتبت بدقة أمور الدراسة، وكل ما يتعلق بالطلاب.
• كانت الزوايا تقوم بدورها في جمع المعلومات وما يتعلق بالقضايا الأمنية وترسلها إلى الجغبوب، وكان نظام البريد ينقسم إلى أربعة أقسام، نقطة ارتكازها الجغبوب.
• نمت الحركة السنوسية في عهد محمد المهدي نمواً كبيراً، وتضاعف عدد الزوايا أكثر من أربعة أضعاف، وانتشرت هذه الزوايا في الصحراء الكبرى، وعلى طريق مصر، وتونس، وفي واداي.
• كان من أسباب هذا النمو السريع: طبيعة الحركة، ونظمها المتطورة بالنسبة لعصرها، وفهمها لطبيعة المجتمعات القبلية، وطول المدة التي قضاها الزعيم الثاني
في قيادة الحركة، إذ تجاوزت أربعين سنة، فتمكن أثناءها من تركيز العلم الذي بدأه والده.
• تمكَّن الإمام المهدي أن يبني علاقات قوية مع الإمارات الإسلامية في واداي، وبرقو، وكانم وغيرها، واختط خطة حكيمة كانت مبنية على الحيطة والحذر من النفوذ الصليبي الأوروبي في إفريقية، ثم عدم التردد في مكافحة هذه الدول إذا جد الجد، كما فعل مع فرنسة.
• كان محمد المهدي يحرص دائماً على إزالة البغضاء والشحناء من نفوس القبائل المتعادية، ويدعوها إلى أخوة الإسلام، وشغلها بالطاعة، ودفعها نحو المعالي، والأخلاق الرفيعة، واستطاع أن ينظم من القبائل كتائب للجهاد ساهمت في قتال فرنسة، وبعد وفاته قاتلت إيطالية.
• كرَّس المهدي جهوده للبناء الداخلي في الحركة، واختطَّ طريقاً سلمياً تجنب الاحتكاك فيه جهد المستطاع بالقوى المحيطة به، واستطاع أن يتخذ مواقف تدل على بعد نظره وثاقب فكره من الثورات التي حدثت في السودان، ومصر، وكذلك الدول الأوروبية.
• نشطت الحركة السنوسية في تعبئة أتباعها على الاستعداد للجهاد، ونظمت صفوفها، ورأى السلطان عبد الحميد الثاني في الحركة السنوسية قوة منظمة ومعدة إعداداً مادياً ومعنوياً جيداً يمكن استغلالها في المواجهة العسكرية المتوقعة مع أعداء الدولة العثمانية في شمال إفريقية.
• حققت الحركة السنوسية انتشاراً كبيراً في أواسط إفريقية، وتوطَّد سلطانها في قلب الصحراء الكبرى، وكانت عقبة في طريق الرسالات التنصيرية التي وجدت في الحركة السنوسية خصوماً عنيدين؛ عطلوا عليها أعمالها لدرجة بعيدة.
• تولت فرنسة مهمة الهجوم الإعلامي على الحركة السنوسية، وأرسلت عدداً من الرحالة؛ منهم دوفرييه، ثم وقفت من الحركة موقفاً عدائياً، وشنت عليها حرباً دعائية بوساطة رحالتها الذين كتبوا عن السنوسية، وقصدت بذلك تشويه الحركة، كما تجلى موقفها العدائي في ضغطها على الباب العالي للتضييق على السنوسية، ثم تبلور هذا الموقف في حربها الظالمة لمواقع الحركة السنوسية في تشاد.
• إن نظرة المهدي للثورات غير المدروسة دراسة دقيقة تتيح للأجانب التدخل، ويرى أن طريق البناء، والتربية، والإعداد العقدي، والوسائل السلمية هي الطريقة المثلى نحو النهوض الشامل للأمة.
• إن علماء الحركة السنوسية وعلى رأسهم المهدي السنوسي لم يؤمنوا بمهدية محمد أحمد، وكذلك رفضوا القول بمهدية المهدي السنوسي، واعتبره محمد المهدي السنوسي نوعاً من التخريف، ويرجع ذلك إلى علمهم المتين، واستيعابهم لكتاب الله، والسنة المطهرة التي بينت حقيقة المهدي المنتظر، والتزموا بعقيدة أهل السنة والجماعة التي وضحت هذا المعتقد.
• إن التهمة الموجهة للحركة السنوسية بأن أتباعها يعتقدون في الإمام المهدي السنوسي أنه هو المهدي المنتظر تهمة باطلة، رفضها الإمام محمد المهدي، وعارضها وأبى الموافقة على القول بها، وعندما سئل الملك إدريس رحمه الله عن رأي أبيه في قول بعض أتباع الطريقة بمهدويته أجاب: «كان كلما سمع هذا القول نفاه بشدة، وأبداً لم يعتقد به.
• إن الليبيين عموماً ارتبطوا بفكرة الجامعة الإسلامية، وسياسة الدولة العثمانية وسلطانها عبد الحميد الثاني الذي تبنَّى الدعوة إليها، وأكدوا في كل مناسبة ارتباطهم بهذه الدعوة، وخاصة في أزمات الدولة، ففي حرب الدولة مع اليونان سارع أهل طرابلس بتشكيل اللجان لجمع التبرعات، وقد كتب على الاستمارات المعدة للجمع عبارة (إعانة جهادية)، وبلغ مجموع التبرعات قرابة (مئة ألف فرنك).
• كانت خطة التوسع عند الحركة السنوسية تستدعي من زعيمها محمد المهدي الانتقال نحو الجنوب وفق خطوات مرسومة، ومراحل معلومة لدى قادة الحركة، وتقرر لدى محمد المهدي الانتقال من الجغبوب إلى الكفرة، وشرع في تنفيذ القرار الاستراتيجي بسرعة البرق، فجمعت الإبل الكافية للنقل، وخبراء الطريق، والأمتعة الضرورية.
• كان قرار انتقال الإمام المهدي إلى الكفرة مفاجأة لأهالي ليبية، واهتزت البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وترك أثراً حزيناً أليماً في النفوس.
• تولى المهدي السنوسي تصريف أمور الحركة من الكفرة، فعجت بالحركة ،
وأصبح أتباع الحركة يقدمون إليها من كل حدب وصوب، حتى ضاقت بهم مساكنها.
• تأثر محمد المهدي بوفاة أخيه محمد الشريف الذي كان عالماً ربانياً، ومستشاراً عبقرياً، وكان مشرفاً على معهد الجغبوب، وقد تميز بغزارة العلم ودقة الفهم، والقدرة على التدريس.
• استطاعت الحركة السنوسية أن تفجر طاقات الشعراء، وأضفت عليهم معاني في الصدق، والمثل الرفيعة، ومبادأى الدعوة، وكونت أدباً رفيعاً خاصاً بها، يستحق البحث والتنقيب، والدراسة والتحليل.
• بعد أربع سنوات من المكوث في الكفرة شد المهدي رحاله إلى زاوية قرو في برقو في السودان الغربي، ليشرف بنفسه على تنظيم المقاومة، واتخاذ الأهبة لمواجهة القوات الفرنسية الزاحفة نحو بحيرة تشاد.
• تقدم الفرنسيون نحو كانم في حملة مجهزة بالأسلحة والمعدات الحديثة، واستعد السنوسيون لملاقاتهم، فوضعوا حامية كبيرة في بير العلالي، واشتبكت الحملة في معركة حامية الوطيس مع الإخوان السنوسيين، وكان النصر حليف المدافعين برئاسة الشيخ محمد البراني.
• استمرت المعارك بين قوات المجاهدين والجيش الفرنسي، واضطر المجاهدون تحت وابل الرصاص للانسحاب بعد أن قتلوا من الجيش الفرنسي أضعافاً مضاعفة، وفي هذه الأثناء وصل إلى المجاهدين خبر وفاة الإمام المهدي، فخارت العزائم، وضعفت الهمم، وكانت وفاة المهدي بعد أن اشتد المرض عليه، وكان ذلك في يوم الأحد (24 صفر 1320 هـ) الموافق (2 يونيو 1902 م) في زاوية قرو، ثم نقل ودفن في زاوية التاج.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022