الجمعة

1446-04-15

|

2024-10-18

ما يستفاد من سيرة الشيخ محمد المهدي السنوسي؛ الخلاصات والإستنتاجات (ج٢)

بقلم: الدكتور علي محمّد الصلابي

الحلقة العاشرة والأخيرة

صفر1441ه/ أكتوبر 2019

كان محمد المهدي داعية من الطراز الأول، تجسدت في شخصيته صفات القادة الربانيين، وكان يهتم بأمر المسلمين، في كل صقع من أصقاع العالم، وكان يؤلمه أي خلاف إسلامي أو أي مشكلة تقع بين الأفراد، أو بين القبائل، فكان يولي هذه الناحية مجهودات كبيرة في فكره وتفكيره، ويتخذ كل الوسائل لإزالة سوء التفاهم بعلمه وارائه وتدبيره، عاملاً على إحلال الصفاء والوئام محل الشقاق والخصام.
• ترك لنا الشاعر أحمد رفيق المهدوي قصيدة رائعة تحمل في كل بيت منها صورة واضحة لسيرة الزعيم الثاني للحركة السنوسية، وبينت إصلاحاته العلمية، والدينية، والعملية، والنظامية.
• تولى قيادة الحركة السنوسية بعد وفاة المهدي ابن أخيه أحمد الشريف الذي قاد كتائب الجهاد ضد فرنسة في تشاد، وضد إيطالية في ليبية، وضد بريطانية في مصر.
• يتفق معظم المؤرخين بأن أحمد الشريف ولد بواحة الجغبوب ليلة الأربعاء بتاريخ (27 شوال سنة 1290 هـ) الموافق لسنة (1873 م)، انكبَّ منذ طفولته على القراءة والتحصيل، وحفظ القران الكريم في سن مبكرة.
• تربى أحمد الشريف في حجر والده العلامة محمد الشريف، وحينما ترعرع وبلغ السادسة من عمره دخل تحت كنف عمه المهدي السنوسي، فاهتم بتربيته وتهذيبه، وأشرف عمه على تعليمه وتحفيظه للقران الكريم.
• شارك أحمد الشريف مع عمه في معارك الحركة ضد فرنسة في تشاد، ولما شعر محمد المهدي بدنو أجله، عهد إلى ابن أخيه بالقيادة لما توسم فيه من القدرة على الاضطلاع بأعباء الحركة.
• استمر أحمد الشريف على نهج زعماء الحركة السنوسية، فواصل الجهاد ضد الاستعمار الفرنسي، ونشر الدعوة الإسلامية بكل حكمة في إفريقية، واتخذ من الكفرة عاصمة للحركة السنوسية، وأناب عنه محمد السني لإدارة أمور الجهاد.
• كان الصراع بين فرنسة والحركة السنوسية في إفريقية على أشده، وتميز السنوسيون في جهادهم بقدرتهم على الكر والفر، وكانت قبائل الصحراء والقبائل الليبية تتمحور حول قيادة الحركة السنوسية.
• كان من أشهر قادة الحركة السنوسية في جهادها ضد فرنسة، المجاهد محمد كاوصن، عبد الله السني، عبد الله فضيل، الطوير الزوي، البراني الساعدي، غيث عبد الجليل سيف النصر، محمد بو عقيلة الزوي، صالح بو كريم الزوي، كيلاني الأطيوش المغربي، عابدين الكنتي.
• استمرت إيطالية أكثر من ثلاثين سنة وهي تجمع المعلومات وترسل الجواسيس، وتخطط لغزو ليبية، وتتوغل بالمؤسسات التجارية، والمدارس العلمية لغزو بلادنا.
• كانت إيطالية عازمة على احتلال ليبية، وبذلت في سبيل ذلك جهداً كبيراً على مستوى الولاية نفسها، بتعزيز مظاهر نفوذها أو على المستوى الدولي بالحصول على موافقة أغلب الدول الأوروبية على ذلك، إلا أن شدة تمسك الدولة العثمانية بالولاية في زمن السلطان عبد الحميد الثاني، وقوة نفوذ الحركة السنوسية في داخل ليبية، وحسن التنسيق القائم بين الطرفين، كل ذلك أدى إلى تأجيل إيطالية تنفيذ مشروعها الاستعماري العدواني الغاشم عام (1911 م).
• في عام (1911 م) أعلنت إيطالية الحرب على ليبية، وشرعت بوارجها في قصف المدن الليبية، واستعد أهالي البلاد للجهاد في سبيل الله.
• بعد وصول خبر احتلال إيطالية لطرابلس، وقصفها لبقية المدن الليبية بأساطيلها، قام أحمد الشريف بجمع السادة، والشيوخ، والعلماء، والقادة، وعرض عليهم الأمر واستشارهم، وخرج الأمر بتوجيه الشيوخ وعلماء الحركة بقيادة المجاهدين في كافة ساحات الوغى، وقال أحمد الشريف: «والله نحاربهم ولو وحدي بعصاتي هذه».
• تدفق أتباع الحركة السنوسية كالسيل الجارف على ميدان القتال في طرابلس، وفي منتصف يناير (1912 م) قال السيد أحمد الشريف كلمته لأهل ليبية، وأصدر نداءه المشهور يحث فيه أهالي البلاد على الجهاد ضد العدو المعتدي، ويعلن فيه نبأ اعتزامه النزول بنفسه إلى ميدان القتال.
• اعترف السلطان العثماني بجهود أحمد الشريف، وأهداه في مارس (1912 م) سيفاً ونيشاناً مرصعاً بالجواهر مكافأة وتقديراً لجهوده في الجهاد.
• خلد التاريخ المعاصر أسماء المعارك التي قام بها الأجداد ضد إيطالية في المنطقة الغربية من ليبية؛ من أهمها: معركة طرابلس، معارك الخمس، معركة الهاني، معركة سيدي مصري، معركة قرقارش، معركة أبي كماش، معركة لبدة، معركة تاجوراء.
• أرسل أحمد الشريف أخاه صفي الدين ليتولى قيادة الجهات الغربية من برقة ، وكان لإرساله فرحة عظيمة لدى القبائل المنضوية تحت لواء الحركة السنوسية، وقاد صفي الدين معركة عظيمة ضد إيطالية بموقع (أبي هادي)، واستمرت المعركة بشدة وعنف عدة ساعات انجلت عن خسارة إيطالية.
• كانت الانتصارات التي حققتها الحركة السنوسية محل الإعجاب والتقدير، من أبناء ليبية المخلصين، ولذلك اتصل كثير من القادة والشيوخ بصفي الدين، وكان رمضان السويحلي المجاهد الكبير على رأس أولئك الأبطال المغاوير.
• حقق المجاهدون نصراً عظيماً في معركة القرضابية، وبدأت قواتهم في تطهير البلاد من المعتدين، وتركت الحاميات الإيطالية حصونها بسهولة، وهامت على وجهها عبر التلال والسهول المحرقة الجافة، وحررت مزدة، والقصبات، وسرعان ما وصل المجاهدون إلى ابن غشير على بعد 15 ميلاً من طرابلس.
• حقق المجاهدون انتصاراً عظيماً على إيطالية، ولولا الشقاق والخلاف والنزاع الذي وقع بين رمضان السويحلي وصفي الدين السنوسي لأصبح الجهاد أمراً اخر.
• تولى محمد عابد السنوسي جهاد الجنوب في فزان والجفرة والنواحي الغربية من فزان، واتخذ من زاوية (واو) مركزاً للقيادة.
• قاد سالم بن عبد النبي الزنتاني حرب عصابات ناجحة في ولاية فزان، وأثخن في أعداء الله، وهاجم القاهرة؛ وهي ربوة عالية في (سبها) يوجد بها حصن وسياج من المدافع والأسلاك الشائكة، وأصبحت تلك القلعة منيعة جداً، واستطاع سالم عبد النبي فتحها بقواته المجاهدة عام (1914 م)، ولقد أبلى أهل الجنوب بلاءً حسناً في جهادهم ضد إيطالية.
• دافع أهالي بنغازي عن مدينتهم دفاعاً مجيداً، وأظهروا من البطولة والشجاعة النادرة، ما جعلهم محل التقدير من كل المسلمين، وسجلوا صفحات مجيدة خالدة في سجل التاريخ.
• توافدت النجدات العسكرية إلى مدينة بنغازي بقيادة شيوخ الحركة السنوسية، فوصلت كتيبة العرفا، وعددها ثلاثمئة مسلح، يقودها الشيخ عمران السكوري، وتلتها بقية النجدات التي جاء بها زعماء القبائل وشيوخ الزوايا من كل حدب وصوب.
• صممت الدولة العثمانية على المقاومة حفظاً لماء الوجه، أمام الرأي العام الإسلامي، فأرسلت نخبة من ضباطها وقوادها المشهورين، لتقوية روح المقاومة والدفاع، وتدريب المجاهدين وتعليمهم كيفية استعمال الأسلحة الحديثة والمعدات.
• كان من أبرز قادة الأتراك الذين أرسلتهم الحكومة العثمانية كل من: الرائد أنور بك، ومصطفى كمال، وفتحي أوفيار، وخليل بك عم أنور بك، وفؤاد بولجا قاش باشي، وسليمان العسكري، وعزيز علي المصري، وأدهم باشا الحلبي.
• تفاعل العالم الإسلامي مع البطولات العظيمة التي حققها المجاهدون في ليبية، وقامت الشعوب الإسلامية بواجبها نحو إخوانهم في الدين.
• أدركت إيطالية عجزها عن إتمام احتلال بقية ليبية، ولذلك قررت أن تهاجم الدولة العثمانية في مراكزها الضعيفة لترغمها على الدخول في المفاوضات للوصول إلى تخلي تركية عن دعمها لليبية، ونجحت في ذلك.
• كان موقف أحمد الشريف واضحاً قبل توقيع الصلح بين إيطالية وتركية، فقد بعث إلى أنور باشا في درنة يذكر فيه ما وصله من أن الدولة تعتزم إعطاء ليبية إلى إيطالية، فقد جاء في رسالته: «نحن والصلح على طرفي نقيض، ولا نقبل صلحاً بوجه من الوجوه» إذا كان ثمن الصلح تسليم البلاد إلى العدو، وزيادةً حذره مما سوف يحدثه قبول الصلح في نفوس المسلمين في جميع الأقطار من نفور شديد من الدولة العثمانية.
• قامت الدولة العثمانية بتنفيذ معاهدة أوشي، فأصدرت أوامرها لضباطها وجنودها في ليبية للانسحاب.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022